التفسير الديمقراطي لطاعة الله والرسول وأولى الأمر منكم

الفجر العدد 18
26/9/2005

أحياناً . . تكون بعض التفسيرات الشائعه مثل تذكرة المرور التى لا تصلح إلا لسفره واحده . . فى إتجاه واحد . .  أحياناً يكون التفسير مثل عمارة لا مهندس لها . . مثل بيانو لا يجد عازفاً بارعاً يلعب عليه بأصابعه . . مثل زجاج نعتقد أن الرصاص لا يخترقه . . لكنه . . يتهشم عند التعرض لنزلة برد.
فنحن نفسر قول الله تعالى : [ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ]  (59النساء) تفسيراً فى إتجاه واحد يضعنا فى بيت الطاعه ويغلق علينا الباب بالضبه والمفتاح . . تفسير تفنن به البعض , يضع طاعة الحاكم بصفته ولى الأمر مثل طاعة الله و رسوله  . . وهو ما كرث الكثير من الأفكار الفرديه . . والمركزيه . . وربما الديكتاتوريه
. . وهو أمر يحتاج إلى مراجعه شامله . . كامله .
لقد وردت كلمة الأمر فى آيات كثيره بمعان غير متشابهه . . مثل . . [ للهِ ( الْأَمْرُ ) مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ ] (4 الروم) . . [ إِلَيْهِ يُرْجَعُ (الْأَمْرُ) كُلُّهُ ] (123 هود) . . [ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ (الْأُمُورُ) ] (210البقرة،109آل عمران) . . [ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ  (أَمْراً ) أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ] (36 الأحزاب) . . [ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ (تَأْمُرُونَ ) بِالْـمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْـمُنكَرِ ] (110آل عمران) . . [ أَتَى (أَمْرُ) اللهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ ] (1 النحل) . . [ وَ(أَمْرُهُمْ) شُورَىٰ بَيْنَهُمْ ] (38الشورى) . . [ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِىُّ حَتَّى جَآءَ (أَمْرُ) اللهِ ] (14 الحديد) .
وفي الحديث الشريف الذي ورد في صحيح مسلم – الجزء (3)، ص (1343) :
17 – ( 1718 ) حدثنا أبو جعفر محمد بن الصَّبَّاح وعبد الله بن عون الهلالي جميعا عن إبراهيم ابن سعد قال ابن الصباح حدثنا إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف حدثنا أبي عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت: قال رسول الله ^ ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ).
و كما ورد في الحديث الشريف
في تخريج أحاديث الإحياء – الجزء الأول، ص (165-167) :
146-( نحن معاشر الأنبياء أمرنا أن ننزل الناس منازلهم و نكلم الناس على قدر عقولهم ).
و أول ما ورد عن رسول الله ما دار بينه وبين أبى طالب فى بدء الدعوه عندما قال ” والله يا عم  لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا (الأمر) ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه ”
من هنا يتضح أن كلمة الأمر كلمه عامه . . لها أكثر من معنى . . قد تأتى بمعنى التكليف بأمر . . وقد تأتى بمعنى الدين . . و قد تأتى بمعنى الشأن . . ولا يمكن تحديد المعنى المحدد و المقصود إلا حسب السياق الذى وضعت ووجدت فيه الكلمه.
ولو عدنا إلى آيه : [ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِى الْأَمْرِ مِنْكُمْ ] (59 النساء،33آل عمران) . . فإن الذين فسروا الآيه لصالح الحكام لم يلتفتوا إلى عبارة [ أَطِيعُواْ اللهَ ] ولا لعبارة [ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ ] وتمسكوا بعبارة [ أُوْلِى الْأَمْرِ مِنْكُمْ ] ثم قصروا [ أُوْلِى الْأَمْرِ ] على الحكام , رغم أن الحكام مخاطبون مثل عامة الناس فى كافة الآيات ولا تمييز بينهم وبين غيرهم من البشر العاديين.
وطاعة الله هنا عباره ملزمه يلزمها الإيمان بالغيب و من ثم فإنها طاعة مطلقه . . وطاعة الرسول مقامها الإتباع ويلزمها التصديق المطلق . . والطاعه المطلقه أيضاً. . ونصل إلى طاعة ولى الأمر . . مثار الخلاف . . ومصدر الجدل . . فهى لا ترقى إلى رتبة العباده التى هى لله ولا تصل إلى مستوى الإتباع الذى هو لرسول الله . . فلو أخذنا كلمة ” أمر ” هنا بمعناها الدينى يكون المقصود بأولى الأمر فى الآيه أهل الدين و لا دخل للحكام هنا
. . ولو أخذنا كلمة ” أمر ” بمعنى الشأن . . يكون المعنى أكثر فائده على إعتبار أن كلمة شأن تعنى أمراً . . و أولى الأمر يقصد بهم أصحاب الشأن . . وأصحاب الشأن هم أهل الخبره والإختصاص و التمييز . . كل على قدر ما يسر الله له.
