تزوير النية فى الموالد وتوريط الشرع فى الشارد والوارد

الفجـر العدد 17
19/9/2005

الموالد جزء أصيل من أفراح المصريين وإحتفالاتهم . . يسعون إليها للبركه والمتعه . . ويقضون فى رحابها ساعات . . وربما أيام . . ليعودوا بعدها إلى حياتهم وقد غسلت صدورهم من غبار كثير علق بها . . لكن . . هناك من ينكد عليهم عيشتهم ويحرم عليهم ما لا حرام فيه . . فما هى مشروعية الموالد . . والأمور المخالطه والمصاحبه لها !!
فى الملتقى الصوفى الثانى الذى عقد يوم الثلاثاء الماضى بقاعة الأمام المجدد أبو العزايم الملحقه بمقر الطريقه العزميه بالقاهره نوقش الموضوع.
وكالعاده كان اللقاء برعاية وبرئاسة وحضور سماحة السيد / حسن محمد سعيد الشناوى شيخ المشايخ ورئيس المجلس الصوفى الاعلى وكان مقرر هذا الملتقى صاحب الفضيله الشيخ محمد علاء الدين ماضى أبو العزايم الذى أدار الحوار بحب وإقتدار.
قال الشيخ المقرر : كما هو متفق عليه من اللقاء الأول فإن موضوع هذا الملتقى هو كلمه مطلقه مطلوب إبراز الحقائق كافه حولها من حيث مشروعيتها و أقوال المعترضين عليها و ما نتفق فيه مع المعترضين وما ينبغى تصحيحه وكل شىء حول هذا الموضوع . . ثم كان سماحة شيخ المشايخ يعلق بعد كل متحدث إما بالإضافه أو بالتعديل أو بالتوضيح و كل ذلك فى محبة غامره من قلوب بحب الله ورسوله وآل بيته عامره.
سؤال : ما معنى الإحتفال ؟ قال أحد المشايخ وهو من رجال الأزهر إن الإحتفال فى القاموس يعنى إلإجتماع وهو مأخوذ من إحتفال المكان بالماء أى الإمتلاء به وعلى ذلك فالصحيح أن نقول الإحتفال للمولد وليس بالمولد وهذا لا يؤثر . . ثم قال أحد المشايخ : هل الإجتماع على طعام العقيقه عند مولد طفل مسلم يعتبر إحتفالاً ؟ قالوا نعم بإعتبار أن المولود حدث لورود نعمه أو إنفراج أزمه عن أمه عند ولادته فالإجتماع على طعام لشكر الله لحدوث نعمه أو شكره تعالى على كشف أزمه أو غمه هو من السنه المطهره .
 ثم تدخل أحد المشايخ وقال أرى أن نحصر على قدر إستطاعتنا كل الأمور ثم نناقشها حتى لا يتوه الموضوع فإنه موضوع كبير . . قالوا نعم الرأى فقال وقالوا معه يبدأ الموضوع وينتهى بما هو آت :
 

1-        النية .
2-        شد الرحال لبلوغ المكان المقام فيه الإحتفال .
3-        التجمع والإحتفال .
4-        الزياره للولى والطواف حوله وتقبيل الأعتاب والمقاصير .
5-        الصلاه بالمسجد .
6-        قرائة القرآن فى المسجد أو حول المسجد فى السرادقات .
7-        حلق الذكر أوما يسمى بالحضرات وما بها من أناشيد وتمايل يميناً وشمالاً .
8-        إستعمال الدفوف فى الموالد – وزفة الخليفه .
9-        الأكل فى المساجد وهو ما يسمى بالنفحه .
10-      إطعام الطعام للفقراء والمساكين .
11-     المحاضرات الدينيه الإرشاديه ومنها تلاوة سيرة الولى .
12-     الباعه الجائلون وغير الجائلين حول المساجد .
13-     المقاهى والملاهى والسيرك وألعاب الأطفال .
14-     التلوث البيئى من ضوضاء وإلقاء فضلات الطعام وغيره .
15-     السرقات بأنواعها من نشل ونصب وإحتيال .
16-     الدجل والشعوذه والألعاب الناريه .
17-     الإختلاط ومايترتب عليه .
18-     المخالفات الأمنيه كالمشاجرات والبلطجه والإكراه .
هذا هو كل ما يوجد فى الموالد .
