[ إحتياج الناس إليكم من نعم الله عليكم فلا تملوها فتعود نقما ]

صوت الأمة العدد 175
5/4/2004

كل أمة لها نصيب من يوم عاشوراء .. سيدنا نوح عليه السلام نجاه الله من الغرق ورست مركبه على جبل (( الجودى )) يوم عاشوراء .. سيدنا إبراهيم عليه السلام نجاه الله من النار يوم عاشوراء .. سيدنا موسى عليه السلام نجاه الله من الغرق يوم ضرب البحر بعصاه فانفلق [كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ ] (63 الشعراء) .. سيدنا عيسى عليه السلام رفع يوم عاشوراء .. سيدنا يونس عليه السلام نجاه الله من بطن الحوت يوم عاشوراء .. سيدنا أيوب عليه السلام شفاه الله وعوضه عن أولاده وأمواله يوم عاشوراء.
كل أمة تتبع نبيا من هؤلاء الأنبياء أو كل من يحبهم يجب أن يحب يوم عاشوراء .. ويحتفل به .. لكن .. أين نصيب الأمة المحمدية من يوم عاشوراء ؟ .. لا النبى ولد يوم عاشوراء ولا الإسراء والمعراج كان يوم عاشوراء .. ولا فتح مكة كان فى ذلك اليوم ولا انتصار المسلمين فى غزوة من غزواتهم كان فيه .. فهل تفرح كل الأمم بيوم عاشوراء ما عدا الأمة المحمدية ؟
لقد استشهد سيدنا الحسين فى كربلاء يوم عاشوراء .. لكن .. هل هذا الحادث يدعو إلى الفرح؟.. إن كل المظاهر السابقة فيها فرح .. نجاة من غرق.. نجاة من نار.. نجاة من بطن حوت.. نجاة من مرض سقيم.. فهل استشهاد سيدنا الحسين مظهر يستحق الفرح؟.. يستحق الاحتفال به؟.
إن نجاة معظم الأنبياء يوم عاشوراء مناسبة تستحق الفرح.. فقد نجوا من الشرور.. لكن.. نجاتهم تبعها بقاؤهم فى الدنيا بكل متاعبها وهمومها وعيوبها.. أما ما جرى لسيدنا الحسين فهو النجاة من الدنيا نفسها.. هى النجاة التى ليس بعدها ألم.. هى النجاة التى لا يخشى بعدها شيئا.. هى الغنى الذى ليس بعده فقر.. والشفاء الذى ليس بعده مرض.. والشبع الذى ليس بعده جوع.. هو الحل الذى ليس بعده مشكلة.. كل ذلك تجمع فى استشهاد سيدنا الحسين.. وهى مناسبة تستحق الفرحة.. فلماذا يحولها البعض إلى مأتم وسرادق عزاء وألم وحزن وأوجاع ودماء ودموع؟ لقد استلم سيدنا الحسين راية الريادة عندما بُشر بأنه سيد شباب أهل الجنة..
وكما ورد فى سنن النسائى الكبرى الجزء (5) ص (80-81) :
8298-أخبرنا الحسين بن منصور قال أنا الحسين بن محمد أبو أحمد قال أنا إسرائيل بن يونس عن ميسرة بن حبيب عن المنهال بن عمرو عن زر بن حبيش عن حذيفة بن اليمان قال : سألتني أمي منذ متى عهدك بالنبي ^ ؟ فقلت منذ كذا وكذا فنالت مني وسبتني فقلت لها دعيني فإني آتي النبي ^ فأصلي معه المغرب ولا أدعه حتى يستغفر لي ولك فصليت معه المغرب فصلى إلى العشاء ثم انفتل وتبعته فعرض له عارض وأخذه وذهب فاتبعته فسمع صوتي فقال من هذا؟ فقلت حذيفة فقال ما لك؟ فحدثته بالأمر فقال غفر الله لك ولأمك أما رأيت العارض الذي عرض لي قبل؟ قلت بلى قال هو ملك من الملائكة لم يهبط إلى الأرض قط قبل هذه الليلة استأذن ربه أن يسلم علي وبشرني أن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة  .
