صدّق أو لا تصّدق : الله لا يكره الكفار بل يحبهم

الفجر العدد 103
26/5/‏2007

كل كلمه في اللغة لها حدود تمنحها صفاتها وخصائصها ومعناها . . ولا يعنى استخدام الكلمة في غير موضعها أنها تغيرت و إنما يعنى أننا لم نفهمها . . إن وضع لافته فندق الهيلتون على سجن أبى زعبل لا يعنى أن الليمان أصبح خمس نجوم . . فالكلمة ومعناها كالثمرة وطعمها . . وهذه هى المهمة الحقيقية للمشايخ.. فرز المتشابهات . . وإلا كانت الفتن.
إن هناك كلمات تستخدم أحياناً بمعنى واحد مع أن كلاً منها مختلف عن غيرها . . فنحن عاده ما نستخدم كلمات الاختيار والانتقاء والاجتباء والاصطفاء وكأنها كلمه واحده . . والحقيقة أن كل كلمه منها لها معناها الخاص بها الذي لا يجوز نقله إلى غيرها.
إن الاختيار هو المفاضلة بين الأشياء والأشخاص على أساس الأفضل والأحسن .. أفضل مهندس يحمل خبره وشهادة أعلى وليس هناك من يضارعه فيما يحمل من مؤهلات قال الله تعالى لسيدنا موسى : [ أَنَا اخْتَرْتُكَ ] (13 طه) .
فإن لم أجد الأحسن تكون المفاضلة على الأقل عيباً ( أحسن الوحشين ) وساعتها تكون الكلمة المناسبة هي الانتقاء . . أنتقى من الثمار أحسن ما هو متاح منها.
فإن كان الانتقاء على أساس الأسوأ والأكثر عيباً يكون الاجتباء . حيث لا شيء به مقبول . . وهذا أمر غريب . . أن يجرى الاجتباء على الأسوأ . . لكنها القدرة الإلهية المطلقة التي تفعل ذلك لينسب إليها كل التغيير الذى يحدث فى الأسوأ ليكون الأفضل . . يقول سبحانه وتعالى عن أول الخلق : [ وَعَصَى ءَادَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ * ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ ] (122،121 طه) . . أي أن الله سبحانه وتعالى اختاره من الموقف السىء ليصلح من شأنه بذاته العليا ثم تاب عليه بعد ذلك وهداه . . ويقول سبحانه وتعالى [ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ] (78الحج)..والمقصود أن الله اختارنا من أسوأ الناس ليجعل منا خير أمه أخرجت للناس.
أما الاصطفاء فلا قاعدة له في الاختيار . . يقول سبحانه وتعالى : [ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْـخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ ] (32فاطر) . ويقول سبحانه وتعالى : [ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ ] (42 مريم) . . ويقول سبحانه وتعالى : [ إِنَّ اللهَ اصْطَفَى ءَادَمَ وَنُوحاً وَءَالَ إِبْرَاهِيمَ ] (33 آل عمران) . . كل الإصطفاء بدون قاعده . . فالله حر أن يعذب من أطاعه . . وأن يثيب من عصاه . . ذلك لأنه لا يسأل عما يفعل وهم يُسألون.
وهنا طلاقة القدره الإلهيه . . فالله سبحانه وتعالى لا يختار من خلق غيره وإنما يختار من خلقه . . ولهذا السبب فإن هناك صوفيون لا يرون أن الله يكره الكفار وإنما يحبهم . . فلو كان يكرههم لما خلقهم . . كان قد قضى عليهم . . ولو كان الهدف من إرسال الرسل هو إهلاك الكفار فإن الله كان يقدر على هذه المهمه أفضل منهم دون الحاجه إليهم . . ولو كانت تلك مهمه الرسل لكانت دليلاً على ضعف الله . . وحاشا لله.
كيف نقول أن الله يكره الكفار وهو الذى أرسل إليهم أفضل خلقه وأحب خلقه إليه . . يقول سبحانه وتعالى لموسى: [ اذْهَبَآ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ * فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ ] (44،43 طه ) . . لقد أمر الله موسى وأخاه هارون أن يقولا لفرعون قولاً ليناً . . فكيف يكرهه الله رغم أنه طغى ؟ .