قال العلماء : بخصوص النيه و هى ما يضمر فى القلب و لا حساب عليها إلا إذا أتبعت بفعل يظهر ما بطن فى الضمير وعندئذ فأى فعل مقرون بنيه يعتبر عملاً بالحديث الشريف  الذي  ورد في صحيح البخاري – الجزء الأول ، ص (13) :
1 – حدثنا الحُمَيْديُّ عبد الله بن الزبير قال حدثنا سفيان قال حدثنا يحيى بن سعيد الأنصاري قال أخبرني محمد بن إبراهيم التَّيْمِيُّ أنه سمع علقمة بن وقاص الليثي يقول سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه على المنبر قال سمعت رسول الله  ^ يقول ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه)  صدق رسول الله  ^ .
وعلى إعتبار أن النيه لا يعلمها إلا الله فلا يحاسب أحد أحداً على نيته وبالتالى لا تفسد نيه بنيه ، فمهاجر أم قيس ( رجل هاجر من مكه إلى المدينه وراء أم قيس التى يحبها) لا تفسد بنيته هجرة من نوى الهجره إلى الله ورسوله . . وفى موضوعنا هناك من نوى الذهاب إلى حيث يقام المولد لكى يعرف شيئاً عن سيرة صاحب المولد , نشأته وعلمه وجهاده وصبره وكرمه وحلمه وأقواله وحكمه وهناك من نوى الذهاب إلى المولد للذكر أو أى نوع من أنواع العباده فمن كان كذلك فقد خرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله , وشد الرحال لهذه الأغراض لا يتنافى مع الحديث الشريف الذي ورد في سنن أبي داود – الجزء (2) ، ص (529) :
2033 – حدثنا مسدد حدثنا سفيان عن الزهري عن سعيد ابن المسيب عن أبي هريرة عن النبي  ^ قال:( لا تُشدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد مسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الاقصى).
 وهناك من نوى الخروج من بيته للبيع والشراء فى المولد وهناك من نوى الذهاب لإرتكاب مخالفه شرعيه أو أمنيه فكل من هؤلاء له عمله المبنى على نيته و لا تفسد بنية و لا يبطل عمل بعمل ولا ننسى أننا نتعامل مع الله .
وهنا قال أحد المشايخ : ما حكم تلفيق الإتهامات ؟
وقال آخر : هو كرمى المحصنات المؤمنات الغافلات وله عقوبته .
قال آخر : لعل الشيخ المتداخل يقصد تلفيق النوايا . . فمال المشايخ , كل شيخ إلى من بجواره ضاحكاً وقالوا . . أول مره نسمع عن تلفيق النوايا فسألوه : هل توضح أكثر ؟ قال : لو أن واحداً من حضراتكم ذهب إلى معمل التحاليل الطبيه لعمل تحليل صورة دم كما أمر طبيبه الخاص, فإذا بالمعمل يعطيه النتيجه دون الحصول منه على العينه , وهذه النتيجه فيها ما فيها فهل يقبل ذلك ؟ فقالوا : لا . . قال : لماذا ؟
قالوا : لأن العينه لا تخص صاحبها وبالتالى فالنتيجه لا تنسب إليه . . قال : سبحان الله إذا كان الأمر كذلك فلماذا نسمح لبعض الناس أن يأتوا بنوايا من عندهم يفترضونها ثم يفرضونها ثم يقيمون بها الحجه على الآخرين , على إعتبار أن ما فرضوه و إفترضوه صحيح ؟ ثم قال : يقول البعض إنكم تذهبون إلى الموالد لعبادة الأولياء
وكما ورد فى مسند ابن حنبل الجزء (15)  ص(160) :
9280 -حدثنا عفان قال حدثنا حماد بن سلمة عن محمد بن واسع عن  شُتَيْر بن نَهَار عن أبي هريرة أن رسول الله  ^ قال : ( حُسْنُ الظَّنِّ من حسن العبادة ) .
و مع أن جميع العبادات مبنيه على النيه و لا عبره بعمل ولا قول بغير نيه , وبذلك يختلف العمد عن الخطأ و السهو و الجهل والإستكراه والأمر ليس كذلك وفقط , بل إفترضوا وفرضوا نيه واحده إشترك فيها القادمون إلى مقام الولى من جميع الأماكن والأوقات , فالواحد من المنكرين يضع من عنده فى قلب الزوار نيه معينه وصاحبها لا يعلمها ثم يحاسبه عليها.
