لو أعطيت الحكمه لغير أهلها فقد ظلمتها ولو لم تعطها لإهلها فقد ظلمتهم

الفجر العدد 108
30/6/‏2007

سيدنا رسول الله ليس شخصاً عادياً . . وعندما نتكلم عن خصائصه الجسمانيه فلا يجوز أن نطبق عليه علوم التحاليل الطبيه . . البشريه   . فليس كمثله شىء..وعندما يكون ما يخرج منه طاهراً فذلك دليل قدرة الله سبحانه وتعالى لا قدرته هو ^ .
وفي البخارى الجزء(1) ص(97): 
قال عروة عن المسور ومروان خرج النبي ^ زمن الحديبية فذكر الحديث: وما تنخم النبي ^ نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده .
شرح البخاري: ( تنخم ) أخرج شيئا من صدره أو أنفه.(وقعت) أخذها أحدهم بكفه.
وكما ورد فى صحيح البخارى الجزء(3) ص(127) باب 35 غزوة الحديبية :
4151 – حدثني فضل بن يعقوب حدثنا الحسن بن محمد بن أعين أبو علي الحرّاني حدثنا زهير حدثنا أبو إسحاق قال أنبانا البراء بن عازب رضي الله عنهما أنهم كانوا مع رسول الله ^ يوم الحديبية ألفا وأربعمائة أو أكثر فنزلوا على بئر فنزحوها فأتوا رسول الله ^ فأتى البئر وقعد على شفيرها ثم قال :  ( ائتوني بدلو من مائها ) . فأتِيَ به فبصق فدعا ثم قال :  ( دعوها ساعة ) . فأروَوا أنفسهم وركابهم حتى ارتحلوا .
وورد في صحيح البخارى الجزء(3) ص(21-22):
3701 – حدثنا قُتيبة بن سعيدٍ حدثنا عبد العزيز عن أبي حازم عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله ^ قال : ( لأُعطِيَنَّ الرايةَ غداً رجلاً يفتحُ الله على يَديه ) . قال فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يُعطاها, فلما أصبح الناس غَدَوا على رسول الله ^ كلهم يرجو أن يُعطاها فقال : أين علي بن أبي طالب؟. فقالوا يشتكي من عينيه يا رسول الله، قال : فأرسلوا إليه فأتوني به. فلما جاء بصق في عينيه ودعا له فبرأ حتى كأن لم يكن به وَجَعٌ فأعطاه الراية فقال علي: يا رسول الله أُقاتلهم حتى يكونوا مثلنا ؟ فقال : انْفُذْ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حُمُرُ النعم .
وفي الحديث الشريف الذي ورد في صحيح مسلم – الجزء(4)ص(1812) باب قرب النبي عليه السلام من الناس وتبركهم به :
75 – ( 2325 ) حدثنا محمد بن رافع حدثنا أبو النضر حدثنا سليمان عن ثابت عن أنس قال : لقد رأيت رسول الله ^ والحلاق يحلقه وأطاف به أصحابه فما يريدون أن تقع شعرة إلا في يد رجل .
. والفيصل هو العين التى تراه . . فعين أبى لهب ليست كعين أبى بكر . . وعين المحب له ليست كعين أطباء الأشعه والليزر وتحاليل الدم والعرق والبول.
لكن ليس كل ما يعرف يقال . . وليس كل ما يقال جاء أوانه . . وليس كل ما جاء أوانه حضر أهله . . قرأ سيدنا عمر بن الخطاب الفاتحه على عين فشفيت , لكن لما جاء غيره وقرأ الفاتحه على عين أخرى لم تشف فالسبب هو أن عمر بن الخطاب هو الذى قرأ الفاتحه . . والفاتحه متاحه لكن عمر بن الخطاب غير متاح.
كل شىء له أهله . . والحكيم هو الذى لا يعطى الحكمه إلا لأهلها فإن أعطاها لغير أهلها ظلمها وإن حجبها عن أهلها ظلمهم.
