تحطيم التماثيل ليس من الإسلام فى شئ

صوت الأمة العدد 176
12/4/2004

لا أخاف على الإسلام من البسطاء الذين لا يعرفون أصوله وقواعده .. فهؤلاء يعبدون الله بقلوبهم .. لا يريدون سوى رضاه ولا ينتظرون سوى مغفرته .. لكنى أخاف عليه من الأدعياء .. الذين يضربونه فى الصميم .. وهم يحسبون أنهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا .. لقد فعلها رئيس مدينة، هدم بيديه تمثال (( العرش )) للمثال الأمريكى جون ها ديسون الذى كان مستقرا فى مدينة مدخل 2 بالمدينة.. واندفع فى تنفيذ ذلك اعتقادا منه أن هذا صنما.. وأوحى لمن حوله بأنه تلقى شكوى من بعض سكان المدينة قالوا له فيها إن التمثال يقع فى مواجهة القبلة وهذا لا يلق .. ما لا يليق بالفعل هو ما قام به رئيس المدينة .. والإسلام فى هذا حجة عليه وليس له، فعندما دخل الصحابة مصر فاتحين إياها لم يحطموا التماثيل، دخل المسلمون ويسيطروا على مصر شمالها وجنوبها وشرقها وغربها .. وجدوا فيها الآثار الفرعونية والقبطية والرومانية على جميع الأشكال .. بشر وحيوانات ونباتات وحشرات، لكنهم لم يقربوها .. لم يحطموها وبقيت على ما هى عليه حتى اليوم.
إن هنالك احتمالات كثيرة لتفسير إحجام الصحابة عن تكسير تماثيل الفراعنة .. لكن أقربها إلى المنطق والعقل أنهم كانوا على علم من رسول الله ^ بالفرق بين التمثال والصنم والوثن .. فقد تعلموا معنى التوحيد على يد رسول الله الذى لم يقلد أباه سيدنا إبراهيم فى التعامل مع التماثيل .. لقد قام سيدنا إبراهيم بتكسيرها وإن لم يكسرها كلها وترك رمزا منها دون تكسيره .. وقد أدى بما فعل إلى رواج صناعة التماثيل، كما أن هذه الصناعة حسنت واستخدمت فيها خامات صلبه يصعب تكسيرها وكانت هذه التماثيل تسمى الآلهة.
أما سيدنا رسول الله ^ فلم يقرب تمثالا بأذى، وكان يصلى فى البيت الحرام عند الكعبة وحولها ما حولها من تماثيل، وليس هذا إقرارا منه بها وإنما له معها شأن يختلف عن التكسير المادى .. فقد بدأ بإدخال التوحيد فى القلوب حتى طرد الشرك منها، كما يطرد النور الظلمة فتعلم الناس من رسول الله أن لا إله إلا الله فبطلت كل الآلهة.
كان الصحابة يعلمون من النبى ^ متى يكون التمثال صنما ومتى يصبح وثنا؟ إن التمثال فى حد ذاته لا شئ فيه، وكان سيدنا سليمان عليه السلام يصنع له الجن ما يشاء من محاريب وتماثيل، وهذا لا يطعن فى نبوته، فقد كان عليه السلام نبيا ورسولا وخليفة وملكا وصناعة التماثيل لم تطعن فى واحدة من ذلك.
التمثال لا شئ فيه .. لكن إن عبدته طائفة ليقربهم إلى الله زلفى فهو عندئذ صنم بالنسبة إليهم فقط، وإذا قامت طائفة أخرى بعبادة التمثال لا ليقربهم إلى الله بل باعتباره هو الإله يصبح التمثال وثنا بالنسبة إليهم فقط وليس فى ذاته.
ولذلك عندما دخل الصحابة مصر فاتحين لها لم يجدوا أحد من أهلها يسجد لتمثال ليتقرب إلى الله فيكون صنما، ولا يسجد لتمثال ليعبده لذاته فيكون وثنا، وعندئذ لم يجدوا مبررا من كسرها .. بل حرسوها وحافظوا عليها حتى وصلت إلينا سالمة .. فهذا هو الدين الصحيح الذى لم يقدره رئيس المدينة الذى أقدم على ما لا يرضاه الدين.
وما وقع فيه رئيس المدينة يقع فيه كثيرون عندما يسمعون حديث الرسول ^ الذى يقول فيه (ان من أشد أهل النار عذابا يوم القيامة المصورين) وقال وكيع أشد الناس لقد استخدم هذا الحديث فى تحريم التصوير والنحت والفن التشكيلى ووصل الأمر بالبعض إلى تحريم رسوم علم الأحياء وتحريم النقود التى عليها صور و رسومات .. ومع ذلك فإنه من الصعب أن تكون لوحات فان جوخ ومحمود سعيد وبيكاسو وسيف وانلى حراما، ومن الصعب تقبل أن تكون لوحات الطبيعة الساحرة حراما .. ومن الصعب تقبل أن تكون تماثيل الميادين حراما .. إنها نوع من الإبداع  يرقى الإحساس ويخفف من عدوانيتنا وقسوتنا على غيرنا.
إن المصورين الذين فى النار هم المصورون الذين يعتقدون أن لله صورة ولو فى قلوبهم فيعبدونه عليها وأن التصوير فى هذه الحالة حرام ويلقى بصاحبه فى النار، فهؤلاء نسوا أن الله سبحانه وتعالى منزه عن الكم والكيف والأين والضد والند والشبيه والمثيل والشريك والزوجة والولد وكل ما خطر ببالك هالك والله سبحانه وتعالى بخلاف ذلك .. فاقتناء الصور والتماثيل إذا كانت لغرض العبادة فهى حرام .. لكن لو كان اقتناؤها بغرض الاستفادة والجمال والزينة فهى حلال

ولا حول ولا قوة إلا بالله