فتاوي القهاوي.. متي تنتهي ؟

عقيدتى العدد 919
6 يوليو 2010 م

 

 نادينا كثيراً بفهم رسائل السماء. ولكن يبدو أن هناك من يغلق قلبه أمام هذا النداء. كنا نرجو أن تكون الفتاوي من جنسية كبرياء. لا من فصيلة بكاء. فلا يقول كل من لا يعرف ما يشاء. ولا يستوعب ما أقره الأنبياء. ولا يفرق بين الماء والهواء. ولا بين الصباح والمساء. ولا بين القطب الشمالي وخط الاستواء. ولا بين الصيف والشتاء. وفي النهاية يجلب لنا وله الشقاء.

 لقد ساد في زماننا ما يمكن تسميته بفتاوي المقاهي. علي الرصيف نجد من يجلس وهو منتفخ الصدر. يرد بأسرع من البرق. يحرم الحلال. ويحلل الحرام. ويخلط بين ما هو حق وما هو باطل. وغالباً ما تكون الورطة في شرعية الأشياء التي لم تكن موجودة في عصر الرسول صلي الله عليه وسلم. ويفضل البعض ان يحرمها من باب الاحتياط أو في أضعف الأحوال يفتي بتجنبها. والافضل ان نتجنبه هو.
 إن هناك أشياء اساسية تحل لنا أي مشكلة في أي موضوع مهما كان. لا داعي أن نتورط في التفاصيل. يكفي ان نطمئن إلي الاساس. هل هو صحيح أم لا؟ لو كان الاساس صحيحاً فالتفاصيل صحيحة. ولو كان الجوهر حلالاً فإن المظهر يكون كذلك. مثلا.. هناك من يتساءل: هل اللحم المفروم حلال أم حرام؟ يهمنا هنا أن نعرف نوع اللحم. ولا يهمنا ان نعرف طريقة طهوه. ولا سعره. ولا كيفية تربيته. ولا جنسية الرجل الذي باعه. الاساس هنا: كيف ذبح؟ هل ذبح شرعاً؟ لو كان قد ذبح شرعاً فلا سؤال بعد ذلك يحتاج إلي فتوي. لا سؤال عن طريقة طبخه. اطبخه كما تشاء. ولا سؤال عن إناء طهوه. ليكن من الفخار أو من النحاس أو من الالومنيوم.. لا يهم. فكل ذلك لا يؤثر علي تحريمه. كل ذلك تفاصيل تؤدي بنا إلي متاهات وافتراءات. فلو كان الذبح غير شرعي فاللحم حرام حتي لو سلقته في ماء من زمزم. حتي لو أكلته في الكعبة. حتي لو قرأت عليه قرآنا. ما اساسه حرام لا يحل. وما اساسه حرام فهو حرام. ومثال آخر: انك لو توضأت ونويت الصلاة واتجهت إلي القبلة فالصلاة صحيحة. لا يفسدها أن تكون اليد مرسلة إلي اسفل أو مقبوضة علي الصدر. لا يفسدها ان تكون العمامة مقلوبة أو معدولة. لا يفسدها ان يكون ثوبك جلباباً أو بدلة افرنجية. المهم طهارة الثوب. وطهارة مكان الوضوء والصلاة. لاشيء آخر يهم. فالتشعب في التفاصيل يفسد الفتوي.. الفتوي فقط في الاساسيات الشرعية. ومثال ثالث: ذكر الله.. ذكر الله حلال. ولا يهم بعد ذلك ان تذكر الله سراً أو جهراً. قائماً أو نائماً. مسافراً أو مقيماً. ليلاً أو نهاراً. ما جوهره حلال لا يفسده شيء آخر. التفاصيل ممارسات شأنها شأن أي شيء آخر. مثال رابع: اللبس.. اللبس حلال طالما يستر العورة. لا يهم نوع القماش. أو لونه. لا يهم تفصيل الثوب. أو مكان صناعته. الشرع أن يستر الثوب العورة. وما عدا ذلك نوع من ضياع الوقت وإهداره. مثال خامس: شرب الماء.. شرب الماء حلال. لا يهم ان أشرب بيدي أو من زجاجة. لا يهم ان أشرب من الحنفية أو من النيل مباشرة. ولو كان الماء خمراً. فهو حرام. ولا يحله أي شيء مهما كان. لكن.. هذه الأشياء البسيطة ربما كانت لا تحتاج إلي من يعقدها أما العقدة فهي في الأشياء التي لم تكن شائعة في عصور الإسلام الاولي مثل حلاوة المولد ان هناك مع الأسف من يحرمها ومثل التورتة والبيتزا وما في حكمها.. في هذه الحالة علينا ان ندخل مثل هذه الاشياء معمل التحاليل الشرعية.. انه معمل مثل معامل تحليل ام.. نأخذ حلاوة المولد ونحلل مكوناتها الاساسية.. سنجدها تتكون من سكر ودقيق وحمص وفول سوداني.. مثلا.. نأخذ كل مكون علي حده ونحدد شرعيته.. السكر حلال.. الدقيق حلال.. الحمص حلال.. الفول السوداني حلال.. إذن حلاوة المولد حلال.. لو كان هناك مكون واحد حراما فهي حرام.. هذه هي القاعدة الشرعية وكل ما عداها هو نوع من فتاوي المقاهي لا يعتد بها..

ولا حول ولا قوة إلا بالله