إننا لو فسرنا أولى الأمر هنا بمعنى أنهم أهل الدين الإسلامى فسوف نقع فى حيره شديده بخصوص المسلمين الذين يقيمون فى بلاد يكون حكامها غير مسلمين . . هل يطيعونهم أم لا؟.
الواقع أن كلمة أمر بمعنى شأن هى أوسع وأفيد و أوقع هنا على إعتبار إنها تشمل جميع المفاهيم . . والتخصصات . . بمعنى أن الخبراء فى المرور مثلاً هم أولو هذا الأمر( المرور ) وطاعتهم فيها السلامه والحفاظ على الأرواح والأموال والإنتاج و تحقيق الراحه النفسيه والعصبيه بغض النظر عن ديانتهم وجنسيتهم . . يجب طاعتهم فى تخصصهم فهم أولو أمر . . أولو الشأن . . أولو الخبره . . ويمكن تكرار المثل فى كافة مجالات الحياه . . الأطباء أولو أمر فى الصحه والمرض . . القضاه و المحامون أولو أمر فى القضايا والمحاكم . . ضباط الشرطه أولو أمر فى الأمن والحمايه . . وهكذا.
أولو الأمر بإختصار هم أهل الإختصاص . . وبهذا المفهوم نجد أن كل واحد منا فى المجتمع يكون مرة من أولى الأمر ومرة يكون مطالباً بطاعة أولى الأمر . . حسب الخبره . . فلو كنت موظفاً فى بنك فإنك من أولى الأمر الذين يطيعهم عملاء البنك
. . فإذا ما خرجت من البنك أطعت أولى الأمر فى المرور . . وأولو الأمر فى المرور بعيداً عن تخصصهم . . يطيعون الكناس فى النظافه . . ويطيعون الفلاح فى الزراعه . . وهكذا تتسع الدائره لتشمل كل البشر . . وكل الناس.
إذن كل فرد فى المجتمع أصبح من أولى الأمر . . يطيع مره ويطاع أكثر من مره
. . بما فى ذلك الحكام . . فالحكام يستمعون إلى مستشاريهم من أهل الخبره فى كل الأمور ويطيعونهم أيضاً . . وهذا لا يقلل ولا يقدح فى كون الحاكم من أولى الأمر .. بل على العكس يزيد من قدرته وكفاءته . . فكلما سمع الحاكم كلام أهل الخبره كلما كان حاكماً جيداً . . والعكس صحيح . . لو لم يسمع كلام أولى الأمر من أهل الخبره تعرض حكمه للسقوط و الأنهيار . . تخيل حاكماً يطلب حفر نفق تحت الماء من المغرب إلى أمريكا ويصر على طلبه مهما عارضه أولى الأمر أو أصحاب الشأن من أهل الخبره . . ترى كيف يكون الحال لو أصر على رأيه ورفض رأيهم ؟ .
وطاعة ولى الأمر بهذا المعنى تعنى الإلتزام والنظام والإحترام والإحساس بالمسئوليه وتقدير الأمور تقديراً صحيحاً . . لو جرى ذلك وأحترمت الإختصاصات والقدرات وعرفنا لأهل الخبره قدرهم فى كل المجالات صغيره وكبيره فإن الدنيا تستقيم وتنمو وتزدهر وتصبح ملونه وتتجاوز عصر الأبيض والأسود . . تخيلوا مجتمعاً يعيش هذا المفهوم . . كل فرد فيه مطالب بطاعة أولى الأمر من التخصصات الأخرى . . بما فى ذلك تخصصه . . إنه سيكون المجتمع المثالى . . المدينه الفاضله التى حلم بها الأنبياء والفلاسفه . . حتى يكتمل الشرح والتفسير والإجتهاد فإننا نضرب مثلاً للتفرقه بين طاعة الله والرسول وطاعة أولى الأمر . . يطالبنا الله بالصلاه . . [ أَقِيمُواْ الصَّلَاةَ ] . . وهو أمر يجب طاعة الله فيه طاعه مطلقه . . ويقول رسوله الكريم في الحديث الشريف الذي ورد في صحيح البخارى – الجزء (4) ، ص (93) :
6008 – حدثنا مسدد حدثنا إسماعيل حدثنا أيوب عن أبي قلابة عن أبي سليمان مالك بن الحويرث قال: أتينا النبي ^ ونحن شببة متقاربون فأقمنا عنده عشرين ليلة فظن أنا اشتقنا أهلنا وسألنا عمن تركنا في أهلنا فأخبرناه وكان رقيقا رحيما فقال : ( ارجعوا إلى أهليكم فعلموهم ومروهم وصلوا كما رأيتموني أصلي وإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم ثم ليؤمكم أكبركم) .
 . . وهنا يكون الإتباع . . إتباع رسول الله ^ هو طاعه عمياء . . ليأتى بعد ذلك دور أولى الأمر . . إنهم لا يفرضون الصلاه ولا يفرضون كيفيتها بل يحددون توقيتاتها . . فعلماء الفلك والتقويم يحسبون لنا متى يكون الظهر ؟ . . ومتى يبدأ العصر ؟ . . والصوم هو عين الشىء نفسه . . أمر إلهى يجب طاعته لكن . . أولى الأمر مثل المفتى وعلماء الفلك وجماعة الرؤيه هم الذين يحددون متى يبدأ شهر رمضان ومتى ينتهى ؟ .
إن الإسلام دين يحفز على الشورى والحريه والديمقراطيه لكن . . الذين يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً هم الذين يضيقون الرحمه و يروجون للأفكار الخاطئه التى شوهت الدين وجعلت أعداؤه ينسبون إليه ما ليس فيه

ولا حول ولا قوة إلا بالله