هل الصوفية شعوذة؟

الفجر العدد الأول
4/6/2005

إختلط علينا الأمر . . تصورنا الصوفيه نوعاً من البهدله العقليه والنفسيه و الإجتماعيه و الدينيه . . تصورناها جذباً بعيداً عن الجديه وتحمل المسئوليه و خصاماً مع الحريه . . فإذا ما وجدنا مؤمناً . . صوفياً . . أنيقاً نشيطاً يفكر ويبدع و يبتكر ويدير أنكرنا عليه صوفيته . . فهو بالنسبه لمن لا يعرفون الصوفيه على حقيقتها صوره مختلفه عن الصوره السينمائيه  . . الشائعه . . الخاطئه . . صورة رجل رث الثياب . . مهمل للحياه . . لا يستحم . . لا يعمل . . لا يستوعب ما يجرى حوله . . إنها حاله ذهنيه . . لا حاله صوفيه.
هناك من يقول كلمة صوفى ترجع إلى ” صوفيا ” اليونانيه . . وتعنى الحكمه . . لكن . . لماذا نلجأ إلى اليونانيه . . ونحن أمه عربيه . . وهناك من يقول إن الصوفيه من الصوف دلاله على الخشونه . . لكن لو صح هذا التعريف لكانت الأغنام أكثر خلق الله تصوفاً . . فهى مصدر الصوف . . وهناك من يقول إن الصوفيه من أهل الصفُه ( بضم الصاد و تشديد الفاء ) وكانوا حفظة القرآن لا يعملون ويحصلون على رزقهم من الصدقات . . لكننا فى زمان غير زمانهم . . و يصعب نسب الصوفيه إليهم.
أظن . . و ظنى أقرب إلى المنطق . . أن كلمة صوفى ليست إسماً و إنما فعل مبنى للمجهول . . كأن نقول عوفى المريض . . نودى الرجل . . وورى الميت . . و يمكن أن نقول أيضاً : صوفى الرجل ( بضم الصاد ) . . فأصل الكلمه من الصفاء . . و المصافاه . . صفا . . صاف . . صوفى . لكن . . كيف يصاف الرجل ؟ . . يقول سبحانه و تعالى : [ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَآءِ الْعَالَمِينَ  ] (42 آل عمران) . . وهذه التصفيه هى أولى مراحل الوصول إلى الصفاء الذى ينم عن المصافاه . . و المصافاه مكاشفه . . أخرج ما فى بطنك . . كن مكشوفاً بح بسرك .. لقد إصطفى الله مريم . . ثم طهرها . . ثم إصطفاها مره أخرى . . أى كاشفها . . فالمصافاه هى المكاشفه . . و الصوفيه أيضاً . . على أن الأهم من التعريف . . ما وراؤه . . جوهره و المثير للدهشه أن الناس كما قلت تعارفوا على أن الصوفى هو رجل رث الثياب . . كسول . . قليل العلم . . متسول . . يفترش الأرض و يلتحف السماء و أستقر ذلك المعنى عند البعض حتى انهم ما رأوا رجلاً نظيفاً يقول أنه صوفى ينتقدونه و ينكرونه و يقولون له : ما هكذا يكون الصوفى . . لقد أصبح المعنى الخطأ مستقراً . . شائعاً . . أصبح هو القاعده . . قاعده قعدوا عليها . . و يريدون أن يقعدوا الآخرين عليها مثلهم.
كان سيدنا أبو الحسن الشاذلى مشهوراً بأنه يركب أغلى الجياد و يلبس أنظف الثياب.. و قد ألتقى ذات يوم برجل يلبس الخيش الخشن . . لم يكن الرجل يعرفه . . وقد فوجىء به . . فقال له : إن ما أراك عليه من نظافة الثياب وحسن المنظر لا يدل على الصوفيه . . أى ليس فيك من الصوفيه شىء . . و أستطرد : لو كنت صوفياً للبست مثلما ألبس و لزهدت فى متع الحياه . . فقال الشاذلى : يا هذا إن الزهد ليس كما تعلم . . الزهد أن