في الملتقى الصوفي الثالث لعلماء و مشايخ التصوف – نظره ومدد

الفجر العدد 23
7/11/2005

وتبدأ وقائع هذا الملتقى الكريم بقرائة الفاتحه إيذاناً بالإفتتاح وكلما ينتهى أحد الشيوخ من قرائة الفاتحه فإنه يمسح وجهه بكفيه ويقول نظره و مدد , ولكن لا يستطيع أحد أن يتبين ما بعدها فقد يقول أحدهم نظره و مدد يا أبى , ومنهم من يقول يا جدى ومنهم من يقول يا سيدى ومنهم من يقول يا رسول الله ومنهم من أضمرها بينه و بين الله ،  المهم أن الشيخ الشبراوى قال : أيها الساده الأفاضل إن أبناء الطرق يقلدون مشايخهم ولا يسألونهم عن أقوالهم و ذلك لثقة المريد فى ان شيخه يعلم السند الشرعى لما يقول , غير أنهم يتعرضون للأسئله والمضايقات فهم لا يعرفون السند , وهذا الأمر كلنا يعلمه وقد جلينا بعض الغموض عن موضوع التوسل فى اللقاء الأول وموضوع الموالد فى اللقاء الثانى , وكان طبيعياً ومنطقياً ان يكون هذا اللقاء عن النظره والمدد لأنها كلمة تكثر من المحبين وتؤدى إلى كثرة التجاوز والتطاول عليهم وعلى اهل الله الصالحين ممن لا يفهمون , وهنا تدخل أحد المشايخ مندفعاً بقوله : أنت قلت إنهم لا يفهمون , أى يجهلون ومنذ متى كان الجهل حجه ؟ ثم تدخل سماحة شيخ المشايخ , وقال : نحن لا يهمنا الجهل فالجهل ليس حجه بالنسبه للمحب فالعباده عن علم خير من العباده عن جهل , ثم قال السيد المقرر : يبدو أن الساده المشايخ مشحونون بروحانيات الصيام , وسوف يكون لهم اليوم احلى الكلام , وأخذ المشايخ يلقون بخيرات علمهم فى ساحة الملتقى مما فتح الله عليهم من الآيات والأحاديث , والجميل أن الشيوخ إتفقوا على تبسيط المعلومه على مريديهم دون إقحامهم فى التفاصيل والأسانيد والمتون والنقول قال قائلهم : يا مشايخ لا تنسوا أن تبسيط العلوم من أرقى العلوم ولسنا فى مجال مناظره مع أبنائنا فجدنا رسول الله ( ^ ) يقول في الحديث الشريف الذي ورد في  تخريج أحاديث الإحياء – الجزء الأول ، ص (165-167) :
146 – حديث ( نحن معاشر الأنبياء أمرنا أن ننزل الناس منازلهم و نكلم الناس على قدر عقولهم )
ولم يقل على قدر ما عندنا , ثم ساد المجلس لحظات من الصمت لا نعلم لها مناسبه وطالت فترة الصمت والسكينه حتى قال أحد الشيوخ : هذه علامة حدوث النظره حلاوه فى القلب وسكينه فى النفس وطمأنينه فى الجوارح وإستمتاع بالرضا و الصمت لتلقى الحكمه ” إذا رأيتم الرجل صامتاً فإنه يلقن الحكمه ” ثم قال سماحة الشيخ حسن الشناوى لو نشرنا كل ما يقال فقد يتكرر النشر مرات عديده , وهذا وارد لأن الحقائق ثابته , ولذلك نعتبر القول والإقرار والسكوت قول.
