لكن .. أغلب الناس لا يعلمون

جريدة الأهرام
السبت: 8 من جمادى الأول 1425هـ – 26 يونيو(حزيران)2004م
 
ما الفرق بين السنه و العام ؟ سؤال لا نقصد به الفلسفه و لا السفسطه .. سؤال لا نطرحه إهدارا للوقت و تبديدا له على طريقة البيضه والدجاجه أيهما أسبق فى الخلق و الوجود ؟ و لا جدال أن الؤال عن السنه و العام سؤال لا يخطر على البال .. و يمكن التغاضى عنه لو كنا نكتب مقاله .. أو نستوحى قصيده .. أو نلقى خطابا .. أو نرسل برقية تهنئه .. لكن لا يمكن التغاضى عنه لو كنا نفسر كتاب الله .. و نتعمق فى معانى آياته .. و نكشف بعض ما خفى من أسراره .
إن اللغه العربيه هى معجزة القرآن الحقيقيه و دون إستيعابها .. و فك طلاسمها .. و التفرقه الدقيقه بين ما بيدو متشابها من كلماتها .. يستحيل التوصل إلى تفسيرات حاسمه .. قاطعه للسورو الآيات .. ستكون تفسيراتنا سطحيه ..متعجله .. كما يحدث الآن فى كثير من الأحيان .. فكل من قرأ القرآن سارع بالإمساك بميكروفون وراح يسرد خواطره التى توصل إليها دون أن يجد من يقومه أو يراجعه .. و هى آفه لا يمكن السكوت عنها .. فقد دفعنا ثمن ذلك غاليا .
فى الآيه ( 47 ) من سورة ” يوسف ” يقول سبحانه و تعالى : ” قال تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه فى سنبله إلا قليلأ مما تأكلون ” و فى الآيه التاليه : ” ثم يأتى من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون ” , و فى لآيه التاليه : ” ثم يأتى من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس و فيه يعصرون ” , وواضح أن الله إستخدم كلمة سنه و جمعها سنين للتدليل على السوء .. و القحط .. , إستخدم كلمة العام للتدليل على الغوث و الرخاء و كل من العام و السنه يسمى بالحول .. لكن السنه هى حول سيىء .. و العام هو حول حسن .. و هذا الفرق ليس فرقا لرفاهية الفكر .. و لكن لدقة التفسير ..فعندما يقول سبحانه و تعالى : إن دعوة النبى نوح كانت ألف سنه إلا خمسين عاما , فإن بعضا منمشايخنا الكبار طرحوا خمسين عاما من ألف سنه و توصلوا أن دعوة النبى نوح كانت ( 950 سنه ) و هو تفسير متسرع .. لا يفرق بين كلمة سنه و كلمة عام .. و لو عرفنا الفرق لتوصلنا بسهوله إلى أن دعوة النبى نوح هى ألف سنه كامله .. منها خمسون عامآ حسنه .. و الباقى كانت سنوات سيئه .
و هناك فرق لا يدركه غالبية المتسرعين بالتفسير بين الفعل و العمل .. بين الأفعال و الأعمال .. فمتى نسمى ما نفعل عملآ ؟ و متى نسميه فعلآ ؟ يقول سبحانه و تعالى : ” إنما الأعمال بالنيات ” , و الله يحاسب على الأعمال , و الأعمال بغير نيه لا تعتبر أعمالآ , و الأعمال بصوره عامع تكون بناء على تكليف ننفذه و هو مقيد بمقادير .. فالصلاه مقيده بالإتجاه إلى القبله . و مقيده بمواقيت محدده .. و بعدد محدد من الركعات .. مثلا .. و الزكاه مقيده بمال و نصاب مر عليه الحول .. مثلا .. هذا هو العمل .. مقيد .. محدد .. يشترط النيه أما الفعل فهو مطلق .. غير مقيد .. و لا يشترط النيه مثل اللبس اللبس غير مقيد بقيمه أو جهه أو هيئه أو مكان أو زمان .. يقول سبحانه و تعالى : ” الذين آمنوا و عملوا الصالحات ” , و لم يقل ” الذين آمنوا و فعلوا الصالحات “, و يقول ” إنى لا أضيع عمل عامل منكم ” , و لم يقل : ” إنى لا أضيع فعل فاعل منكم ” .
