لا تقل ” العبد لله ” فهذه مرتبة رسول الله

الفجر العدد 21
17/10/2005

لا تسير الحياه على نغمه واحده . . ولا يستقر عند طبقه واحده . . ولا يهنأ الإيمان برتبه واحده . . ولكن . . الوصول إلى نقطة إستقرار ما و لو لبعض الوقت ليس أمراً سهلاً . . فكل فعل له رد فعل يساويه فى القوه ويختلف معه فى الإتجاه . . العدل يحتاج إلى قوه ليواجه الظلم . . الخير يحتاج إلى قوه ليواجه الشر . . النور يحتاج إلى قوه ليبدد الظلام.
يقول سبحانه وتعالى : [ وَلَوْلَا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّـهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيراً ] (40 الحج). . والصوامع والبيع هى أماكن يتعبد فيها الرهبان والكهان ويختلون فيها بربهم . . ويقول سبحانه وتعالى : [ وَلَوْلَا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ ] (251 البقرة) . . والدفع هنا معناه الصراع . . والإختلاف . . و توازن القوى. . فلولا قوة الشرطى لما توقف اللص . . ولولا قوة المقاومه لما إنتهى الإحتلال . . إن الطبيعه تتوازن بطريقة مختلفه . . غيرالتوازنات البشريه . . فالنار لا يقضى عليها سوى الماء . . والسم لا يقضى عليه سوى الترياق . . مثلاً
. . لكن . . التوازن بدفع الناس بعضهم ببعض هو توازن من نفس النوع و إن أختلف في قيمته . . فالناس هم الناس . . والقوه هى القوه . . لكن . . الإختلاف الوحيد فى إتجاه هذه القوه . . للخير والعدل والنور أم للشر والظلم والظلام ؟ .
لولا هذا التوازن البشرى الدقيق لسيطرت قوة غاشمه ودامت وأفسدت الأرض وهدمت المساجد والصوامع وشردت الرهبان والأولياء . . لا يفل الحديد سوى الحديد.
وشاءت حكمة الله أن توجد الجنه والنار . . ويوجد التيسير والإختيار . . فلو لم يكن هناك تيسير و إختيار لما كان هناك داع لجنة أو نار . . الجنه لا يوجد فيها ملائكه يستمتعون بما فيها و إن تنعموا فليس ذلك مكافأه عن عمل قاموا به . . فهم لا يحاسبون . . لأنهم إفتقدوا التخيير . . لكن البشر محاسبون لأنهم مخيرون . . مسيرون.
والمسير هو الذى لا يعلم شيئاً عن الدين . . أو يعلم ولا يستطيع أن يؤدى ما يطلب منه . . لو علم الإنسان و إستطاع أصبح مخيراً و محاسباً . . ولو فقد العلم أو الاستطاعة يكون مسيراً ولا يحاسب.
لكن . . ليس كل خلق الله على الدرجه ذاتها . . فهناك أهل الإصطفاء . . مثل الأنبياء . . منحهم الله العصمه من الزلل . . فهم معصومون لا ذنب عليهم . . مثل طبقة الإستيلستيل التى لا تصدأ بينما نحن مثل الحديد العادى المعرض للصدأ و يحتاج إلى إزالة ما عليه من صدأ . . أهل الأصطفاء غير قابلين للصدأ . . غير قابلين لإرتكاب الذنوب . . هم لا يقدرون على المعصيه و لو حاولوا . . المحاوله عيب . . لو فكر فى السرقه تصاب يده بالشلل . . لو فكر فى الكذب يتوقف لسانه عن النطق.
إن كلاً منهم يستحق لقب ” العبد لله ” الذى نستخدمه خطأ لنوحى بالتواضع . . فالعبد لله هو أكثر من قام بواجب العبوديه فى مقابل حق الربوبيه . . إنه الوحيد الذى لا شىء فيه بعيد عن الله . . جوارحه . . ورغباته . . وعشقه . . كله لله . . فهو لا يعرف فى الوجود سوى الله . . ويمكن أن نقول إن العبد لله هو رسول الله.
وتحت مرتبة العبد لله بشر يسمونهم الإلهيين . . هو عبد لله ولكن ليس كرسول . . وهؤلاء سماهم ربنا فى القرآن عباد الله [ عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً ] (6 الإنسان) . . والعين هنا هى عين البصيره . . و الإرتواء بالنظر إلى الله . . هؤلاء هم عباد الله . . المقربون . . الورثه المحمديون . . ويسمونهم أيضاً العباد الإلهيون . . الرحمانيون . . عباد الرحمن . . [ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلَاماً ] (63 الفرقان) . . ويقول عنهم الله سبحانه وتعالى : [ قَالُواْ اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ] (27،26 الأنبياء) . وتحت هذه المرتبه عباد يسمونهم الربانيين . . هم عباد الرب . . هم أصلاً أهل الخصاصه . . لكنهم لم يكونوا فى الأصل أهل الأصطفاء . . لكن . . الإصطفاء جاء بعد التربيه والتنقيه الإلهيه . . يقول سبحانه و تعالى : [ وَلَكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّنَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ ] (79 آل عمران).
وتحت هذه المرتبه يأتى المخلصون . . هؤلاء كانوا أشخاصاً عاديين ولكنهم بالعلم والعمل رفعوا مرتبتهم . . يقال : فى الحكمه كل الناس هلكى إلا العالمون . . . والعالمون هلكى إلا العاملون . . . والعاملون هلكى إلا المخلصون . . . والمخلصون هلكى إلا المقربون والمقربون على خطر عظيم . . هؤلاء إعتمادهم على أنفسهم فى الرقى . . ويقر الواحد منهم بعجزه وتقصيره ويأمل فى أن يصل إلى المرتبه التى لا يرى عندها من الوجود سوى الله.
وتحت هذه المرتبه أناس عاديون يبدأون المشوار من أوله . . يعلمون . . يعملون
. . يعبدون . . يجتهدون . . ثم يصطفون. وكما قال الصالحون :
( 1 ) ليس من نوُّه بالوصل له كالذى سُير ( بضم السين ) به حتى وصل . . أى هناك فرق بين الذى أختير للوصل والذى سعى إليه بنفسه .
( 2 ) لا و لا الواصل عندى كالذى فتح الباب له وللدار دخل . . أى ليس كل من وصل إلى الباب يفتح له ويدخل .
( 3 ) يرد الأعلى : ” لا و لا الداخل عندى كالذى أجلسوه عندهم فى المستهل ” . . أى ممكن يدخل ولكن . . لا يجلس فى الصف الأول .
( 4 ) و لكن . . الجلوس فى الصف الأول لا يكفى . . ” لا و لا من أجلسوه فى المستهل كالذى سارروه ” فهو للسر محل . . فهناك المنصه أعلى من الصف الأول
( 5 ) ولكن . . ولو جلس على المنصه . . هناك ما هو أعلى : ” لا و لا من سارروه كالذى صار إياهم فدع عنك الجدل ” . . ” وليس بمستغرب أن يجمع الله الكل فى واحد ” . . والواحد هو العبد لله . . رسول الله

ولا حول ولا قوة إلا بالله