التوسل بالرسول شرط أن يجيب الله الداعى بالضبط إلى ما يريد

الفجر العدد 69
2/10/‏2006

حين يفتح الناس أبواب اللغه فمعنى ذلك أن الكلمات تحمل إلى حياتهم شيئاً . . أو تضيف إلى تفسيراتهم شيئاً . . واللغه التى لا تغير أيام الناس . . ولا تفتح لهم طريقاً أو أفقاً . . ولا تنقل أصواتهم . . أو تترجم إنسانياتهم . . أو تمد جسراً بينهم وبين السماء . . تبقى دائماً وحيده خارج الأبواب .
ثلاثة أرباع الدين هديه مجانيه بلا مجهود .
هل تعرفون شيئاً عن غربة الدفاتر ؟ . . هل تعرفون وجع الأوراق التى لا تجد من يقرأها ؟ . . ووجع الكلمات التى لا تجد من يفهمها . . ووجع التفسيرات الدينيه الضيقه التى لا تجد إنساناً تمطر عليه أوتنام على ركبتيه ؟ .
ما أشقى الفتاوى التى لا تنفع الناس . . إن طعمها فى الحلق يصبح كطعم العصفور الميت .
( 1 ) ثلاثة أرباع الدين هديه مجانيه من الله لكن الأهم عدم الشرك به وعدم الإضرار بالناس
لقد نزل الإسلام على قوم بسطاء فكان شعاعاً من النور يضىء قلوبهم دون تعقيدات وتفسيرات ومتاهات . . إن الأركان الخمسه للدين الحنيف يؤديها المسلم بسهوله ودون كلفه . . إن مجرد أن ينطق الشهاده يحصل على خُمس الدين . . والحج لمن إستطاع . . خُمس آخر . . والزكاه ليست للفقراء . . خُمس ثالث . . يعنى المسلم حصل على ( 60% ) ستين فى المائه من الدين قبل أن يفعل شيئاً. . ولو كان مريضاً لن يصوم . . والصلاه يُعفى منها وهو صغير . . ويحصل على تسهيلات فيها وقت السفر . . فلماذا نُعقدّ ما يسره الله ؟
والدين قائم على أمرين مهمين لا أحد يأتى بسيرتهما كثيراً : عدم الشرك بالله وعدم الإضرار بالناس . . والإضرار بالناس يشمل السرقه والنميمه والغش وعدم إحترام المواعيد والحصول على أجر بدون عمل . . إن من يلتزم بالأمرين لا يكون عليه شىء مكلف به.
وأكبر دليل على تبسيط العبادات هو الصوم . . إنها عباده نؤديها ولا نؤديها . . إن من يتكلم فى الصلاه تبطل صلاته . . لكننا نتكلم فى الصوم . . ولو نمنا فى الصلاه تبطل الصلاه . . لكننا ننام و لا يبطل صيامنا . . ولا تجوز الصلاه دون وضوء . . لكن الصيام يجوز دون وضوء . . ويجوز دون أن نتوجه للقبله.
الصوم عباده لا نؤديها . , ورغم ذلك يمنحنا الله أجرها ويباهى سبحانه وتعالى الملائكه بالمسلمين بها.
لكننا كالعاده نصعبها بالفتاوى الكثيره . . فما أن يأتى شهر رمضان حتى يخرج من يفسر لنا آية [ وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ ] (2،1 الفجر) على أنها الأيام العشر الأخيره من رمضان. وهو نفسه الذى يقول عند مطلع ذى الحجه إنها العشرة أيام الأولى من ذى الحجه . . ويكرر ذلك فى مطلع شهر محرم فيقول إنها أيامه الأوائل لوجود عاشوراء . . فالكل يجب أن يفتى . . مع أن من قال ” لا أعلم ” فقد أفتى .
( 2 ) الفرق بين أستجب وأجيب فرق دقيق لا يدركه من يجهل القرآن ومعجزته السماويه
ولو كان رمضان شهر الصيام فهو أيضاً شهر الدعاء .
