الحكم لله . . لكنه يفوضه لمن يشاء

الفجـر العدد 20
10/10/2005

” الحاكميه ” . . كلمه شاعت . . وإنتشرت . . وسيطرت على مساحات سوداء شاسعه من عقول المتطرفين . . سرعان ما إنقلبت إلى تفجير وتخريب . . لقد فسر الإرهابيون الآيه الكريمه [ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا للهِ ] (57الأنعام،40يوسف) تفسيراً متعسفاً . . كان سبباً فى تكفير النظام القائم و الخروج على حكامه و جواز قتالهم و الإستيلاء على أموال الدوله ومحاربة سلطاتها وإعتبار الخدمه فى قواتها المسلحه مكروها يجب تفاديه.
وحتى نفهم التفسير المناسب لآية [ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا للهِ ] يجب أن نقرأ إلى جانبها آيات أخرى تتحدث أيضاً عن الحكم . . [ مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّـبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَاداً لِى ] (79 آل عمران) . . [ يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَءَاتَيْنَاهُ الْـحُكْمَ صَبِيّاً] (12مريم) . . [ وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ ] (58النساء) . . ويقول الله سبحانه وتعالى للنبى صلى الله عليه وسلّم : [ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُـحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُواْ فِىٓ أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّـمَّـا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً ] (65 النساء) .
من جملة ما قرأنا . . نعم الحكم لله . . هو صاحب الأحكام . . هو العليم . . الحكيم . . لكنه . . يفوض حكمه لغيره من الأنبياء والأولياء والبشر الذين يمشون على تعاليمه وسنة رسوله . . فلو أخذ سيدنا يحيى الحكم صبياً فقد أخذه من الله ولا يزال الله يحكم . . ولو أخذ النبى ^ عن الله فإن الحكم لا يزال لله ومن الحكم إشتقت الحكمه و الله سبحانه و تعالى يقول : [ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَآءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ] (269 البقرة) . . وهنا يجب أن نعلم معنى كلمة الإيتاء . . والإيتاء كلمه من ثلاث . . العدل والإحسان والإيتاء . . العدل أن تعدل القيمه مقوماً . . أو لتعدل العقوبه ذنباً . . أو لتعدل الكفاره خطأ . . أما الإحسان فهو أن تزيد القيمه عن المقوم أو يزيد المقوم عن القيمه . . مثلاً . . لو كانت هناك سلعه تساوى مائة جنيه فلو دفعت المائة جنيه فهذا هو العدل . . لو دفعت أكثر للبائع فهذا إحسان منك. . ولو أخذ البائع أقل من مائة جنيه فهذا إحسان منه . . أما الإيتاء فهو عطاء بلا مقابل.
وقد أستخدم الله الإيتاء فى مواضع كثيره منها . . [ يُؤْتِى الْحِكْمَةَ مَن يَشَآءُ ]. . [ رَبِّ قَدْ ءَاتَيْتَنِى مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِى مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ ] (101 يوسف) . . [ الَّذِينَ ءَاتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ ] (121البقرة،146البقرة،20الأنعام) . . [ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْـمُلْكِ تُؤْتِى الْـمُلْكَ مَن تَشَآءُ ] (26 آل عمران) . . [ مَآ ءَاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ ] (7الحشر) . . وغيرها.
هذا يدل على أن ما يعطيه الله سبحانه وتعالى لعبد من عباده مهما كان فهو هبه ومنحه يعجز آخذها عن دفع مهرها . . لا يقدر على مهرها . . لكن . . الله يعطيها له إيتاءً . . فالله سبحانه وتعالى عندما يُحَكّمْ ( بضم الياء ) أحداً فى خلقه أى يعطيه الحكمه أو الحكم فذلك من إحكام قدرته و هو الحكيم العليم.
ومن مظاهر قوله [ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا للهِ ] أنه سبحانه وتعالى جعل العلاقه بينه وبين عباده كلاً على إنفراد علاقه محكمه و مصانه بحيث إنها بلغت من الإحكام أنه لا يستطيع أحداً أن يعرف السر بين الله وعباده . . قول [ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا للهِ ] دعوه إلى التأدب مع الله فيقول لعباده لا تتدخلوا فى علاقه خاصه بينى وبين عبادى فأنا الذى أعلم المؤمن منكم وغير المؤمن وأعلم المنافق و من غير المنافق وأعلم ما لا تعلمون . . هذا هو معنى أن الحكم إلا لله . . ولكن ليس هناك مدخل لأحد أن يلوى الآيه الكريمه فيطوعها لهواه ويستخرج منها مبدأ الحاكميه على غير مراد العليم والحكيم ولذلك فنحن نقول لهم إن الحكم إلا لله أى أنه مالكه ملكيه مطلقه لا حرج أن يعطيه من يشاء

ولا حول ولا قوة إلا بالله