قصة عرش الله

عقيدتى
العدد – 903
 
 ما هو عرش الله ؟ هل هو مثل عروش الملوك؟ كيف يستوى عليه؟ هل يستوى عليه كما نتمدد على مقاعدنا؟ ولو كان عرش الله فى السماء فكيف يقول سبحانه وتعالى: (( وكان عرشه على الماء )) سورة هود : 7 عندما سئل مفسرون قدامى : ما معنى قوله سبحانه وتعالى: (( الرحمن على العرش استوى )) سورة طه:5 قال: ((  كاستوائى على كرسى هذا )) ومد قدميه.. منتهى الخطأ.. فلو قبلنا بهذا المعنى لعرش الله نكون حددناه وصورناه.. حددناه فى مكان معين.. وصغرناه حتى تشابه مع الأرائك والكراسى.. وصورناه بأنه جالس على كرسى.
 فى القرآن كلمات تأخذ معنى خاصاً حسب السياق التى توضع فيه.. لا تملك نفس المعنى فى كل الحالات.. مثل كلمة الناس مثلاً.. إن كلمة الناس مجردة تعنى كل البشر مهما كانت ديانتهم وثقافتهم وجنسياتهم لكنها فى القرآن تتلون بما حولها.
يقول سبحانه وتعالى: (( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً )) آل عمران:97، الناس هنا لا يقصد بها سوى المسلمين الذين عليهم حج البيت.. خاصة أن الآية تضيف: (( ومن كفر فإن الله غنى عن العالمين )).. وقد استغل البعض كلمة الناس هنا ليقول إن من حق غير المسلمين الحج.. دون أن يستوعب تغير المعنى.. بل أكثر من ذلك لا يقصد كل المسلمين بل يقصد المستوفين منهم لشروط الحج وهى أن يكون المسلم قادراً وبالغاً وعاقلاً.. فلو فقد المسلم شرطاً من هذه الشروط يخرج من الناس المقصودين فى الآية.
 ويقول سبحانه وتعالى: (( ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس )) البقرة:199.. أى أفيضوا من عرفات.. أى: زيدوا منه.. فكأن الناس هنا يقصد بهم الذين سبق لهم أن صعدوا إلى عرفات فى عام سابق أو فى نفس العام.
 ويقول سبحانه وتعالى: (( زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين )) آل عمران:14، فإنه يقصد بكلمة الناس هنا الرجال.. وعندما يقول سبحانه وتعالى: (( وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء )) البقرة: 13، فإنه يقصد بكلمة الناس هنا: المؤمنون.
 وكلمة العرش مثل كلمة الناس تأخذ معنى مختلفاً باختلاف موقعها.. فالعرش قد يقصد به الكرسى.. كما نفهم من قصة بلقيس وسيدنا سليمان.. (( قيل أهكذا عرشك )) النمل:42.. (( نكروا لها عرشها )) النمل:41.. (( أيكم يأتينى بعرشها )) النمل:38.. والعرش قد يقصد به سقف البيت.. وقد يقصد به العمل فى خلايا النحل.. (( ومما يعرشون )) النحل:68.
 معان كثيرة لكلمة العرش فلماذا لا نقبل إلا بمعنى الكرسى؟.. السبب أن هناك من قديم التفسير من قال ذلك واستمر معنا.. أولهم قال هذا فثبت عند أخرهم.. والمعتاد عند المفسرين كالمعتاد عند الموظفين.. أول توقيع هو الذى يحرك الورقة ثم يوقع الثانى على توقيع الأول ويوقع الثالث على توقيع الثانى.. الأول هو الذى يحدد ما فهم الأخير فلو أخطأ يستمر الخطأ.. ولو راجع ما قال الأول فإنه يتهم بما لا يطيق.. فمن الذى يجرؤ على مراجعة القرطبى وابن كثير مثلا؟ لقد جعلوا للمفسرين قداسة حتى أن مراجعة كلامهم يعد خروجاً عن المألوف.. إننا لا نقول إن ما جاء منهم خطأ وإنما نقول إنه ربما كانت هناك معان أخرى وإلا ما كان هناك مبرر لوجود أكثر من مفسر.