يقول سبحانه وتعالى [ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ ] (60غافر) وقال فى آيه أخرى : [ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ] (186 البقرة) . . مره ( أستجب ) ومره ( أجيب ) . . فهل هناك فرق بينهما ؟ . . بالقطع هناك فرق بينهما . . فالقرآن لم يأت بكلمه تشابه أخرى . . والعيب فينا وليس فيه . . نحن الذين لا نعلم . . ولا نريد أن نعلم . . ونخلط الزيت بالماء رغم أنهما سوائل.
لو طلبت شيئاً من شخص ما ( سلفه ألف جنيه مثلاً ) وقدمها لك كما طلبت بالضبط يكون قد أجابك . . ( هنا تكون كلمة أجيب ) . . لكن طلب إبنى الصغير هذا المبلغ منى وخشيت عليه فأعطيته ما يناسبه أكون قد إستجبت . . ولو طلب منى شخص المبلغ وهو يحتاج أكثر منه فأعطيته ما يحتاج وهو أكثر مما طلب أكون قد إستجبت . . هنا تكون كلمة أستجيب.
من يعطى ما يطلب منه . . يجيب . . ومن يعطى أقل أو أكثر مما يطلب منه . . يستجيب . . لو دعوت الله بشىء محدد وحققه لك فقد أجاب . . ولو دعوته بشىء محدد ولم يحققه كما طلبت فقد إستجاب . . ولو حققه ببديل فى صحه أو فى ذريه أو برفع ضر عنك فقد إستجاب . . والله يستجيب لدعاء المؤمنين ولا يجيبهم أحياناً حفاظاً عليهم . . فهم لا يعرفون فى كثير من الأحيان مصلحتهم ولا يكشفون الغـيب . . فقد يكون وراء المال الذى يطلبونه مصيبه . . وقد يكون وراء الذريه التى يطلبونها كارثه . . ولو أجابهم الله يكون قد أوقع الضرر بهم . . ثم فإن الذى يدعو الله بشىء ويعرف مصلحته تأتى كلمة يجيب . . ومن يفعل دون أن يعرف مصلحته تأتى كلمة يستجيب . . لذلك يدعو المتصوفون الله بالستر والصحه ولا يدعون بشىء محدد . . فالله يعرف مصلحتنا أكثر منا.
ويسـتخدم البعض آية [وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ] (186البقرة) فى نفى التوسل برسول الله ^ . . إذا أرادوا نفى التوسل عن نبى الله إستخدموا هذه الآيه . . رغم أن هذه الآيه هى عين التوسل بالرسول وتثبته وتؤكده.
إن الداعى فى هذه الآيه هو رسول الله . . هو الذى يحدد ما يجاب بالضبط . . هو الذى يعرف المصلحه . . لأن الآيه تقول أجيب ولا تقول أستجيب . . فمن يذهب إلى الرسول سيجده قادراً على تحديد ما إن دعى به أجاب الله.
ولتبسيط المسأله أكثر تصور أنك ذهبت إلى صيدلى وطلبت منه شيئاً للصداع . . فإختار لك ما يتصور أنه يناسبك . . هنا يكون الصيدلى إستجاب . . لكن . . لو تصورت أن الذى يطلب منه شيئاً للصداع طبيب عارف ومتخصص . . سيحدد بدقه ما يريد هنا يكون الصيدلى قد أجاب . . فالذى يطلب منه خبير وعالم بما يطلب . . فلو كنت خبيراً وعالماً بما تريد ودعوت الله فإنه يجيب . . وإذا لم تكن كذلك فإنه يستجيب . . لكن . . لو ذهبت إلى عالم وخبير مثل رسول الله وكان شفيعك فى الدعاء فإنه سيدعو الله بما يفيد وهنا يجيب الله ولا يستجيب.
فالخبير والعالم لا يدعو الله بما يؤذيه أو يطغيه وإنما يدعوه بما يكفيه ويغنيه . . ولو لم يكن خبيراً وعالماً وسط بينه وبين الله رسوله الخبير العليم.
