الأغلبية الطيبة .. وتغيير المصطلحات

عقيدتى
 العدد – 901
 
 الوهابية يحبون الصحابة وينكرون أهل البيت والشيعة يحبون أهل البيت وينكرون الصحابة والصوفية يحبون أهل البيت ويوقرون الصحابة.
 المتساهل شخص يكتب على زجاجة خمر كلمة حليب.. والمتشدد شخص يكتب على زجاجة ماء كلمة خمر.
 والمعتدل شخص يفصل بين الحلال والحرام ويعطى ما لقيصر لقيصر وما لله لله.
 لقد فرضت هذه الإتجاهات الثلاثة نفسها على الأمة الإسلامية وارح كل كل منها يستقطب بعضاً من السواد الأعظم الذى لاحول له ولا قوة ليشده إليه ويطويه تحت جناحيه.
 إن الإتجاه الأول وهو الوهابية وما فى حكمها من جماعات متشددة ومتطرفة حرمت علينا عيشتنا نجدها تحترم الصحابة وينالون من أهل البيت.
أما الإتجاه الثانى وهو الشيعة فنجد العكس.. يقدسون أهل البيت وينالون من الصحابة.
والشيعة كلمة تأخذ أكثر من معنى.. فهى تعنى أحياناً الأهل والأقارب والأنصار.. كما فى قوله سبحانه وتعالى: فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ.. أو قوله سبحانه وتعالى: وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيم .. لكن فى موضع من القرآن أخر نقرأ: الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينهمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلّ حِزْب بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ .. الكلمة نفسها لا تسبب مشكلة فى إستخدامها.
أما الإتجاه الثالث وهو الصوفية فيحبون أهل البيت بنفس القدر الذى يحبون به الصحابة ويحترمون الصحابة بقدر تعظيمهم لأهل البيت بل إنهم يعتبرون كل صحابى هو من أهل البيت وكل أهل البيت هم صحابة.
ويبقى الإتجاه الرابع وهو العامة الذين لا يعرفون التفرقة بين الإتجاهات السابقة.. بل أكثر من ذلك تسعى إليهم تلك الإتجاهات ويحاول كل منها شدهم إليها.. والوهابية تتمسك بالتفسير الظاهرى للنص.. والشيعة الذين يصرون على التفسير الباطنى للنص.. والصوفية التى ترى أن العبرة بالعلاقة بين الإنسان وربه وليست بين إتجاه وأخر.
والمنصف من العامة لايعجبه فى الشيعة موقفهم من الصحابة ولا يعجبه فى الوهابية موقفهم من آل البيت.
ويدرك بسهولة أن الوهابية تكره الصوفية بسبب حبهم لآل البيت وأن الشيعة تكره الصوفية لحبهم للصحابة والمفروض أن الوهابية يحبون الصوفية لحبهم للصحابة والمفروض أن الشيعة يحبون الصوفية لحبهم لآل البيت.. ولكن.. ذلك لا يحدث.. فكل إتجاه يرى إنه يملك الحقيقة وحده.
ولا جدال أن المتشددين فى الدين مثل الوهابية لم يأتوا بتشددهم من عندهم وإنما أتوا به من آيات قرآنية تتكلم عن العذاب بكل أشكاله وفى كل مواقعه.. وكذلك المبشرون لم يأتوا بالتسهيل من عندهم وإنما جاءوا به من آيات الرحمة والكرم والعفو والتوبة.
وخطا كل فريق هو إطلاقه لما يتبنى.. فالإطلاق مستحيل.. لا أحد يكتفى بوصف الله بالمنتقم طوال الوقت دون أن يتحدث عن عفو الله ورحمته.. وكذلك من يتحدث عن عفو الله ورحمته طوال الوقت وينسى أنه منتقم وجبار.. الإكتفاء بنصف الكوب فيه إشارة نقص إلى الله.. أستغفر الله.. فلو قلنا أن الله معط لابد أن نشير إلى أنه مانع أيضاً.. ولو قلنا جبار لكان علينا ألا ننسى أنه رحيم أيضاً.. الإطلاق فى الأحكام خطأ ونقص.
