متى لا يحاسب الله رجلا قال: أنت عبدى وأنا ربك ؟

عقيدتى
العدد – 902
 
يصرخ الرجل فى ابنه غاضبا: (( لا أنت ابنى ولا أعرفك )) الجملة شهيرة فى الحياة وفى الدراما.. فهل يقصد الرجل أن زوجته خائنة وابنه ابن حرام؟.. هل تعد جملته نوعا من قذف المحصنات يجب عقابه عليها؟
يشتد انفعال الرجل وهو يقول تدليلاً على صدقه: (( وحياة أبويا أن الرواية التى أرويها صحيحة )).. فهل قسمه بغير الله نوع من الشرك بالله؟.. هل رفع مرتبة أبيه إلى مستوى القسم كفر يستحق عليه الحساب؟
لا تنزعج.. لا تجزع.. ليس على مثل هذه التجاوزات عقاب.. فهى تدخل تحت بند اللمم.. يقول سبحانه وتعالى:
(الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ (22) سورة النجم .
 وقد فسر البعض اللمم على أنه الذنوب الصغيرة وهو ما لا يقبله الشرع فلا فرق بين ذنب كبير وذنب صغير فالذنب ذنب.. تماما مثل الموت.. فالموت موت سواء كان بسكين أو بقنبلة نووية.. لا موت صغيرا وموت كبيرا.
 البعض قال (سامحه الله) أن القبلة هى لمم المعاشرة.. والرشوة لمم السرقة المسلحة.. اللكمة لمم القتل.. وهو أمر يستحيل قبوله.. فاللمم هو زلة اللسان.. أن يسبق لسانك تفكيرك فينطق بما لا يريد.. ينطق كفرا مثلا.. هنا تتسع رحمة الله.. وتتجلى مغفرته.. فالله لا يحاسب الإنسان إلا إذا كان يعلم ما يقول ويستطيع إلا يقول.. لكن سبحانه وتعالى لا يحاسب الإنسان إذا كان لا يعلم.. أو أن لسانه سبق نيته.. أو خالفها.
 فى الحديث لحضرة النبى عليه الصلاة والسلام ان رجلا شردت دابته وعليها زاده وماءه.. وهو فى أرض فلاة (صحراء) فلما أيس (يئس) من وجودها أوى إلى شجرة فنام فلما استيقظ وجد دابته وعليها ما عليها فقال: (( اللهم أنت عبدى وأنا ربك )).. قالها من شدة فرحه.. هذا يسمى عند الصوفية لسان حال.. من يسمعه يعتقد أنه أخطأ.. وعند غير الصوفية يسمى سبق اللسان.. أو لمم.
 هل يحاسب الله على ذلك.. لقد تجاوز الرجل ما يقوله الكافر.. الكافر يقول لله أنت لست ربى.. لكن الرجل قال لله : أنا ربك.. وأنت عبدى.. إن ذلك مثل الذى قال لابنه: أنت لست ابنى.. لا جناح عليهما.. فهذا لمم.. والله واسع المغفرة.. ويعلم ما يحاسب وما لا يحاسب عليه.
 واللمم يمكن أن يحدث بين الناس أيضا.. فمن يلقى النكات على الصعايدة وهو صعيدى يرتكب اللمم فهو لا يقصد ما فى النكته وإنما يقصد الفكاهة وعندما ننتقد شيخ الأزهر بغير تعمد لا يعد إهانة وإنما لمم هو أكثر من غيره سماحة لمغفرته وحدث ذات مرة فى برنامج (( النادى الدولى )) أن قالت راقصة إنها من ميت أبو الكوم.. فقال لها مقدم البرنامج بلديات الرئيس.. فأوقف الرئيس السادات البرنامج.. لم يكن المذيع يقصد الإهانة.. وإنما وقع فى اللمم.
 إن اللمم قد يحدث بين الرجل وزوجته.. بين الشيخ وأتباعه.. بين الحكومة والحاكم.. إنها سقطات اللسان والكلام بحسن نية الذى قد يأخذه البعض على سبيل الدعابة ويكره قائله وقد يأخذها على سبيل البغضاء ويضر قائلا.. أما بالنسبة لله سبحانه وتعالى فلا حب ولا كراهية.. لكن علمه بالنوايا مع سعة معرفته يعيد الأمور إلى حقيقتها ونصابها.
 لو طبيب علاج طبيعى وصف حركات الصلاة لمريض قائلا: أديها خمس مرات وأنت تعد من واحد إلى مائة.. روشتة علاج.. هنا من سيعتبر ذلك تعديلا فى الصلاة ويطلب بقطع رقبة الطبيب والمريض.. وهناك من سيعتبرها نعمة من الله وعلامة من العلامات الحسنة ويقول سبحان الله الذى جعل الشفاء فى حركات تشبه حركات الصلاة والتفسير هنا حسب الميول الشخصية والنفسية والعقلية.. على أن الله لا يعرف مثل هذه التفسيرات.. الله واسع العلم وواسع الرحمة وعلمه سبق الإرادة على عكسنا حيث تسبق إرادتنا علمنا.. وبالتالى فإن رحمة الله تسبق غضبه.. إن اللمم يشبه كسور الأرقام.. مليون جنيه وخمسة قروش.. تقول مليون جنيه فقط.. فالخمسة قروش هى اللمم الذى يسقطه الله من حسابه لعلمه بحسن نيتنا ولسعة رحمته ومغفرته
 
ولا حول ولا قوة إلا بالله