يقول سبحانه وتعالى : [ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِىَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ] (83 الأنبياء) . . كان أيوب مريضاً مرضاً مزمناً عجز الأطباء عن شفاؤه منه . . فكانت دعوته إلى الله . . [  وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ] . . فقال الله تعالى : [ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَءَاتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ ] (84 الأنبياء) .
لقد طلب سيدنا أيوب شيئاً واحداً . . أن يشفيه الله . . لكن . . الله أعطاه أكثر مما طلب . . شفاه الله ومنحه ذريه جديده غير التى فقدها بالموت . . لقد مات له سبعة أولاد . . ورزقه الله ضعفهم بعد أن برأ من مرضه العضال . . هنا تكون كلمة أستجيب أكبر من أجيب . . لقد قال الله : [ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ ] . . ولم يقل ” وأجبناه ” . . أجبناه كان يعنى شفاؤه فقط . . وإستجبنا له تعنى الشفاء وتعويضه عن الذريه التى فقدها. 
( 3 ) لا القلم يكتب وحده ولا السياره تتحرك بمفردها ولا الشفاعه تنفع دون مشيئة الله
ونعود للآيه : [ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّي فَإِنِّى قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِى لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ] . . إن أول الآيه جمله شرطيه [إِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّي ] ليأتى جواب الشرط [فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ] . . الكلام هنا موجه إلى رسول الله ^ [إِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّي ] . . فالشرط أن يذهب العباد إلى النبى ليسألوه عن الله أوليسألوه شيئاً من الله . . لو تحقق الشرط تكون الإجابه . . تكون كلمة أجيب دعوة الداعى . . ولا يقول أستجيب . . لأن رسول الله يعرف ما يفيد وما يضر ويحدده فتكون كلمة الله : أجيب
إن الداعى هنا هو حضرة النبى الذى نذهب إليه ونتوسل به والذى لن يطلب شيئاً لنا إلا إذا كان نافعاً فهو الخبير بما يطلب . . أما إذا طلب جاهل بمصلحته فإن الأمر متروك لله . . وتكون كلمة أستجيب هى الكلمه المناسبه .
و[فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي ] هنا إستخدم الله كلمة الإستجابه وليست الإجابه . . لأن العباد يستجيبون لله على قدر إستطاعتهم لا على قدر ما يطلب منهم . . ومن ثم فإن الله يجيب إذا ما دعاه الرسول والمؤمنون يستجيبون على قدر ما يستطيعون . . على قدر طاعتهم وقدرتهم وعلمهم.
يقول سبحانه وتعالى أيضاً: [ يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ  اسْتَجِيبُواْ لِلهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ] (24 الأنفال) . . أى على قدر إستطاعتكم . . ويقول النبى الكريم مؤكداً تفسيرنا في الحديث الشريف الذي
ورد في سنن ابن ماجة – الجزء الأول ، ص (3) :
2 – حدثنا أبو عبد الله قال ثنا محمد بن الصَّبَّاح قال أنا جرير عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : – قال رسول الله ^ : ( ذروني ما تركتم . فإنما هلك من كان قبلكم بسؤالهم واختلافهم على أنبيائهم . فإذا أمرتكم بشيء فخذوا منه ما استطعتم . وإذا نهيتكم عن شيء فانتهوا ) .
آمركم بالشىء فأتوا منه ما إستطعتم(هنا الإستجابة) وأنهاكم عن الشىء فإنتهوا عنه كله(إجابة).
ويقول سبحانه وتعالى : [ مَآ ءَاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ ( خذوا منه على قدر إستطاعتكم ) وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُواْ ( إنتهوا عنه كله ) ] (7 الحشر) .
وكما ورد في المستدرك – الجزء (2) ، ص (477) :
3644/781 – أخبرنا إسحاق بن سعد بن الحسن بن سفيان الشيباني ثنا جدي ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا أبو معاوية حدثني عبد الله بن سعيد المقبري عن أبي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله ^ : ( أعربوا القرآن و التمسوا غرائبه ) .