إن التفرقه بين الفعل و العمل ضروره فى مواجهة الذين يخلطون بين الأفعال و الأعمال .. فيفتون فى الملبس و المأكل و هى أفعال بالحيويه نفسها التى يفتون بها فى الصلاه و الزكاه و هى أعمال .. ضروره تفرض علينا التمسك بفقه التيسير .. و ترك فقه التعسير .. و الفرق بينهما مساحه شاسعه يلعب فيها كل من ترك الجوهر و تمسك بالمظهر .
و بسبب الجهل فى تحديد معانى الكلمات بدقه نجد من يخلط بين الوثن و الصنم و التمثال , و يستخدم هذه الكلمات مرادفات لكلمه و احده , و من ثم يصل إلى نتيجه طبيعيه بتحريم التماثيل و إعتبارها أصناما و أوثانا . إن الوثن فى اللغه هو إله يعبد لذاته .. و الصنم هو وسيط بين العبد و الإله .. أما التمثال فهو قطعة حجر منحوته .. لا علاقة لها بالصنم و الوثن .. و لو كان الوثن و الصنم كفرآ .. فإن التمثال لا يعنى شيئا .
و عندما فتح المسلمون مصر و جدوا التماثيل كما هى .. فهم لم ينظروا إليها نظرتهم للوثن و الصنم .. و لو كانوا قد وقعوا فى هذا الخلط لكسروها .. فقد كانوا أقوياء .. و حاكمين .. يملكون القوه و السلطه أن يفعلوا ذلك .. لكنهم تركوها لأنها لم تهز عقيدتهم .. فقد خرج الشرك قلوبهم يوم فتح مكه .. و دخل بعضهم خلف رسول الله إلى الكعبه .. فتهاوت الأصنام دون أن يكسرها الرسول كما فعل سيدنا إبراهيم يوم دخل المعبد و كسر الأصنام ثم وضع الفأس بين يدى كبيرهم .. لكن ما حدث بعد ذلك أن صناعة الأصنام قويت .. و راجت .. و أصبحت تنحت من مواد صلبه يصعب كسرها .. إن الأصنام تموت فى القلب .. و الأوثان تقتل فى العقل أما التاثيل فهى شكل جمالى و تاريخى نستخدمه للزينه و تخليد زعمائنا ..  ومن يرى فيها أكثر و أبعد من ذلك عليه أن ينقى قلبه و لا يفرض جهله و سوء تصوره على الآخرين .
و هنال فرق بين القول و الكلام .. إن هذا الفرق الذى لم يتوقف عنده البعض تسبب فى كثير من المتاعب على مدى التاريخ الإسلامى .. خاصه عندما طرحت قضية شدية الخطوره و الحساسيه هى : هل القرآن قديم أم حديث ؟ لقد أخذت هذه القضيه جدلا واسعا فى عصور مضت .. و تسببت فى قتل البعض و سجن البعض الآخر .. و على رأسهمك الإمام الجليل أحمد بن حنبل الذى كان يرى أن القرآن قديم قدم الوجود و الأزل بينما كان الخليفه و أمير المؤمنين فى عصره يرى عكس ذلك .. وقد إنتصرت السلطه و القوه على العلم و الإجتهاد و التفسير .. فكان السجن مصير واحد من الأئمه الأربعه .
