نصلي على ميت صلاة الجنازة : فكيف نبطل الصلاة في مسجد به ضريح؟

الفجر العدد 306
2011/5/30

1-في المسجد النبوي في المدينة وأمام الكعبة وفي كل بيوت الله يصلي المسلمون صلاة الجنازة بعد صلاة الفريضة .. يصلون على ميت يرقد جثمانه أمامهم .. دون أن يجرؤ أحد أن يحكم ببطلان صلاتهم للفريضة .. أو يحكم بكفرهم .. أو يطالب بهدم المكان علي من فيه.

لو كانت الصلاة المفروضة في وجود الميت غير باطلة .. فلماذا نبطل الصلاة في مسجد به جثمان ولي وبيننا وبينه ضريح ومقصورة ؟ وبمعنى أخر ما هو حكم صلاة الفريضة في مسجد يوجد به جثمان ميت ينتظر صلاة الجنازة ؟ لا شك أنها صحيحة.
إن ما يبطل الصلاة طبيعة النية وعدم الطهارة ومخالفة القبلة .. أما أن تُقبل الصلاة أو لا تُقبل فهذا شأن الله .. لا شأن البشر .
ولا يكفي أن يطلق شخص لحيته ويصف نفسه بالسلفي كي نتبعه .. أو نصدقه وإلا صدقنا أن من سموه كريماً ليس بخيلاً .. أو من سموه نخلة طويلاً .
ليس من حق أحد .. لا شيخ الأزهر .. ولا شيوخ السلفية .. ولا أمراء الجهاد.. أن يحكم بكفر أحد ..
فليس لكل من يُطلق على نفسه صفة أن يحاكمنا .. وإلا كان لدينا كفار يعلنون الشهادة ويصلون ويصومون ويخرجون الزكاة ويحجون لبيت الله الحرام .
لقد دخلنا في قلوب الناس وأطَّلعنا عليها وأصدرنا حكماً على أشياء لا يعلمها إلا الله .
عندما كفرَّ ( ذا النون المصري )علماءُ عصره أي حكموا عليه بالكفر ..فاستدعاه الحاكم .. وفي الطريق إليه وهو مكبل .. سألته إمرأه :”يا ذا النون إلى أين؟” .. قال :”كما ترين ” .. قالت :”لا تنتصر لنفسك فيتخلى عنك الله ولا تخف من السلطان فيكلـُك الله إليه”.
وعندما دخل على الحاكم قال له : يا رجل ما قولك فيما أجمعت عليه الأمة ؟
قال: وعلى ماذا أجمعت الأمة ؟
قال: أجمعت الأمة على كفرك .. ما رأيك ؟
قال: وهل رأي رجل يعدل رأي أمة ؟
قال: أنت مقر بما يقولون !
قال: في أي شئ ؟
قال: في كونك كافرا ً!
قال: يا سيدي إن الإيمان شيء داخلي لا يعلمه إلا الله .. أنا شخصياً لا أعرف إن كنت مؤمناً أو غير مؤمن .
قال: إذن كيف عرفوا أنك كافر وأنت صاحب الشأن لا تدري ؟
قال: أسألهم.
فسألهم الحاكم : هل الإيمان داخل القلب؟ .. فأجابوا بنعم .. فسألهم إذا كان صاحب الشأن لا يعلمه فكيف علمتموه ؟ .. ثم التفت إلى ذي النون قائلاً : “يا رجل لو كان مثلك كافراً فما على ظهر الأرض مؤمن واحد “.
إن من السهل تزوير الشهادات وأوراق النقد ، لكن الخطير هو تزوير النوايا .. فمن حكموا بكفر ذي النون زوروا نيته .. لفقوا له قضية كفر .. كما تلفق الشرطة قضايا المخدرات .
إن القلب بين إصْـبَعين من أصابع الرحمن وليس بين إصْـبَعين من أصابع الشيخ فلان أوعلان .
وكما ورد في صحيح مسلم الجزء (4)،ص(2045)
17 – ( 2654 ) حدثني زهير بن حرب وابن نمير كلاهما عن المقرئ قال زهير حدثنا عبد الله بن يزيد المقرئ قال حدثنا حيوة أخبرني أبو هانئ أنه سمع أبا عبد الرحمن الحُبُلي أنه سمع عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: أنه سمع رسول الله ^ يقول إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك.