قال أحد المشايخ ما قولكم فى الآيه الكريمه [ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِىِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ] (28الكهف) , وقال آخر أو قوله تعالى : [ لَا تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا ] (104 البقرة) , ثم قال أحد الشيوخ : قال تعالى [ وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللهِ] (27لقمان) وقال آخر : قال تعالى [ قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّى لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّى وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً ] (109 الكهف) ثم تدخل أحد المشايخ فقال : كل هذه الآيات عن النظره والمدد معروفه , ولكن أختلف فى تفسيرها , قال أحد الساده : طالما أختلف فى تفسيرها فهذا يدل على تعدد معانيها ومعطياتها من العلوم , فما الذى يمنع أن تحمل الآيات ما نقصد , قال آخر : ليس المقصود هو المناظره , ولكنها المسامره ومما دار فى الملتقى يتبين لك أخى العزيز أن الأمور التى لا نلقى لها بالاً ونظنها نوعاً من العبث أو سبق اللسان أو عجز البيان ذات جذور وأصول , وقد صحت بها الأدله والبراهين والنقول حتى ولو ضاقت بها العقول , وقد يكون زاد الأرواح غريباً على العقول , والمحرر مضطر إلى هذا القول , مما كان لافتاً للنظر أن أحد المشايخ طلب إستراحه قصيره ثم بدأ يحكى حكايه غريبه قال : لو أن رجلاً من حضراتكم طلب منه السفر إلى بلاد لم يزرها من قبل فماذا يفعل ؟ قالوا : يسأل من زارها فيعرف منه ما يوجد عندهم مما يلزمه وما ينقص عندهم وهل ممكن شراؤه أومستحيل , وهل ممكن أستعارته أم مستحيل فإذا عرف أن الأشياء الضروريه جداً , لا تباع فى تلك البلاد , وبالتالى فهى لا تشترى ولا تعار ولا يمكن الحصول عليها من أقرب الأقارب فلا شك أنه إما أن يجهزها وإما أن يرفض السفر . . وإذا كان من المستحيل رفض السفر عندئذ يصبح من الضرورى تجهيز اللازم . . ثم إستطرد الشيخ يقول : كل ما يلزمنا فى الآخره لا يباع فى الآخره ولا يعار ولا يتنازل عنه أحد والسفر إلى الآخره حتمى لا عذر فيه ،ولذلك لابد أن يأخذ الإنسان ما يلزمه فى الآخره , يأخذه من الدنيا . [ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ] (77 القصص) وعلى قدر ثقتك فى صدق المبلغ يكون الإستعداد فما بالنا لو كان المبلغ هو الله ؟ قالوا جميعاً : سبحانه و تعالى.
قال السيد : هناك ما أخبرنا به الله عما يدور يوم القيامه بين المنافقين والمنافقات من الذين آمنوا أن ينظروهم ويقولون لهم إذا نظرتمونا أى أعطيتمونا نظره فإننا سوف نقتبس من نوركم أنتم , ثم يحدث الحوار العجيب , قال تعالى : [ يَوْمَ يَقُولُ الْـمُنَافِقُونَ وَالْـمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُواْ وَرَآءَكُمْ فَالْتَمِسُواْ نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ * يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ قَالُواْ بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَـتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَـرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِىُّ حَتَّى جَآءَ أَمْرُ اللهِ وَغَرَّكُم بِاللهِ الْغَرُورُ ]  (14،13 الحديد) وللآيات بقيه سنعود إليها. فلننظر كيف أن المنافقين والمنافقات يذهبون إلى الذين آمنوا فى الحشر ماذا يقولون لهم [ انظُرُونَا ] أى النظره [ نَقْتَبِسْ ] نحصل على قبس [مِن نُّورِكُمْ ] أى النور الذى معكم المنسوب إليكم كما يقال لأحدنا يدك أو عينك أو مالك أو غيره لأن للمؤمنين نوراً يسعى بين أيديهم وبأيمانهم. ثم يأتيهم القول وفى الآيه غير واضح من أين يأتيهم [قِيلَ ارْجِعُواْ وَرَآءَكُمْ ] أى إبحثوا فى ماضيكم وهو الدنيا [ فَالْتَمِسُواْ نُوراً ] أى فأتوا بمستند يعطيكم الأحقيه فى الحصول على نور يؤخذ بالنظره.