الذين قالوا أن القرآن قديم إعتمدوا أنه كلام الله و الله موجود قبل الوجود و الأزل .. و من ثم فالقرآن قديم .. و الذين قالوا إنه حديث قالوا : لو أن القرآن قديم فلماذا لم تسمعه الأمم التى كانت قبلنا ؟
إن القرآن كتاب الله .. و الكلام صفة المتكلم .. هذا صحيح .. إذن يكون القرآن قديما .. و هذا صحيح أيضا .. يقول سبحانه و تعالى : ” الله ةنزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثانى تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم و قلوبهم إلى ذكر الله “..لكن أصحاب الرأى الآخر يقولون : لو كان ذلك صحيحا فلماذا لم يسمع الأقدمون القرآن ؟ يقول سبحانه و تعالى : ” مايأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا إستمعوه و هم يلعبون ” .. إذن من ناحية المنطق الظاهر كلا الرأيين صحيح .. فكيف نحسم هذه القضيه ؟ أين الإختلاف فيها و حجة كل طرف قويه ؟
هناك فرق لا يدركه المختلفون بين القول و الكلام .. و لتوضيح الفرق نضرب مثلا .. أحيانا يفوض رئيس الحكومه وزيرا معينا ليلقى كلمته فى إحتفال أو مناسبه أو مؤتمر ما .. الكلمه الملقاه تكون كلام رئيس الحكومه .. لكن فى الوقت نفسه تكون الكلمه هى نطق و قول من يلقيها ..يقول سبحانه و تعالى : ” إنه لقول رسول كريم ” ..القرآن قول رسوال الله .. لكنه فى الوقت نفسه كلام الله .. فلو نسب القرآن إلى الله يسمى كلام الله و يكون قديما قدم الله .. و إذا نسب إلى رسول اللع يسمى قولا و ويكون حديثا .. يقول سبحانه و تعالى : ” قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق “..و يقول : ” قل هو الله أحد “, و يقول : ” يا أيها النبى قل ” .. و من ةثم لا تعارض بين وجهتى النظر لو فهمنا الفرق بين القول و الكلام .
إن إخطر ما نقع فيه هو عدم الدقه فى تحديد معانى الكلمات , و من ثم فإن ما بنى على خطأ فهو خطأ .. كذلك فإن كثيرا من القضايا يجوز ألا تحسم بإختيار واحد بين إختيارين .. فأحيانا يكون الإختيارين صحيحين .. لكن بشروط معينه .. كأن نسأل بأى عين نرى ؟ فنحن نرى بالعينين .. أو كأن نسأل بأى أذن نسمع ؟ فنحن نسمع بالأذنين .. أو كأن نسأل بأى قدم نسير ؟ فنحن نسير بالقدمين ..لا يجوز فى بعض القضايا أن نصر على إجابه ووحده قاطعه و مححده و منحصره .. إن هذا الإصرار يجعل الكلمات تتصادم و الأزمات تتفاعل و الرقاب تطير .. و هو ما يضاعف من التفسيرات الخاطئه و يؤدى إلى ضياع الوقت و الجهد فى جدل لا طائل منه .. و يجعلنا نبتعد عن متاعبنا الحقيقيه .
و من القضايا التى إتخذت جدلا هائلا و لا يمكن التوصل إليها بكلمه و احده .. قضية المسير و المخير .. و القضيه قديمه متجدده يصعب على غالبية الناس التوصل إلى حل مناسب يحسمها .. إن الذين يؤمنون بأن الإنسان مسير يقولون : لو كان فى ىاللوح مكتوبا يموت غريقا لمات و لو ألقى بصحراء .. و كما رد الطرف الآخر الذى قال أنصاره : ألقاه فى اليم مكتوفا و قال إياك أن تبتل بالماء .. و يسم هذا الجدل .. أن الإنسان إذا علم و أمتلك القدره فهو مخير و محاسب .. و إذا فقد شرط العلم أو شرط الإستطاعه فهو مسير غير محاسب .. إن العلم بالزكاه مثلا و القدره على أدائها يجعلان الإنسان مخيرا و محاسبا .. و لو لم يعلم بها .. أو لو لم يقدر على أدائها فإنه يكون مسيرا و غير محاسب على أدائها .
إن الدين أسهل من أن نعقده .. لكن ذلك ليس من مصلحة الذين يجهلونه و يتاجرون فيه