تملك و تعف . . ألا تملك ما فى يدك . . يا هذا كم ملكت من جناح بعوضه ( البعوضه إشاره إلى الدنيا ) حتى تزهد في الدنيا كلها إن ملكتها لا تساوى جناح بعوضه و لو كانت تساوى جناح بعوضه لما سقى الله الكافر شربة ماء . . يا هذا إن منظر العبد يدل على غنى سيده و هيئتى هذه تدل على أن ربى غنى كثير الفضل و الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده . . أما ثوبك هذا فإنه يتهم الله سيدك بالفقر و كأن من خلقك لا يستطيع كسوتك . . يا هذا عرفت معنى الزهد فالزم . . فلو ما ملكت ما زهدت . . و لكن ينبغى أن تزهد فى ما تملك.
ما هو أهم من المظهر أن الصوفية قائمة على ذكر الله تعالى و الصلاة على رسوله ^ وحب آل البيت رضوان الله عليهم الذى هو من أشد ( فتحه على الألف وشده على الدال ) الفروض كقول الإمام الشافعى رضى الله عنه . .
• يا آل بيت رسول الله حبكم   . .  فرض من الله فى القرآن أنزله
وفى بيت آخر يضيف :
• يكفيكم من عظيم الفخر أنكم  . .   من لم يصلى عليكم لا صلاة له
هذه صوفية الشافعى الذى يرد على من يتهمون الصوفيه بالبدعه و فى بيت ثالث :
• لو كان حب آل البيت بدعه   . .  فإنى بتلك البدعه العمر مكتفى
إذاً الصوفيه تقوم على ذكر الله .
و الصلاة على رسوله و حب آل البيت . . و كل منها فريضه . . و كلها فروض مكلف بها أى مؤمن حتى و إن لم يسم نفسه صوفياً . . الصوفيه محبه . . و المحبه إتباع . . والمحب لمن يحب مطيع . . و الإتباع ليس عباده . . و المحبه ليست عباده . . لكنهما الأساس الذى يبنى عليه الإيمان . . لقوله تعالى : [ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ] (54 المائدة).
وبسبب الصوره الشائعه الخاطئه عن الصوفيين و التى نراها فى الموالد و المساجد فإن الناس تفاجأ عندما تعرف أن عالماً مبتكراً أو سياسياً بارعاً أو طبيباً رحيماً أو فناناً مبدعاً يمكن أن يكون صوفياً . . إن النسبه الغالبه من الصوفيين فى مصر من حملة الشهادات العليا . . وأصحاب تميز فى مجالاتهم . . لكن . . لا أحد ينكر أن هناك مشعوذين و دجالين و متسولين ننسبهم إلى الصوفيه . . و لكن . . السؤال : هل هذه هى الصوفيه ؟ .
إن وجود صفه ليست حميده فى مسلم ليس معناه إنها صفه فى الإسلام . . فاللصوص والمرتشون و المختلسون قد يكونوا مسلمين . . لكن . . هل هذا هو الإسلام ؟ . . إن النبى لم ينكر أن فى الأمه من يغش .
ففي الحديث الشريف في صحيح مسلم – الجزء الأول ، ص(99)
164 – ( 101 )-حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا يعقوب ( وهو ابن الرحمن القاري ) ح وحدثنا أبو الأحوص محمد بن حيان حدثنا ابن أبي حازم كلاهما عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة : أن رسول الله ^ قال : ( من حمل علينا السلاح فليس منا و من غشنا فليس منا ) . . و لم يقل ” من غشنا فليس فينا ” . . ففينا الغشاش . . و لكن ساعة أن يغش لا يكون منا.. إن وجود من يرتكب الخطأ فى طائفه لا يسمح لنا أن نصمه بجريرته

و لا حول و لا قوة إلا بالله