من هنا قال رسول الله ^ في الحديث الشريف الذي ورد في صحيح مسلم – الجزء الأول ، ص (10)
5- ( 5 ) وحدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري حدثنا أبي ح وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قالا حدثنا شعبة عن خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ^ :(كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع). . إن سيدنا على بن أبى طالب قال عن نفسه : (  لو حدثتكم بحديث سمعته عن أبى القاسم لقلتم أن علياً أكذب الكاذبين ) . . لو سمعوا ذلك الحديث من النبى سيصدقونه ولو سمعوه من أقرب الناس إليه لكذبوه ولقالوا أن النبى لا يقول ذلك الحديث أبداً.
سيدنا أبو الحسن الشاذلى أرسل إثنين من مريديه فى مهمه فوجد أحدهما أناساً تتكلم كلاماً فارغاً وراح يستمع إليهم ويحاول منحهم ما فتح الله عليه من علم وعاد الآخر إلى سيده الذى سأله عن زميله فأجاب : (  لقد تركتُه يُقلّدْ الدُرْ أعنَاق الخَنازير )  .
والخطأ هنا هو خطأ تلميذ أبى الحسن الشاذلى أن يتطوع بعلمه لمن لا يهضمه . . فالعالم يجب أن يتأكد من أن علمه سيصل كما هو ودون فهم خاطىء . . عليه أن يقول قولاً لمن يتذكر ويخشى . . ومن ثم فلابد من طهو العلم حتى يسهل هضمه . . فلا يجوز أن نعلم الطفل الجبر قبل القراءة . . إن العالم يجب أن يكون عالماً بالمعلومه وعالماً بمن سيتلقاها.
يقول سبحانه وتعالى [ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللهُ ] (31 آل عمران) . . لكن الحب هنا غير مفهوم الحب بين الرجل والمرأه وهو المفهوم الوحيد الذى أصبح يقفز إلى عقولنا كلما جاءت سيرة الحب . . وتغير مفهوم القوه . . فأصبحت القوه هى قوة العضلات . . لا قوة الإيمان . . ولا امتلاك النفس عند الغضب . . وتغير مفهوم الرزق فأصبح ينصب فقط على المال فى حين أن الهواء والعلم والهضم والستر أنواع من الرزق.
ولعل سوء الفهم حول معانى الكلمات هو الذى يسبب سوء التفسير لما يقوله العلماء . . ومن ثم فإن على العَالِم أن يتأكد من أن رسالته ستصل صحيحه قبل أن ينطق بها . . وربما كان هذا هو خطأ المفتى عندما تحدث فى تلك الأمور الأخيره التى أهاجت الدنيا عليه. وفي الحديث الشريف الذي ورد في صحيح مسلم – الجزء الأول ، ص (11) :
5- حدثني أبو الطاهر وحرملة بن يحيى قالا أخبرنا ابن وهب قال أخبرني يونس عن أبي شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن عبد الله بن مسعود قال : ( ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة).
وكأن العُلماء الذين يقصون الناس عن الفتن يمكن أن يكونوا سبباً لها لو كان حديثهم بعيداً عن إدراك الناس بغض النظر عن صحة ما يقولونه.
إن المعلومه قد تكون صحيحه لكن توقيت عرضها قد يكون خطأ . . هنا تشتعل الفتنه . . وقد يكون عرضها على العامه دون تفرقه فتنه . . فليس كل الناس تفهم فى الجواهر . . والكلام عن حضرة النبى هو أثمن الجواهر . . وهناك من يعتبر السجاجيد العجميه القديمه والغالية الثمن “خرقه” أفضل منها “حصيره” من البلاستيك.