 عرش الله ليس كعرش بلقيس واستواؤه على العرش كاستوائنا على مقاعدنا خطأ غير مقبول، أما ما المقصود بالاستواء فلا نستطيع معرفته إلا إذا عرفنا معنى كلمة الرحمن.. الرحمن الذى استوى على العرش.
 الرحمن اسم صفة ومنه الرحمانية والرحيم اسم صفة ومنه الرحيمية.. الرحمانية تمزج بين الرحمة والعذاب .. والرحيمية تعنى رحمة خاصة .. كلمة الرحمن اسم الله .. فهو سبحانه وتعالى رحمة وعذاب .. مثل الدواء مر وشفاء .. أما الرحيم فمثل كوب من الماء البارد فى صحراء من العطش.
 وأسماء الصفات الإلهية فى مركز انطلاق تجليها أو فى موضع فياض الجبروات تبدو وكأنها متضادة .. الخافض والرافع .. المعز والمذل .. المحيى المميت .. مثلاً .. فبعض هذه الآسماء جمالى: فيه رحمة الماء البارد فى الحر .. المانح والمعز والمحيى والوهاب والعليم .. مثلاً .. والبعض الأخر جلالى يصعب على الإنسان تحمله .. المنتقم والجبار والمذل والقهار .. مثلاً .. وحياض الجبروت إما جمالية أو جلالية .. فلابد من اسم صفة يسيطر عليهما معاً ويجمع بينهما معاً هنا تجد الرحمن الذى يجمع بين الرحمة والعذاب .. بين الآسماء الجمالية والآسماء الجلالية.
 مثل قرص خلية النحل .. فيها حياة لا تنتهى ولابد من ملكة لها تسيطر وتحكم هى الملكة التى لها عرش فى الخلية .. ((عرشت له)) .. واسم الرحمن يسيطر على العرش كما تسيطر الملكة على خلية النحل .. فلو كانت الآسماء مثل النحل فإن الرحمن هو الملكة .. ولو كانت الآسماء تنقسم بين الجمالى والجلالى فإن الاسم الذى يجمع بينهما هو اسم الرحمن ويعرف بالاسم الكمالى الذى يجمع بين الجلال والجمال .. هو سيد العرش.
 لو كان اسم الرحمن جميلاً فلن تكون له السيادة على الآسماء الجلالية ولو كان جلالياً فلن تكون له سيطرة على الآسماء الجمالية .. لابد أن يكون الرحمن مهيمناً ومسيطراً على كل أسماء الصفات الإلهية ويجلس على عرشها حاكماً.
 الرحمن على العرش استوى .. تعنى أن الله سيطر وهيمن على العرش بكل صفاته الجمالية والجلالية ليكون اسم الرحمن كمالياً .. ليكون ذا الجلال والإكرام . ما ضمه اسم الرحمن جرى تفسيره فى الآسماء الآخرى لله سبحانه وتعالى .. فقد جمع الرحمن ما بين الجلال والجمال .. وما فى الرحمن من جلال فسر فى الأسماء الجمالية.
 نعود ونقول فى تفسير هذا! موضوع العرش أى كل كلمة في القرآن تأخذ معنا  مختلفاً حسب سياقها.. وأن كلمة العرش لا يقصد بها مكاناً للجلوس وإنما يقصد بها القوة والهيمنة والسيطرة.. ولو كان بعض أسماء الله جلالياً يعنى العذاب وبعضها الآخر جمالياً يعنى الرحمة فإن اسم الرحمن يجمع بين الرحمة والعذاب هو اسم الله الذى يسيطر على تجلى صفاته المذكورة فى أسمائه .. هو اسم كمالى يسيطر على كل ما هو جمالي وجلالي .. ولو كنا قد توصلنا إلى أن الماء يعنى الروح فإن عرش الله على الماء تعنى سيطرته على الروح ..
 
ولا حول ولا قوة إلا بالله