أين نحن من ولى الله ” ذو النون المصرى ” عندما قال كل علماء عصره إنه كافر ثم ساقوه إلى الحاكم فسأله الحاكم قائلاً : أجمعت الأمه على كفرك فما قولك ؟ قال ذو النون : إن رأى رجل لا يوازى رأى أمه , قال الحاكم : إذن أنت موافق على أنك كافر ؟ قال ذو النون : كيف أقر أو أرفض شيئاً هو فى قلبى لا يعلمه إلا الله ؟ قال الحاكم : هذا أمر عجيب , إذا كان صاحب الأمر لا يعلم ما بداخله فكيف عرفه هؤلاء المدعون , ثم قال قولته الشهيره ( يا ” ذو النون ” لو أن مثلك كافر فما على ظهر الأرض مؤمن ) .
ثم قال الشيخ : فيا إخوانى لقد وصل التزوير والتلفيق إلى حد تلفيق النيه ودسها على صاحبها كما يحدث عندما يدس الرجل لأخيه شيئاً من المخدرات أو السلاح ثم يبلغ عنه الشرطه و يضيع الرجل لأن الشرطه و القضاء لا يعرفان غير الوقائع والأدله الماديه والمنطقيه وقد يخدع القضاء ويلفق له المحترفون نيه توافر القصد الجنائى عند المتهم أما رب العالمين الذى يعلم السر وأخفى وكيف لا يعلمه وهو الذى خلقه : ألا يعلم من خلق ؟ فكيف يلفق نيه عباده !! وهنا صفق الحاضرون وقالوا : فتح الله عليك يا شيخ , فأول مره نسمع عن تطور فنون التزوير الذى وصل إلى حد تزوير النوايا و لكن الضمان أن القاضى الذى يعرض عليه الأمر قد رأى من يزور حال تزويره و رأى من يدس حال دسه و رأى من ينوى حال نيته و رأى من عمل حال عمله والله بكل شىء عليم.
ثم قال أحد المشايخ : أرى أن موضوع الموالد قد إنتهى القول فيه بهذه المعلومه الطريفه . . فقال الآخرون : نعم ولكن ينبغى فى ضوء المعلومه أن نوضح كل ما يجرى فى الموالد إحقاقاً للحق وإزالة الشبهه.
قال أحد المشايخ : أرى أن نقسم ما يحدث فى الموالد إلى شرعى وغير شرعى فقال الآخر: الحكايه مقسمه نفسها , فالنيه تكلمنا عنها وشد الرحال شرعى والتجمع والمواكب والذكر وتلاوة القرآن والزياره والصلاه فى المساجد , وكذلك إطعام الطعام للفقراء والأغنياء وسماع السيره كل ذلك شرعى لا تتم بتصريح من المجلس الصوفى الأعلى , ولا بدعوه عامه ولا خاصه من الطرق الصوفيه ولا تدخل تحت سلطة المجلس الصوفى الأعلى , ولكنها تعتبر خدمات بريئه وإذا ساد الرأى أنها مخالفه فيجب إزالتها إما عن طريق وزارة الداخليه أو عن طريق البلديه كإشغالات للطريق وإذا تركت فلا ضرر منها دينياً ولا قانونيا ولا إجتماعياً.
أما المخالفات الشرعيه والأمنيه كالسرقه والنصب والإحتيال والدجل ( فى القاموس هو الكذب ) والشعوذه ( خفة اليد التى تشبه السحر فى القاموس ) وكذلك البلطجه و عدم الإنضباط فلا توجد جهه رخصت بهذا ولا دعت إليه ولا يعتبر ضمن طقوس المولد ، ولا يجب أن تنسب إلى الموالد ولكنه كالذباب الذى يتجمع عند الجزارين لا يحرم اللحوم و لا يمكن الإحتراز منه بسهوله . . وكما قلنا لا يبطل عمل قوم بعمل الآخرين ولا تفسد نيه رجل بفساد نوايا الآخرين و المجلس الأعلى للطرق الصوفيه لا يرضى عن ذلك ولا يطلبه وفى نفس الوقت لا يستطيع منعه لأنه لا سلطان له إلا بالحكمه والموعظه الحسنه ، وعلى أى حال فإن الموالد لا ينبغى أن يؤخذ فيها غير الحكم الشرعى جمله لأن كلمة موالد منحصره وما يحدث فيها غير منحصر ودخول ما لا ينحصر تحت المنحصر محال فلا يصح أن يقال ما حكم الشرع فى سكان محافظة القاهره , أو ما رأى الدين فى الصعايده . . هذه مغالطه كبرى ولكن يجب أن يؤخذ رأى الدين فى كل أمر على حده.