ولو كانت هناك شروط فى تقديم العلم فإن هناك أدباً يجب أن يتحلى به المتلقون له ولو لم يعجبهم ما يسمعون . . لو كان هناك أدب للإلقاء فإنه يقابله أدب للتلقى . . أو لابد من أن يقابل أدب الكلام أدب الإستماع . . ولو كان المفتى بما قال عن الرسول تكلم فى وقت غير مناسب لبشر غير محبين لسيدنا رسول الله فإنه كان عليهم أن يعاملوه بأدب التلقى أو أدب الإستماع . . لو كان هناك من سخر من الكلام عن بول النبى ^ دون مناقشه فلماذا لم يسخر ممن طالبوا بشرب بول الإبل بنفس القدر ؟ ؟ . . هل الإبل أكرم عند الله من حضرة النبى ^  ؟
إن لكل شىء أهله . . فعند إختراع الراديو قالوا يسكنه الجن . . ثم تقبلوه . . وعندما ظهر التليفزيون قالوا بل هو الجن بعينه . . ثم تقبلوه . . إن الجهل بالشىء ليس عيباً ولكن العيب كل العيب هو السخريه من كل ما لا نعرف وما لا ندرك وما لا نستوعب
يقول الشاعر : قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد . . وينكر الفم طعم الماء من سقم . . وينكر الأذن صوت الرعد من صمم . . فالمشكله ليست فى وجود الرعد وإنما فى الأذن الصماء . . والمشكله ليست فى ضوء الشمس وإنما فى الرمد الذى يحجبه عنها.
إن الجهل ليس حُجهْ . . العلم هو الحُجهْ . . [ وَقُل رَّبِّ زِدْنِى عِلْماً ] (114 طه) . . ويقول سبحانه وتعالى للنبى ^ : [ وَكَانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ] (113 النساء) . . وصور ذلك الفضل لا حصر لها كان الطعام والماء يكثر فى يده الشريفه ،
 وكما ورد فى صحيح البخارى الجزء(3) ، ص (128):
4152 – حدثنا يوسف بن عيسى حدثنا ابن فضيل حدثنا حصين عن سالم عن جابر رضي الله عنه قال : عطش الناس يوم الحديبية ورسول الله ^ بين يديه ركوة فتوضأ منها ثم أقبل الناس نحوه فقال رسول الله ^ : ( ما لكم ) . قالوا يا رسول الله ليس عندنا ماء نتوضأ به ولا نشرب إلا ما في رَكوَتك قال فوضع النبي ^ يده في الركوة فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأمثال العيون قال فشربنا وتوضأنا فقلت لجابر كم كنتم يومئذ ؟ قال لو كنا مائة ألف لكفانا كنا خمس عشرة مائة .
وفي صحيح البخارى الجزء(3)،ص(445-446)
5450 – حدثني الصلت بن محمد حدثنا حماد بن زيد عن الجعد أبي عثمان عن أنس . وعن هشام عن محمد عن أنس . وعن سنان أبي ربيعة عن أنس أن أم سليم أمه عمدت إلى مد من شعير جَشَّته وجعلت منه خطيفة وعَصَرَت عكة عندها ثم بعثتني إلى النبي ^  فأتيته وهو في أصحابه فدعوته قال : ( ومن معي ) . فجئت فقلت إنه يقول ومن معي ؟ فخرج إليه أبو طلحة قال يا رسول الله إنما هو شيء صنعته أم سليم فدخل فجيء به وقال :  ( أدخل علي عشرة ) . فدخلوا فأكلوا حتى شبعوا ثم قال ( أدخل علي عشرة ) . فدخلوا فأكلوا حتى شبعوا ثم قال ( أدخل علي عشرة ) . حتى عد أربعين ثم أكل النبي ^ ثم قام فجعلت أنظر هل نقص منها شيء .
{ ش } ( جشته ) جعلته جشيشا وهو الدقيق غير الناعم . ( خطيفة ) لبن يذر عليه الدقيق ثم يطبخ فيلعقه الناس ويختطفونه بسرعة .
. . ورحلة الإسراء والمعراج . . وغيرهما . . وهذا ليس إلا دليلاً على عظمة الصانع الذى صنعه . . والخالق الذى أحسن ما فعل . . ولا يقصد به الألوهيه للنبى ^ .
لم يخطىء المفتى فيما قال إلا فى إختيار الوقت والناس الذين تحدث إليهم . .

ولا حول ولا قوة إلا بالله