ثم حدث أمر عجيب [ فَضُرِبَ بَيْنَهُم ] أى بين المنافقين والذين آمنوا [ بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ ] والغريب أن السور له باب , ولكن هذا الباب غير متاحه رؤيته إلا بنور الإيمان الأصلى فإنه قيل ظاهره و[ ظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ ] فلما حيل بينهم وبين ما يبتغون وأصبح المنافقون لا يرون الذين آمنوا تغير الحال , وأصبح القول نداء [ يُنَادُونَهُمْ ] بأعلى أصواتهم إظهاراً لحاجتهم الماسه إلى ما عند الذين آمنوا من نظره يخرجون بها من تحت طائلة النفاق المؤدى إلى الدرك الأسفل من النار إلى مظلة باطن السور ذى الباب الذى بداخله أولو الألباب. ونرجع إلى ندائهم , المنافقون يقولون للذين آمنوا [ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ ] أى فى الدنيا كأقارب وجيران وزملاء ورفقاء وكنا أغنياء وأنتم فقراء وكنتم مرضى ونحن أصحاء , فيقول الذين آمنوا من داخل السور [ بَلَى ] أى نحن نعرف أنكم كنتم معنا ونحن اليوم فى حال وأنتم فى حال والأسباب تأتى بعد قولهم [ وَلَكِنَّكُمْ ] :
أولها : [ فَـتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ ] ولم يفتنكم أحد بأن كنتم تعظمون حسناتكم وتحقرون سيئاتكم وترون لأنفسكم الفضل فى كل ما تعلمون.
وثانيها : [ وَتَـرَبَّصْتُمْ ] أى كنتم تتربصون وتتمنون الشر وتظنون أنه واقع بنا لا محاله وتنتظروه وكأنكم وما تتمنون على موعد.
وثالثها : [ وَارْتَبْتُمْ ] من الريبه فكنتم كلما أخبرناكم عن أمر هذا اليوم وما يحدث فيه وبالذات هذا الموقف الذى أنتم فيه كنتم تقابلون قولنا بالريبه والشك وعدم اليقين بل بالسخريه والتطاول.
ورابعها : [ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِىُّ حَتَّى جَآءَ أَمْرُ اللهِ ] أى فاقت أمنياتكم طاقة أعمالكم , أى تمنيتم أكثر مما تستحقون وقلتم نحن نحسن الظن بالله و كذبتم فلو أحسنتم الظن بالله لأحسنتم العمل وظللتم على هذا الحال حتى جاء أمر الله الذى هو لاشك آت.
وكما ورد في الحديث الشريف فى مسند ابن حنبل الجزء (15) ، ص(160) :
9280 -حدثنا عفان قال حدثنا حماد بن سلمة عن محمد بن واسع عن  شُتَيْر بن نَهَار عن أبي هريرة أن رسول الله  ^ قال : ( حُسْنُ الظَّنِّ من حسن العبادة ) .
وخامسها : [ وَغَرَّكُم بِاللهِ الْغَرُورُ ], وهذا معناه أن الشيطان غركم بعد أن جهزتم له أنفسكم بما سبق فوجدكم لقمه سائغه هل يمكن أن تقول إن أى متطاول على أهل البيت و الأولياء لا دخل للشيطان بما يفعل ؟ وهل يمكن أن نقول إن النفس تفتن صاحبها أما المنافق فإنه يفتن نفسه ؟ ربما والله أعلم.
نعود إلى الآيات : بعد ذلك يقول الذين آمنوا للمنافقين بعد أن أسمعوهم حيثيات الحكم إسمعوا إلى الحكم [ فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَ لَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْـمَصِيرُ ] (15 الحديد) .
ومن هنا يلاحظ الآتى :
1-   إن من فتن نفسه فهو منافق يحرم من النظره يوم القيامه .