قال أحد المشايخ : لقد قلنا إن الذكر فريضه بأمر الله فكيف يكون الذكر الصحيح الخالى من التمايل و التطوح يميناً وشمالاً و بصوت عالى وجماعى ؟ ما هى الضوابط العامه حتى يكون الذكر ذا مظهر حضارى يتناسب مع القرن الحادى والعشرين ؟
وهنا كانت أكثر من إجابه محورها جميعاً هو :
أولاً : إذا فرض الله فريضه وحدد لها كيفيه وجب أداؤها بنفس الكيفيه دون النظر إلى المظهر الحضارى , ولا يتغير ذلك بتغير القرون ولا الواحد والعشرين و لا الواحد والتسعين , فالصلاه على هيئتها والصيام على كيفيته المعروفه و الحج و كذلك كل ما أمر الله به و بين له كيفيه , فهو فرض وكيفيته فرض.
ثانياً : إذا فرض الله فريضه وترك كيفيتها مطلقه فإنها تكون فريضه وإطلاق  أداؤها فريضه , دون النظر لأى إعتبار آخر , ولعل الله قد جعل الذكر مطلق الكيفيه حتى يتناسب مع قدرات وأمزجه الذاكرين , فلم يقيده سبحانه بليل ولا نهار ولا مكان ولا هيئه ولا عدد ولا بالسر ولا بالجهر ولا بالإنفراد ولا بالإجتماع وكذلك لم يقيده بجهه وبالتالى فهو فريضه فى ذاته وفريضه فى إطلاقه . . قالوا كيف ؟
قال الشيخ :و يضرب الله الأمثال للناس ، أضرب مثالاً لحضراتكم : أنتم جميعاً مشايخ طرق , لو سألك أحد المريدين كيف آكل اللحم الضانى المذبوح شرعاً فماذا تقول له ؟ لاشك أنك سوف تقول له يا بنى كله بأى شكل وأطبخه فى أى إناء وكله ليلاً أو نهاراً مجتمعاً أو منفرداً طالما هو حلال ولم يرد له كيفيه . . فمن تيسير الله عليك أن جعل ذلك مطلقاً فمن قيد المطلق فقد إبتدع ومن أطلق المقيد فقد إبتدع.
أما إذا سألك أحد المريدين عن حكم أكل لحم الخنزير فلا شك أنك سوف تقول أنه حرام ولا يحله أسلوب الطبخ أو التناول , فالذكر أمرنا به ولم يحدد له كيفيه فى كتاب الله وسنة رسوله على سبيل الحصر الوارد فى العبادات الأخرى , فمن قيده بكيفيه دون غيرها فهو مبتدع . . . . و العياذ بالله . . . .
قال أحد المشايخ : بالمناسبه ما هو تعريف البدعه ؟
قال المشايخ : إن البدعه السيئه هى إطلاق ما قيده الله ورسوله أوتقييد ما أطلقه الله ورسوله.
قال آخر : البدعه هى الخيره بعد حكم الله ورسوله [ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ] (36 الأحزاب) صدق الله العظيم .
قال آخر : البدعه هى الإجتهاد فيما ورد فيه نص إلا لفهم النص .
قالوا : نكتفى بهذا القدر من التعريفات فأحدها يكفى .
ثم شرع الحضور فى قرائة الفاتحه لإنهاء اللقاء وهنا جاء دور رئيس التحرير فقال موجهاً إلى سماحة شيخ المشايخ . . سماحة الشيخ : أريد أن أعرف على سبيل الإجمال ما تم الإتفاق عليه فى هذا البحث.
قال الشيخ : إعلم يا بنى إن الإحتفالات الدينيه وغير الدينيه ولها ما يخالطها فما خالطها من الحلال لا يزيدها من الجلال و ما خالطها من الحرام لا يفقدها الإحترام ولا تفسد نيه بنيه ولا يبطل عمل بعمل مع المغايره , ووجود الشر لا يمنع عمل الخير, أنظر إلى الكعبه المشرفه قبل الهجره المباركه وحولها الأصنام والأوثان والتى تعبد من دون الله والرسول يطوف حولها ويصلى إليها ولم يقم وزناً لما حولها مما لا يليق بها ولا يطعن فى قدسيتها ذلك و لا يزيدها جلالاً أن تزال الأصنام من حولها. . فقبل الهجره كان لا يمكن الإحتراز من ذلك وبعد الفتح أمكن إزالة الأصنام و الإحتراز منها , ومقامات الأولياء والمساجد لا يضرها ماحولها و لا يزيدها بهاءاً وعزاً إلا أنها بيوت الله.