كيف يكره الله الكفار وهو الذى أرسل إليهم حبيبه محمداً بن عبد الله صلى الله عليه وسلّم مصدقاً لما بين يديه من آياته وفيها يقول سبحانه وتعالى : [ وَلَوْ كُنْتَ فَظاًّ غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ ] (159 آل عمران) . . إن الله يطالب رسوله ونبيه بأن يعامل الكفار بالرقه ويعفو عنهم بل ويستغفر لهم . . إن العفو هو تجاوز الأخطاء . . ولو إرتكبوا إثماً فاستغفر لهم الله ليسامحهم . .بل ويقول الله سبحانه وتعالى : [ فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ] (17 الطارق) . . أى لا تستعجلهم بالعذاب . . فلو خلقتموهم لرحمتموهم . . فلا أحد يهين صنعته . . والخلق كفاراً ومؤمنين هم صنعة الله . . مستحيل إهانتهم. ولا ننسى أن الإيمان من عند الله . . فلو كان مؤمناً مكان كافر فهل سيتمنى أن يهلكه أحد ؟ . . يقول سبحانه وتعالى : [ قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِىَ اللهُ وَمَن مَّعِىَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَن يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ]  (28 الملك) .
والكافرون غير الكفره غير الذين كفروا . . الكفار هم الذين جاء النبى و وجدهم كفره . . يقول سبحانه وتعالى مخاطباً النبى : [ قُلْ يَآ أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ] (1 الكافرون) . . أى قل للذين أرسلت لتجدهم على حالة الكفر . . وهؤلاء قد يؤمنون وقد يبقون على كفرهم . . والكفار بهذا المعنى غير الذين كفروا . . أما الكفره هم الذين لم يأمنوا ولن يؤمنوا . . أبو لهب من الكفره فهو لم يغير موقفه قبل وبعد الدعوه . . أما الوليد بن المغيره فهو من الذين كفروا . . فقد آمن ثم كفر.
وكلمة الكُفار كلمه شامله يتحدد موقعنا منها حسب سياق الكلام . . فقد توضع فى سياق خير . . كما فى قوله تعالى: [ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ] (29 الفتح) . . فكفر فى اللغه تعنى غطى . . فإذا كفرت السر فهذا يعنى أنك غطيته . . وكفر الحقيقه أى أخفاها.
وكما ورد فى صحيح البخارى الجزء(1)  ص(26) : 
29-حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس قال : قال النبي ^ : ( أُرِيتُ النَّارَ فإذا أكثرُ أهْلِهَا النِّسَاءُ يَكْفُرْنَ ) . قِيل أيكْفُرْن باللهِ ؟ قال :  ( يَكْفُرْنَ العَشِيرَ ويكفرن الإحسان لو أحسنت إلى إحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ ثم رأت منك شيئا قالت ما رأيت منك خير قط).
{ش} أخرجه مسلم في أول كتاب العيدين رقم 884
(أريت ) من الرؤية وهي الإبصار والمعنى أراني الله تعالى . ( يكفرن العشير ) من الكفر وهو الستر والتغطية أي ينكرن إحسانه . والعشير الزوج مأخوذ من المعاشرة وهي المخالطة والملازمة . ( الدهر ) مدة عمرك . ( شيئا ) لا يوافق مزاجها ولا يعجبها مهما كان قليلا . (قط ) أي فيما مضى من الأزمنة.
– ونفس التفرقه بصوره عكسيه مختلفه يمكن أن نفرق بين المؤمنين والذين آمنوا .. المؤمنون مخلوقون مؤمنين مثل الأنبياء والرسل لم يقربهم الكفر أبداً . . أما الذين آمنوا فكانوا كفاراً ثم هداهم الله إلى الإيمان . . يقول سبحانه وتعالى : [اللهُ وَلِىُّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ  يُـخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ ] (257 البقرة).
لا أحد قال لنا من قبل الفرق بين الكفار والذين كفروا . . ولا الفرق بين المؤمنين والذين أمنوا . . لكنه القرآن الذى يقبل علينا بأسراره كلما أقبلنا عليه . . ويخفى عنا ما فيه من كنوز كلما أعرضنا عنه

ولا حول ولا قوة إلا بالله