2-   إن من تربص الشر بالذين آمنوا فهو منافق يحرم من النظره يوم القيامه.
3-   إن من يرتاب فى أى خبر يورده القرآن عن يوم القيامه فهو منافق محروم من النظره يوم القيامه .
4-   إن من غرته أمانيه فحسب ما له و لم يحسب ما عليه فهو منافق محروم من النظره يوم القيامه .
5-   إن من فتح الباب وهيأ نفسه لعبث الشيطان فهو منافق محروم من النظره يوم القيامه .
6-   يلاحظ أن الحوار كله الوارد فى الآيات كان بين المنافقين والمنافقات من جهه , وبين الذين آمنوا من جهه أخرى , طرف يقول وطرف يرد عليه و الحكم على المنافقين سمعوه من الذين آمنوا ! !
ثم قال المشايخ بعد ذلك إن هذا الكلام فيه الإشارات الكثيره وسوف يتولى كل شيخ شرحها لأولاده فى الطريقه ، ونكتفى بهذا القرار ثم قرأ الجميع الفاتحه بختام اللقاء .
ثم قال رئيس التحرير لسماحة شيخ المشايخ .
مولانا : هناك بعض الملاحظات .
قال سماحته : ماهى ؟
قال رئيس التحرير : أولا ً قلتم إن للآيات بقيه سنعود ليها .
قال سماحته: لقد وردت فى السياق قال تعالى : [ فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَ لَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ ].
قال رئيس التحرير : ما علاقة المنافقين بالذين كفروا ؟
قال الشيخ : عندما أمر الله الرسول ^ ألا يصلى على أحد المنافقين قال [وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَاتَ أَبَداً وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ ] (84 التوبة) . وهناك آيه أخرى توضح إشتراك المنافقين والكافرين المجرمين فى عمل واحد و هو إتخاذ الأولياء هزواً والتطاول عليهم ، قال تعالى : [ إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُواْ كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُواْ فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُواْ إِنَّ هَؤُلَآءِ لَضَآلُّونَ * وَمَآ أُرْسِلُواْ عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ * فَالْيَوْمَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الْأَرَآئِكِ يَنظُرُونَ * هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ ]  (29-36 المطففين) .
هذا هو وجه الشبه بين المنافقين والكفار فى علاقتهم بالأولياء.
قال رئيس التحرير : إسمح لى بسؤال لا تجاوز فيه , فالقرآن يتكلم عن الذين آمنوا وأنتم تتكلمون عن الأولياء.
قال سماحته : ليس كل الأولياء فهناك أولياء الرحمن وهناك أولياء الشيطان. قال رئيس التحرير : أقصد أولياء الله.
قال الشيخ : [ أَلَآ إِنَّ أَوْلِيَآءَ اللهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَىٰ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْأَخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ ] (64،62 يونس) .
فلو تتبعت الآيات السابقه مع هذه لعرفت أن أولياء الله هم الذين آمنوا بالأصاله ويضاف إليهم الأخرون
ثم عاد المجلس للإنعقاد التلقائى وهم منصتون إلى سماحة الشيخ ومحاوره.
ثم قال رئيس التحرير : أرجوا ألا يضيق صدر الحاضرين بأسئلتى أما صاحب السماحه فأنا على ثقه من سعة صدر سماحته.
فقال الشيوخ : أكمل فإن حسن الختام غايه.
قال رئيس التحرير : لو سمحت يا سيدى لقد سمعت ما قيل وعرفنا أن كل هذا يجرى بين المنافقين والمنافقات من جهه , وبين الذين آمنوا من جهه آخرى فقد يقول قائل : إن هذا الأمر يحدث مع المنافقين فما دخلنا نحن.