رئيس التحرير: ماهى حكاية زفة الخليفه حيث يركب أحد الناس حصاناً أو جملاً ويطوف المدينه أو القريه.
قال الشيخ : لا حكم فى هذا , فالرجل يركب حصاناً أو غيره ما حكمه ؟
رئيس التحرير: يحدث من البعض عند زيارة الأولياء تقبيل الأعتاب أوالمقاصير فما رأيك ؟
قال السيد: ليس ذلك دليل إيمان و لا صلاح و ليس أيضاً دليل كفر أو شرك و لا يؤمر به أحد ولا ينهى عنه أحد و لا إعتبار له عند فاعله ولا ثواب على فعله ولا إثم على تركه.
قال رئيس التحرير : أين هذا من قول سيدنا عمر للحجر الأسود ( أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أنى رأيت رسول الله ” صلى الله عليه وسلّم ” يقبلك ما قبلتك ) ؟
قال سماحة السيد: أعلم أن تقبيل الحجر الأسود وارد عن رسول الله وهذا واضح فى كلام سيدنا عمر رضى الله عنه . . وسيدنا عمر قال ذلك بعد أن قبل الحجر فعلاً وقوله لا يطعن فى تصرف رسول الله بل يعلن عن عدم فهمه للحكمه من وراء ذلك التقبيل , وهو بذلك يروى الحديث على الحجاج ويقول لهم. قبلوا ذلك الحجر و إن جهلتم العله من تقبيله فأنا مثلكم لا أعلم العله ومع ذلك قبلت الحجر , ولو إعتبرنا الحجر جماداً فسيدنا عمر يخاطب الجمادات , ولو علمنا أنه ليس كذلك ( أى ليس جماداً ) فماذا يكون ؟!! وكل ما يفعله العوام لا أعتقد أنه بقصد النفع للأعتاب و لا للولى , ولكن هو مجرد تعبير لا إرادى يصدر عن صاحبه لا يؤدى إلى إفساد عقيدة المسلم لأنه يعلم أن الله ليس حجراً ولا حديداً ولا شيئاً من المخلوقات . . فالأم لا تقبل إبنها بغرض العباده والأب لا يغار من ذلك والعقلاء لا يعلقون على ذلك بالسلب أو بالإيجاب , وإسمع نصيحتى : لا تلحق أعمال العباد بنيه من عندك فالأعمال كالأبنيه والنوايا كالأساسات وكل بناء قائم على أساسه لا على أساس غيره.
ثم قال رئيس التحرير : يا سماحة السيد إن الله يضرب للناس الأمثال لكى يفهموا و أنا ممن يفهمون كذلك فهل من مثال تقرب به المعنى ؟
قال سماحته : رجل و زوجته فقدا إبنهما وكان صغيراً عاقلاً وظنا أنه مات , وبعد سنين عاد الولد إلى أسرته وقد أصبح رجلاً , فوجد أمه فى المنزل بمفردها , فالطبيعى بعد أن تعرفت عليه أنها القت بنفسها بين أحضانه تقبله وتمطره بوابل من عبارات حب الأم لإبنها , ثم حضر أبوه فرآهما على هذه الحاله ولم يره أحدهما , ففكر و قدر ثم عزم و قرر ما شاء للإنتقام لشرفه ثم بعد أن تعرف عليه عرف أنه أبنه ماذا تظن أنه فعل ؟ ثم أستطرد يقول لا شك أنه بدل وغير ثم قبل وعبر ثم بكى و إستعبر ثم ضحك و أستبشر , أليست هذه إحدى العبر ؟ بعد أن كانت إحدى الكبر؟
فعندما كانت نية الأب غير نية الأم كان أمراً وعندما إلتقت النوايا تشابهت بل تطابقت الأحاسيس , فهذه من الأشياء التى لا يؤمر بها ولا ينهى عنها ولا يقام لها وزناً عند العقلاء.
وفى النهايه [ للهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْـمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللهِ ] (5،4الروم) صدق الله العظيم