لقد أخذ الشيعة جانباً من الإسلام وأخذ الوهابية جانباً أخر.. بينما قطار الإسلام يحتاج إلى جانبين وقضيبين ليسير عليهما.
 هذه هى الوسطية التى لا تميل إلى جانب على حساب جانب أخر.. فلو أطلقنا صفة التوبة زال عنا الخوف من مكر الله.. ولو أطلقنا صفات شدة العقاب لقنط الناس من رحمة الله.
 لا يجرنا الخوف من الله إلى أن نقنط من رحمته ولا يجرنا الشعور بعفو الله وكرمه وإحسانه إلى أن نأمن مكره.. لابد أن نكون معتدلين بحيث لا نميل إلى الرحمة وننسى الجانب الأخر.. أو نميل للقسوة ونسسى الجانب الأخر.. احذر أن يجرك الخوف من الله إلى القنوط من رحمته أو تجرك الرحمة إلى أن تامن مكره سبحانه وتعالى.
ولو كانت الوهابية تريد إقامة الدولة السنية وأن الشيعة تريد إقامة الدولة الشيعية فإن الصوفية تريد أن تعبد الله ولا تتوقف عن ذكره.. فهى تهدف إلى محبة الله.
 يقول سبحانه وتعالى فى كتابه الكريم: مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ .. ويقول: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ .
ورغم ذلك فإن المتشددين يتهمون الصوفية بالسلبية لأنهم لا يشاركون فى أهدافهم الإنقلابية والتكفيرية.. وفى الوقت نفسه يعتبر الشيعة الصوفية نوعاً من التقية والتقية مبدأ يسمح بأن نقول على غير ما نؤمن ونعتقد تجنباً للبطش.. أما العامة فيأخذون على الصوفية ما حولها من مظاهر سلبية يجدونها فى الموالد الصوفية مثل الأصنام التى كانت موجودة حول الكعبة.. إن تلك الأصنام حرام ولكنها لا تفقد الكعبة احترامها.
 إن تلك المظاهر الموجودة فى الموالد كالذباب والكلاب التى تتقاتل على محل الجزارة.. منظرها سيئ ولكنه لا يحرم اللحم فى حد ذاته.. المظاهر الموجودة لا تعيب الموالد نفسها.. فلو جارى عاصى فليس معناه إننى عاصى مثله.. الأمر يحتاج إلى تريث وهدوء شديد.
 ولو كانت الوهابية تعبر عن التشدد فقد خرج من بطنها وصلبها عشرات التنظيمات والجماعات المتطرفة التى تختلف بين بعضها البعض.. كما أن الشيعة ليست جماعة واحدة فهم يختلفون فيما بينهم.
 إن من السهل القول إن الوهابية متشددون فيما بينهم والشيعة مختلفون بين بعضهم البعض أما الصوفية فمختلفون عن بعضهم البعض.. وهناك فرق بين أن تختلف مع غيرك وتختلف عنه.. وهو ما يفسر تعدد الطرق الصوفية.
 عندما فرض الله علينا الصلاة علمنا النبى كيف نصلى فكانت هناك بعض الإختلافات البسيطة.. لكن عندما فرض علينا الصيام وحدد لنا كيفيته لم نختلف فيما بيننا.. وكذلك الحج.. حدده الله فلم نختلف فيه.. لكن.. عندما فرض الله علينا الذكر لم يحدده ولم يذكر كيفيته.. وهذا ليس نسياناً ولا تقصيراً من الله ورسوله وإنما ليجعل لأهل الذكر الطريقة التى تناسب كلا منهم للذكر.. فكل ولى من الأولياء أخذ طريقة فى الذكر.. فلا أحد يقدر على ذكر الله بكل الصور وبكل الطرق.
 إن الذكر مثل الذبيحة فيها تخصصات كثيرة مختلفة ومتنوعة فهناك من تخصص فى اللحم وهناك من تخصص فى الأحشاء وهناك من تخصص فى الفراء وكل هؤلاء لا يتبعون جزاراً واحداً.. لكن كل ذلك فى النهاية حلال.
 الطرق الصوفية تشبه طرق الطهى.. كل الطهى حلال وإن إختلف الإسلوب.. وهى أيضاً تشبه طرق التدريس.. كل معلم وله اسلوب.. وكل شيخ وله طريقة.. وهو فى الوقت نفسه لا ينكر الطرق الأخرى.
 كل ميسر لما خلق له.. هم مختلفون عن بعضهم.. وليس مع بعضهم..
 
ولا حول ولا قوة إلا بالله