وفي رواية أخرى في سنن أبن ماجه الجزء(1) ، ص(72)
199 – حدثنا هشام بن عمار . حدثنا صدقة بن خالد . حدثنا ابن جابر قال سمعت بُسر بن عبيد الله يقول سمعت أبا إدريس الخولاني يقول حدثني النواس بن سمعان الكلابي قال: سمعت رسول الله ^ يقول (( ما من قلب إلا بين إصبعين من أصابع الرحمن . أن شاء أقامه وإن شاء أزاغه )) وكان رسول الله ^ يقول (( يا مثبت القلوب ثبت قلوبنا على دينك)) قال (( والميزان بيد الرحمن يرفع أقواما ويخفض آخرين إلى يوم القيامة))

يقول النبي ^ :” يمسي الرجل مؤمناً ويصبح كافراً ويمسي الرجل كافرا ويصبح مؤمناً “.. فمن أين يأتي إنسان بضمان لنفسه .. هل يكفي أن نكون تنظيماً بأسم ” الناجون من النار” كي ننجو منها ؟ .. هل يكفي أن نطلق علي أنفسنا سلفية كي نقنع الناس بأننا نمشي على خطى الرسول الكريم ؟ .. إنها ألقاب مملكة في غير موضعها .. كالهر يحكي انتفاخاً صولة الأسد .. أن الكلمة التي نلقيها في الباطل لا نلقي لها بالاً قد تهوي بنا في النار سبعين خريفاً أو كما ورد عن النبي ^
ففي سنن الترمذي الجزء(4)، ص(557)
2314 – حدثنا محمد بن بشار حدثنا ابن أبي عدي عن محمد بن إسحق حدثني محمد بن إبراهيم عن عيسى بن طلحة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ^ إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يرى لها بأسا يهوي بها سبعين خريفا في النار .

إن الإنسان عبد .. لكن .. البعض منه نصَّبَ نفسه رباً .. يملك العقاب والمغفرة .. يحرق ويقتل ويتدخل فيما لا يعنيه .. دون أن يتذكر الحكمة القائلة :” لو خلقتموهم لرحمتموهم”.[أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لَّاَ يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ] (17 النحل) لا يستوون .
2-النبي(^) شرب اللبن ولكنه لم يأكل الجبن الشيدر فهل نحرمها لأنه لم يعرفها؟
[ وَيَضْرِبُ اللهُ اْلأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ] (35النور) .. وضرب المثل لتقريب المعنى.
لو افترضنا أن النبي(^) فلاح زرع شجرة برتقال .. (هي الدين) .. ونتخيل أن الصحابة صوروها صورة بالألوان كي يهتدوا بها .. فنجد اللون البني للساق واللون الأخضر للأوراق .. ثم انتقل النبي(^) للرفيق الأعلى .. المفروض ألا يسمح الصحابة بأي زيادة أو نقص في الشجرة .. لكن غصباً عنهم سقطت أوراق منها ونبتت أوراق أخرى فيها .. فكيف يحافظون عليها مهما كان تمسكهم بها وحرصهم عليها ؟
كبرت الشجرة في زمن التابعين ولم تعد كما كانت عليه في زمن الصحابة..وفوجىء التابعون بأن الشجرة أزهرت زهراً أبيض جميلاً .. محدثة تغييرا علي الشجرة التي تركها النبي(^) .. فاللون الأبيض لا وجود له في الصورة الأولى للشجرة .. وهي صدمة لمن يؤمن بالحفاظ على التراث .. ولابد أن يدعو إلى إزالة الزهر الذي يمثله اللون الأبيض .. لو فعلوا ذلك :هل كنا سنرى الزهر وهو يتحول الي برتقال وهو الغرض الذي زرعت من أجله الشجرة ؟
قرر المحافظون السلفيون أن يزيلوا الزهر الأبيض بدعوى الحفاظ على صورة الشجرة كما تركها النبي(^)، لكن عقلاء الأمة قالوا :” نختبر الزهور لو وجدناها نبتت من أصل الشجرة فإنها لا تعتبر دخيلة عليها ” .. وبالفعل وجدوها جزءاً من الشجرة .. فالتقطوا صورة جديدة للشجرة وفيها الزهر الأبيض واحتفظوا بها للأجيال القادمة .. خاصة أن الزهر جذب النحل وأخرج لهم عسلاً طيباً فيه طعام وشراب ودواء .. ولو كانوا قد تخلصوا من الزهر ما كانوا قد حصلوا عليه .
بعد فترة اختفى الزهر الأبيض وتحول الي برتقال أصفر..شعر السلفيون المحافظون بأنهم لا يحافظون على الشجرة بصورتها التي ورثوها ..واتهموا الآخرين بلا ذنب بتضييع الدين والتفريط فيه.. قالوا إن من قبلنا عرفوا اللون الأخضر واللون البني وتقبلوا اللون الأبيض، فمن أين جاء اللون الأصفر (لون البرتقال)؟ .. وصرخ المتشددون منهم:إن اللون الأصفر بدعة يجب التخلص منها .. لكن عقلاء الأمة قالوا إن من سبقنا ترك الزهر فلنترك الثمرة مادامت من صلب الشجرة.
وقام واحد بأكل برتقاله وشرب عصيرها .. فقبض المتشددون عليه بتهمة أكل وشرب ما لم يكن في عهد الرسول.. فقال الدفاع عنه : إن السلف التابعين تركوا الزهر الأبيض الذي نتج عنه عسل أكلوه وشربوه فبالقياس يمكن أن نأكل البرتقال ونشرب عصيره.
بعد ذلك نجح أحد العلماء في استخراج فيتامين سي من البرتقال.. فتكرر مشهد محاسبته .. وتكرر القياس على السلف التابعين الذين استخدموا العسل دواء.
إن أول حكم صدر بترك الزهر الأبيض هو حكم استنباطي..وثاني حكم صدر بترك البرتقال الأصفر هو حكم قياسي .. وثالث حكم صدر بالتعامل مع كل ما يخرج من الشجرة مستقبلا هو حكم الإجماع.
فلو كانت السنة النبوية هي اللونين البني والأخضر، فإن الاستنباط هو اللون الأبيض، والقياس هو اللون الأصفر والتطور هو الإجماع .. ترى ما الذي كان سيحدث للمسلمين لو قطعوا الزهر  بدعوى الحفاظ على الأصل ؟ .. كنا سنتجمد في زمان بعيد غير زماننا الذي نعيشه الآن .. كنا سنصبح نموذجاً مثالياً للتخلف الذي يحاول البعض أن يفرضه علينا .
لقد أراد النبي(^) أن يتطور الدين تطوراً طبيعياً ونستفيد مما تطرحه الشجرة وإلا ما كان قد زرعها أصلا.
لقد شرب النبي(^) اللبن لكنه لم يأكل الجبن الرومي أو الشيدر ، فهل أكلها حرام لأنه ^ لم يعرفها؟
3- نقبل بالصلاة أمام قبور الحيوانات  ولا نقبل بالصلاة أمام أضرحة الأولياء !
لو كان بيتك الذي تصلي فيه يلتصق بجدار رفيع بينك وبين جارك اليهودي .. فبالقطع صلاتك صحيحة .. لو افترضنا أن اليهودي يربي قرداً وكلباً وخنزيراً ويعالجها .. تظل صلاتك صحيحة .. لو ماتت هذه الحيوانات ودفنها الرجل في بيته .. ثم أوصى بدفنه بالقرب منها .. تظل صلاتك صحيحة لوجود حائل بينك وبينها، ولو كان سمكه نصف طوبة .. فالمهم أن نتجه نحو القبلة بقلوبنا مهما كان ما يعترضها.
ما يثير الدهشة اننا لا نبطل الصلاة أمام قبر يهودي بحيواناته المختلفة ونبطل الصلاة في مسجد به ضريح ولي من أولياء الله الصالحين .. وهو في الحقيقة عداء معهم (أي مع الأولياء).
يقول النبي الكريم (^) وما معناه ” وجعلت لي الأرض مسجداً وترابها طهورا فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل”
فيما ورد في صحيح البخارى – الجزء الأول ، ص (126) :
335 – حدثنا محمد بن سنان قال حدثنا هُشَيمٌ ( ح ) . قال وحدثني سعيد بن النضر قال أخبرنا هشيم قال أخبرنا سيار قال حدثنا يزيد -هو ابن صهيب الفقير- قال أخبرنا جابر بن عبد الله: أن النبي ^ قال ( أُعْطِيتُ خُمْساً لم يُعْطَهُنَّ أحد قبلي نُصِرْتُ بالرعب مسيرَةَ شهر وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل وأحلت لي المغانم ولم تحل لأحد قبلي وأعطيت الشفاعة وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة ).

