هانت علينا أنفسنا فسخر منا كل من هب ودب من نبينا وديننا

الفجر العدد 68  
25/9/‏2006

لا يحق لغالبية ” مشايخنا ” الإعتراض على إساءة بابا الفاتيكان للإسلام ولرسوله الكريم . . وإلا كانوا كمن يقتل القتيل ويبكى بحرقه فى جنازته . . إن بنديكت السادس عشر جاهل ومغرور و متعصب . . لكن . . ” مشايخنا ” هم الذين أعطوه الفرصه كى يسب و يلعن ويتجاوز خطوط الرحمه و التسامح .
إن المسلمون منقسمون على أنفسهم . . وهابيين . . وسنيين . . وصوفيين . . وشيعه . . الوهابيين يقدسون الصحابه وينالون من أهل البيت . . والشيعه يقدسون أهل البيت وينالون من الصحابه . والسنيون حائرون بين هنا وهناك . . والصوفيون يحبون الصحابه ويحبون أهل البيت ولكن لا يحبون بعضهم البعض.. وفى ظل هذا التفتت فإن عامة الناس أو الغالبيه العظمى منهم تائهون . . وضائعون . . مشتتون . . حائرون بين فتاوى هذه التيارات المتصارعه . . وهى فتاوى متناقضه . . متشابكه . . لاتحترم الحديث و الذى ورد في
 صحيح مسلم – الجزء الأول ، ص (323) :
122 – ( 432 ) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الله بن إدريس وأبو معاوية ووكيع عن الأعمش عن عمارة بن عمير التيمي عن أبي معمر عن أبي مسعود قال:كان رسول الله ^ يمسح مناكبنا في الصلاة ويقول : ( استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم لِيَلِنيِ منكم أولو الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم قال أبو مسعود فأنتم اليوم أشد اختلافا ) .
. . لو هانت عليك نفسك فلماذا لا يستهين الناس بك ؟ .
لقد إنشغلنا بنفى بعضنا البعض . . كل طائفه تكسر طائفه أخرى . . وتكفر طائفه أخرى . . وتشوه صورة طائفه أخرى . . لم يعد أحد مؤمناً فى عيون غيره من المؤمنين . كل منا هو المؤمن الوحيد . . وما عداه ملحدون و مجرمون.
وإختلفنا فى أمور تافهه وتمسكنا بجهلنا . . رغم الألقاب التى نفرط فى منحها . . عالم جليل. . شيخ وقور . . فقيه أعظم . . لقد تحدثنا عن فضيلة الإمام و سماحة الإمام . . لكنها بقيت ألقاباً لا تعطى الفضيله ولا تسمح بالسماحه أن تعبر عن نفسها
لقد قال الله عن اليهود : [ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُـهُمْ شَتَّىٰ ] (14 الحشر) . . وهو ماينطبق على المسلمين الآن للأسف . . ومن لم يصدقنا عليه أن يرصد الإذاعات والمقالات والفضائيات . . إن الإختلاف يبدأ بسيدنا محمد ^ الذى يهب المسلمون دفاعاً عنه فى مواجهة التصريحات الصليبيه الفاشيه لبابا روما القادم من مدرسة هتلر النازيه.
إذا ما قال الصوفيون ” سيدنا محمد ” هرع الوهابيون للقول: ” يكفى أن نقول محمداً ” . . مع أننا نقول فخامة الرئيس . . وجلالة الملك . . فهل يستحق حكامنا التوقير ولا يستحقه أشرف خلق الله ؟ .
ومن وقت لآخر لا نتردد فى إثبات للعالم جهلنا وتخلفنا . . وسأضرب مثلاً على ذلك بقضية تحريم التماثيل . . لقد خرج من يحرمها . . وخرج من تصور نفسه مستنيراً ليقول : يكفى ما نحتنا منها ولا نضيف إليه نحتاً جديداً . . فلو كانت الثماثيل حراماً فلماذا نترك ماتبقى منها ؟ وإذا كانت حلالاً فلماذا لا ننحت مزيداً منها ؟ .
وأخطر ما قاله مفتى الديار المصريه فى هذه القضيه إنه إكتفى بذكر الفتاوى القديمه ولم يتطوع من عنده بحسمها . . وكأننا أمام مفترق طرق مختلفه لا يحددها أحد . . هكذا فعل المفتى . . قال فلان قال كذا . . وفلان أفتى بكذا . . وقال فلان فضل كذا . . ثم أضاف والله أعلم . . أما نحن فلا نعلم . . ولا يهم أن نعلم.
ولوعرفنا التعريف الدقيق لكل من التمثال والصنم والوثن لارتحنا جميعاً . . فالوثن إله يعبد لذاته والصنم يعبد ليقرب عابده إلى الله حسب ظنه والتمثال تمثال مجرد كتله منحوته فى الفراغ مثلها مثل كل ما حولنا من أشياء مجسمه . . الطبق والمكواه والتليفون والريموت كنترول . . مثلاً .