. . وغرائب القرآن فى كلماته . . فى دقة معانيها . . فى عدم تكرارها . . فى الشعره الرفيعه بينها كما أوضحنا الفرق بين كلمتى أجيب وأستجيب .
وهناك فرق بين الغرائب والعجائب . . العجائب هى الأشياء الأفضل فيما نعرف.. فهناك مثلاً أبنيه كثيره لكن الهرم بناء يعد من العجائب . . والحدائق معروفه . . لكن المعلق منها فى بابل يعد من العجائب . . إن العجيب شىء له نظير لكنه خارق بالنسبه لنظرائه . . لكن الغريب هو الذى لا نظير له . . لم يحدث من قبل . . ومن ثم فإن غرائب القرآن هى ما لم يعرفها الناس من قبل . . وهى معجزته . . لغته.
ومن تلك الغرائب أن الآيه التى نتوسل بها إلى الله بالرسول هى نفسها التى ينفى بها البعض التوسل به.
والسبب هو أن هناك خطأ فى فهم التوسل . . إن الناس يظنون أن المتوسل به فعال بذاته مثل الرسول و الولى . . يظنون أنه فعال بنفسه . . فيستكثرون ذلك عليه . . لكنهم لو علموا أن الوسيله هى أداه فى يد الله يفعل بها ما يشاء لغيروا وجهة نظرهم
إن القلم وسيله فى يد الكاتب ولا يكتب بمفرده . . والسياره وسيله فى يد السائق ولا تتحرك بمفردها . . إن الوسيله هى أداه فى يد القدره الألهيه والقدره الألهيه غير محدوده . . ولو نسبنا الفعل للوسيله نكون قد أخطأنا فى فهم التوسل . . ولكن لو نسبنا الفعل للفعال بالوسيله نكون قد أصبنا كبد الحقيقه . . يقول سبحانه وتعالى : [ الَّذِى عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ] (4 العلق) . . فالعلم من عند الله والقلم مجرد وسيله.
إن القلم لا يكتب والسكين لا يذبح والسياره لا تتحرك . . إنما هى وسائل تستخدمها القدره حسب الإراده.
ويظن الناس أن الشفاعه تأتى بعد صدور الحكم الذى يصدر يوم القيامه . . نتصور أن هناك من حكم عليه بدخول النار فيتدخل من يشفع له فيخفف الحكم عليه . . لأ . . فالشفاعه هى أحد أركان الحكم قبل صدوره كأن يسأل القاضى فى محكمه متهماً : ” هل لديك من يدافع عنك ؟ ” . . فيجيب بالنفى فينظر القاضى إلى محام ويقول له : ” تفضل يا أستاذ أطلب البراءه لهذا الرجل الطيب ” . . القاضى هو الذى أوحى وهو الذى أشار . . وما أن يطلب المحامى البراءه حتى يستجيب . . وهو هنا يريد أن يكرم المحامى بأنه جعله واسطة البراءه التى كان يريد أن يمنحها للمتهم أصلاً.
إن الشفاعه تأتى تحت عنوان : ( يعلق الله ما يشاء من إرادته على إرادة من يشاء من عباده) . . هو أراد البراءه ( ما يشاء ) لكنه تركها لمن يشاء من عباده . . هو الذى أوعز بإرادته إلى الشفيع أن يشفع . . يقول سبحانه وتعالى : [ مَن ذَا الَّذِى يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ] (255 البقرة).. ويقول سبحانه وتعالى [ يَوْمَئِذٍ لَّا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَـنُ وَرَضِىَ لَهُ قَوْلاً]  (109طه) .
وهناك فى الوقت نفسه من يقول عنهم : [ فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ ] (48 المدثر) ويقول : [وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَىٰ ] (28 الأنبياء)

ولا حول ولا قوة إلا بالله