فضحك سماحة الشيخ وقال : ليس هناك مجال لقد قيل من الكثيرين إن هذا الأمر يخص المنافقين و أقول إن هذا الأمر وهو من طلب النظره من آخر يوم القيامه فهو منافق و أن الله يقول لنا هذه العبره لا كقصه بغير هدف , ولكن يقول إن البعض إستهان بذلك فأضطره الله إليه يوم القيامه , وأن هذا الأمر إذا ترك فى الدنيا لا ينال يوم القيامه بأى حال من الأحوال , ومن طلبه فى الدنيا فهو مؤمن ومن أخره ليوم القيامه حتى يطلبه وهو مضطر فهو منافق.
ثم قال أحد المشايخ : هذا ما عرفناه عن النظره فماذا عن المدد ؟
قال سماحة الشيخ : يا أخى العزيز إن النظره عباره عن نور يقذفه الله فى قلب من يشاء ، فإذا أخذ نظره و وجد لها فى قلبه راحه وفى نفسه سكينه وفى جوارحه طمأنينه فإنه سوف يطلب أخرى ثم أخرى , ولا يشبع فهذا هو معنى المدد أى التكرار من نفس العطيه أو الزياده منها أو الإضافه إليها.
قال أحد الحضور : لماذا لا نقول : نظره يا رب ومدد يا رب ؟
قال صاحب السماحه : ومن منعك ؟ فما قلناه لا يمنع طلب النظره والمدد من الله , ولكن لا يمنع طلب النظره والمدد من أهل الله أما علمت قوله تعالى [ قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ اللهِ ] (78 النساء) والمدد هو من عند الله لا يختص به الصالحون , ولكن المدد الإلهى للصالحين وغير الصالحين، قال تعالى :  [ مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُوماً مَّدْحُوراً * وَمَنْ أَرَادَ الْأخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُوراً ] (19،18 الإسراء) هذان نوعان : مريد الدنيا ومريد الآخره , أنظر إلى النتيجه [ كُلّاً  نُّمِدُّ هَؤُلَآءِ وَهَؤُلَآءِ مِنْ عَطَآءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَآءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً ] (20 الإسراء).
فالماء إذا شربته من النيل مباشره فهو من عند الله , وإذا شربته من الثلاجه فهو أيضاً من النيل وهو من عند الله فالله يوم القيامه يمد أهل الجنه بما يتنعمون به . ويمد أهل النار بما يعذبون فيه و[ إِنْ يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِى الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَآءَتْ مُرْتَفَقاً ] (29 الكهف).
فما عند الله يصلح لإمداد إبليس ومن إبليس يستمد أعوانه .
وما عند الله يصلح لإمداد الأنبياء والأولياء ومما عندهم يستمد أحبابهم .
فالبديهى هو ما تقول أن المدد من الله وكذلك النظره , ولكن العجيب أن جعل المنافقين يستهينون بطلبها من الأولياء فألجأهم الله إليها دون جدوى , لأن الدنيا عمل وحساب , والآخره حساب ولا عمل وفى النهايه إذا يسر الله لك ذلك تجده يسيراً ، وإذا عسره عليك فإنك تحس بإحتكاك هذا المعنى بالعقيده فتخشى فسادها فمن حقك أن تقول ومن حق غيرك أن يقول ومن حقك ألا تقول ولا تلزم ولا نلزم , وفى النهايه فهى كلمه يعرف الصالحون لها قدرها والمنافقون لا يرون إلا ما يراه المستهزئون والله يقول للرسول الكريم [ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْـمُسْتَهْزِءِينَ ] (95 الحجر).
هذا وكان يمكن أن يستمر الملتقى أكثر من ذلك الوقت لولا أن صاحب السماحه أمر برفع الجلسه وقراءة الفاتحه مره أخرى للختام حتى يتمكن الحاضرون لصلاة المغرب والإفطار فى ضيافة الشيخ الشبراوى , وذلك لأن الملتقى عقد بعد صلاة العصر ، وهذا ما فتح الله به على الساده مشايخ الطرق وهم صائمون