ولو عبد إنسان إنسانا آخر فمن ذا الذى عليه العقاب ؟ من الذى سينال العذاب ؟ . . فى جميع الحالات يعذب العابد وفى بعض الحالات يعذب المعبود . . فلو كان المعبود لا يدرى أنه يعبد لا شىء عليه . . وإذا علم وأنكر ذلك لا شىء عليه . . أما إذا أقر بما يحدث أو أمر الناس به يحاسب . . ويعذب . . كما فى قصة فرعون عندما قال : [ أَنَاْ رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ ] (24 النازعات) ولو كان يمكن أن نكسّر الثماثيل بدعوى الخوف من عبادتها فهل نطفىء الشمس خوفاً من عبادتها؟ . . وهل لا نربى البقر للسبب نفسه ؟ . . وهل نقطع اليد مظنة السرقه ؟ . . ونقطع اللسان مظنة الألفاظ المحرمه ؟ . .  وهل نقطع الأعضاء التناسليه مظنة الزنى ؟ ونمنع زراعة العنب مظنة النبيذ ؟ . . [ وَإِذَا الْـمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ ] (9،8 التكوير) لقالت مظنة أن تجلب العار . . والذين يسيرون على هذا المنهج هم الذين قيل فى حقهم [ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ ] (23 النجم) . . والظن لا يغنى من الحق شيئاً . . وطالب الفتوى لابد أن يفتى بالحقيقه ولا يترك هو ونفسه للإجتهاد . . الفتوى لابد أن تكون على سبيل القطع و اليقين . . وهو ما يحدث بين طوائف المسلمين وتياراتهم و فرقهم المختلفه والمتصارعه. بل أكثر من ذلك نقول : إن التماثيل لو عبدت من دون الله لكان ذلك تقصيراً من العلماء فى إظهار الحقيقه للجاهل بها . . والرسول نفسه ^ لم يكسّر التماثيل فى بداية الدعوه إلا بعد أن أظهر حقيقتها للناس هم الذين أنكروها فيما بعد.
والسؤال ما هو ذلك الإيمان الجبان فى قلوب الناس الذى يهرب بمجرد أن يرى تمثالاً . . فى هذه الحاله لا يوجد إيمان أساساً . . إن الرجل الذى يصلى وسط تماثيل فى معبد ويؤمن فى قلبه بأن الله واحد لا شريك له والله أكبر صلاته خير من صلاة رجل يصلى فى مسجد خالى من التماثيل . . تماماً مثل الذى يمتنع عن الخمر فى وجودها خير من الذى يمتنع عنها وهى بعيدة عنه . . ومثل الذى يصوم فى وجود الطعام خير من الذى يصوم فى غيابه.
إن الوثنيه فى القلوب وليست فى النقوش . . وليس أكثر ديناً من سيدنا سليمان ^. . فهو نبى و رسول وخليفه و ملك و يتحكم فى الجن الذين كانوا يصنعون له ما يشاء من تماثيل . . هذا هو سيدنا سليمان . . وما كفر سليمان.
بل نحن البشر تماثيل لسيدنا آدم . . خلقنا على صورته بأشكال وألوان وأحجام مختلفه . . وآدم نفسه كان أصلاً تمثال [ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ ] (29 الحجر). وفي الحديث الشريف الذي ورد في صحيح البخارى – الجزء (4) ، ص (135) :
6227 – حدثنا يحيى بن جعفر حدثنا عبد الرزّاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة: عن النبي ^ قال: ( خلق الله آدم على صورته طوله ستون ذراعا فلما خلقه قال اذهب فسلم على أولئكَ نفر من الملائكة جلوس فاستمع ما يُحيُّونَكَ فإنها تحيتك وتحية ذريتك فقال السلام عليكم فقالوا السلام عليك ورحمة الله فزادوه ورحمة الله فكل من يدخل الجنة على صورة آدم فلم يزل الخلق ينقص بعد حتى الآن).
. . على صورة آدم . . وسجدت له الملائكه . . ورغم ذلك لم يعبدوه . . لقد نفذوا فقط الأمر الإلهى بالسجود.
أكثر من ذلك . . كل مناسك الحج لا تخلو من حجر . . الحجر الأسود . . حجر . . الطواف حول الكعبه هو طواف حول حجر . . السعى بين الصفا والمروه هو سعى بين حجرين كبيرين . . وعرفه جبل . . من حجر . . إن هناك حجراً نطوف حوله وحجر نقبله وحجر نسعى إليه وحجر نلقيه ونرجم به إبليس . . لكننا رغم ذلك كله لم نعبد الكعبه ولا الصفا والمروه ولا الحجر الأسود . . ولا غيرها.
وكل ذلك يجعلنا نتسائل : هل أصبحنا أمه يخيفها حجر ؟ . . هل أصبحنا أمه لا تهتم إلا بتلك الأمور الشكليه السطحيه التى فرقت بيننا وكسرت شوكتنا وقسمتنا طوائف وقبائل وجماعات وتنظيمات ؟ . . بل إن كل جماعه أو طائفه إنقسمت على نفسها . . حتى أصبح بيننا بأس شديد . . ولذلك لن يتوقف العالم عن السخريه منا والتنديد بنا والعبث بمقدراتنا . . ولن يجدى صراخ هنا وصراخ هناك . . ما سيجدى أن نكون أمه محترمه متحده قويه تؤمن بالعلم وتتجاوز عن الصغائر

ولا حول ولا قوة إلا بالله