لو لم تجد مسجداً فالأرض كلها بيت الله .. ونحن نصلي في المقابر .. فكيف نحرم الصلاة في مسجد فيه قبر لولي؟ .. ولو كان المقصود القبر لذاته لذهب الناس إلي المقابر وهي أكثر.
إن هناك من يهدم القبور بحجة الخوف من أن يعبد الناس من فيها ..لكن.. هل يطفئون الشمس لأنهم يخافون من أن يعبدها أحد ؟ .. وهل يذبحون البقر لأن هناك خوفاً من تقديسها ؟
لقد كانت الأصنام حول الكعبة ورغم ذلك صلى النبي(^) فيها دون أن يحطمها.. فالوثنية ليست في الحجر ولا في الشجر وإنما في قلوب البشر.
وقد لجأت الصوفية إلي حيلة كي لا يضل الناس وفي الوقت نفسه يحتفلون بأحبائهم من الأولياء الذين يزورون أضرحتهم ولا يعبدون من فيها .
لجأت الصوفيه إلي الموالد .. تحتفل مع الناس بمولد الشيخ الفلاني .. فتدخل مسجده .. وتذكر تاريخ ميلاده .. ونشأته .. وعائلته .. وما أصابه من أمراض .. وتتحدث عن أولاده .. وتتوقف عند وفاته .
تذكر بأنه بشر .. ولد وتعلم وتزوج وأنجب ومات .. فكيف سيعبده الناس وهو مثلهم؟ ..

ولا حول ولا قوة إلا بالله