ركب النبى البراق ليخفف من سرعته لا ليزيدها- الجزء الثاني

عقيدتى العدد 918
29 يونيو2010م

نواصل حديثنا عن معجزة الإسراء والمعراج فنقول وبالله التوفيق: رأي الرسول صلي الله عليه وسلم ربه بالأفق المبين .. ولكن ما هو الأفق المبين.. إن للرأس عينا يقول الله عنها: “ما زاغ البصر وما طغي“.. وللعقل عين يقول الله عنها: “أفتمارونه علي ما يري“.. وللقلب عين يقول الله عنها: “ما كذب الفؤاد ما رأي“.. وللروح عين يقول الله عنها: “ولقد رآه نزلة أخري“..

وعندنا نحن البشر عين الروح أعلي من عين القلب .. وعين القلب أعلي من عين العقل .. وعين العقل أعلي من عين الرأس .. عندنا هذه العيون درجات .. أما عند رسول الله صلي الله عليه وسلم فهي في مستوي أفقي واحد في خط مستقيم .. فما يراه بعينه يراه بعقله يراه بقلبه يراه بروحه .. وهذا هو الأفق المبين.
ورحلة الإسراء والمعراج مقسمة إلي ثلاث مراحل .. الأولي : مرحلة أرضية .. والثانية : مرحلة سماوية تنتهي حيث توقف جبريل .. والثالثة : مرحلة سماوية تبدأ بعد أن توقف جبريل.
وتنتهي المرحلة الأرضية عند بيت المقدس .. وتنتهي المرحلة الثانية عندما توقف جبريل عند سدرة المنتهي .. والمرحلة الثالثة هي مرحلة الرؤية الإلهية .. لذلك لا مجال أن يحتج أحد بقوله تعالي : “لا تدركه الأبصار“.. فكل الأبصار لا تدركه إلا بصر رسول الله صلي الله عليه وسلم .. إن رؤية الله مستحيلة إلا بقدرته ومشيئته .. ورؤية أي شيء مستحيلة إلا بإرادة الله .. إن وجود عين في رأس إنسان ليست دليلا علي الإبصار .. ووجود لسان ليس دليلا علي النطق بالكلام .. ووجود أذن ليس دليلا علي السمع .. إن الحواس هبة من عند الله .. يمنحها من يشاء .. ويحجبها عمن يشاء .. وهو علي كل شئ قدير .. بما في ذلك تفضله علي النبي صلي الله عليه وسلم برؤيته.
وعندما صعد النبي صلي الله عليه وسلم إلي السماء لم يغير ثيابه .. لم يلبس ملابس خاصة كالتي يلبسها رواد الفضاء .. ليواجهوا بها عوامل الطبيعة .. الضغط الجوي .. الجاذبية الأرضية .. انخفاض درجات الحرارة إلي ما تحت الصفر في طبقات الجو العليا .. فلو لم يكن النبي صلي الله عليه وسلم نورا لتأثر بهذه العوامل .. تجمد من البرد .. لم يتحمل ضغط الهواء .. لما بقيت ثيابه علي جسده .. لطار خفه في الهواء .. يقول أحد الصالحين: علي رأس هذا الكون نعل محمد علاہ فجميع من في الكون تحت نعاله ..علي الطور موسي نودي إخلعه وأحمد علي العرش لم يؤمر بخلع نعاله.
ومراحل الإسراء والمعراج الثلاث هي مراحل الدين .. المرحلة الأولي من الرحلة هي مرتبة الإسلام .. والمرحلة الثانية هي مرتبة الإيمان .. والمرحلة الثالثة هي مرحلة الإحسان. وهو ما ورد في حديث البخاري .. حيث جاء رجل شديد بياض الثياب .. شديد سواد الشعر .. لا يبدو عليه علامات السفر .. ولا يعرفه أحد .. جلس أمام النبي صلي الله عليه وسلمپ واضعا ركبتيه إلي پركبة النبي صلي الله عليه وسلمپ .. ووضع يديه علي فخذيه كهيئة المتأدب. وقال : يا رسول الله .. ما الإسلام ؟ .. فقال الرسول : أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا .. قال الرجل : صدقت .. فما الإيمان ؟ .. قال الرسول صلي الله عليه وسلم : أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره .. كل من عند الله .. قالپ الرجل : صدقت .. فما الإحسان ؟ .. قال الرسول صلي الله عليه وسلم : أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
الملاحظ في المرحلة الأولي أنها مرحلة عبادة جسدية .. الدليل فيها عقلي .. والعمل فيها بدني .. والإيمان فيها بالدليل والبرهان .. ولذلك إستخدم فيها البراق وهو دابة تشبه دواب الأرض .. والمرحلة الثانية مرحلة الإيمان.. الإيمان بالغيب .. وهي مرحلة قلبية .. الأدلة فيها قلبية .. وقد استخدم فيها المعراج .. والمرحلة الثالثة هي مرحلة الإحسان .. وهي مرحلة روحية والأدلة فيها روحية والعبادة فيها هي رؤية الله سبحانه وتعالي .. لو عدنا إلي حديث البخاري لنستكمله لوجدنا أن الصحابة بعد أن انصرف سألوا رسول الله صلي الله عليه وسلم .. قالوا يا رسول الله عجبنا .. هذا الرجل يسأل ويصدق .. قال الرسول صلي الله عليه وسلم : أتدرون من السائل ؟ .. قالوا : الله أعلم ورسوله .. قال الرسول صلي الله عليه وسلم : إنه جبريل أتاكم ليعلمكم دينكم.
وفي المرحلة الأولي يسمي العلم المكتسب علم اليقين .. وفي المرحلة الثانية يسمي العلم المكتسب عين اليقين .. وفي المرحلة الثالثة يسمي العلم المكتسب حق اليقين .. وحتي نستوعب الفروق بينها .. تصور شخصا عنده صداع .. أخبرته بدواء يزيله .. ثم قدمته له .. فتناوله بشربة ماء حتي زال الصداع . مرحلة إخباره هي علم اليقين .. مرحلة رؤية الدواء هي عين اليقين .. مرحلة تناوله والتعامل معه هي حق اليقين . لقد أخبر النبي صلي الله عليه وسلم الناس عموما بأنه ذهب إلي بيت المقدس وعاد .. إكتفي بذلك بالنسبة لعموم الناس إحتراما لعقولهم كما أنه يستطيع أن يقيم الدليل العقلي علي ما يقول . وأخبر الصحابة بأنه صعد إلي السماء إلي موطن سمع فيه صريف الأقلام . وأخبر أبا بكر بأنه رأي ربه .. هذه مستويات مختلفة .. تبدأ بالايمان القائم علي دليل العقل .. وتنمو بإيمان يمكن پإستيعابه بالقلب إلي حدود معينة .. ثم إيمان بالقلب لا حدود له .. وهو ما كان يتمتع به سيدنا أبو بكر فهو كان يصدق النبي صلي الله عليه وسلم دون دليل .. ولذلك سمي الصديق.
وفي النهاية فإن كل من يقرأ هذا مكلف بتصديقه .. ولكن .. ليقف كل منا عند حدود مداركه .. فمن توقف فهمه عند العقل فهذه نعمة .. ومن رفع الله مستوي التصديق عنده إلي حدود القلب فهذه نعمة أكبر .. ومن رفعه الله إلي ما هو أعلي من ذلك فهو فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو فضل عظيم ..

ولا حول ولا قوة إلا بالله