 ولحظة  إستشهاده كانت اللحظة التى التقى فيها مع سيدنا على بن أبى طالب والسيدة فاطمة الزهراء وسيدنا رسول الله ^.. هذا هو كما قلنا المكسب الذى ليس بعده خسارة.. والفرج الذى ليس بعده ضيق.. والعطاء الذى ليس بعده سلب.. والفرح الذى ليس بعده كرب.. لقد ترك سيدنا الحسين الأرض المليئة بالظلم والغدر وذهب إلى جنات الله حيث لا ظلم ولا قهر.
وكما ورد في صحيح البخاري – الجزء (4) ، ص (193) :
6512 – حدثنا إسماعيل قال حدثني مالك عن محمد بن عمرو بن حلحلة عن معبد بن كعب بن مالك عن أبي قتادة بن ربعي الأنصاري أنه كان يحدث : أن رسول الله ^ مُرَّ عليه بجنازة فقال:( مُستريحٍ ومُستراحٌ منه ) . قالوا يا رسول الله ما المستريح والمستراح منه ؟ قال ( العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا وأذاها إلى رحمة الله عز وجل والعبد الفاجرُ يستريحُ منه العبادُ والبلاد والشجر والدواب .
لقد تعود الصوفيون أن يحتفلوا بمولد الأولياء والصالحين فى ذكرى وفاة هؤلاء الأولياء.. إن يوم الميلاد يشبه يوم دخول الامتحان.. ويوم الاستشهاد يشبه يوم النجاح بتفوق و إمتياز.. يوم الميلاد يوم بداية الاختبار.. وهنالك احتمال للمكسب واحتمال للخسارة.. احتمال للنجاح واحتمال للسقوط.. لكن.. يوم الاستشهاد هو يوم التصنيف الذى ليس بعده تصنيف.. يوم القبول الذى ليس بعده رفض.. يقول سبحانه وتعالى: [ قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّـمَّـا يَجْمَعُونَ ] (58 يونس).
طبعا كل واحد حر يضرب نفسه بخنجر أو سكين أو جنزير.. لا أحد يعاتبه على ما يفعل بنفسه.. لكن يجب ألا يؤخذ ذلك على انه عقاب على ما جرى لسيدنا الحسين.. أو تعبير عن ذنب التقصير فى إنقاذه.. إن سيدنا الحسين ليس خالدا فى الدنيا.. ولا كان قادرا على تغيير مصيره.. لقد لقى ربه وهو راضٍ.
إن كل الأنبياء الذين نجاهم الله فى يوم عاشوراء عادوا وامتحنوا فى الدنيا.. أما سيدنا الحسن فقد لقى ربه شهيدا دون اختبارات أخرى.. وإذا كان الذين يبكون عليه يبكون على فقد أو خسارة فهو لم يخسر شيئا.. بل كسب كل شئ.
هم يبكون لأنهم لم يناصروه، إذن يبكون على أنفسهم لا عليه.
يروى الأصمعى ان رجلا كان يطوف بالكعبة ويقول: (( اللهم أغفر لى وأظنك   لن تغفر )).. وكررها كثيرا.. فقال له الأصمعى : (( يا رجل.. هذا موطن رحمة ورجاء فلماذا تقول ما تقول؟ قال الرجل: أنا كنت من القوم الذين قتلوا الإمام الحسين فنمت ورأيت مناما أن محكمة نصبت والقاضى فيها رسول الله ـ عليه الصلاة والسلام ـ ويمثل الادعاء فيها سيدنا جبريل عليه السلام ـ الذى يترافع بعبارة واحدة: (( أترجو أمة قتلت حسينا شفاعة جده يوم القيامة)).
إن البكاء على سيدنا الحسين وإظهاره فى صورة البائس اليائس الضعيف المهزوم المهدود الذى لاناصر له ولا معين هو انتقاص من قدره الشريف.. ومكانته الرفيعة.. إن البكاء لا ينصر من نبكى عليه.. بل يضعفه.. والذى يحب سيدنا الحسين يحب شمائله وخصاله وهى ذاتها الشمائل والخصال النبوية.. الصدق.. المودة.. الرحمة.. التسامح.. المغفرة.. العطاء بلا حدود.
لقد كان سيدنا الحسين فى خلوة.. وتجمع الناس حول داره فى انتظاره.. ومر سيدنا الحسن فوجدهم على ما هم عليه.. وعرف بهم.. أنهم فقراء ينتظرون سيدنا الحسين حتى ينتهى من خلوته.. فكتب له عبارة على ورقة تقول: ( احتياج الناس إليكم من نعم الله عليكم فلا تملوها فتعود نقماً ).. ووضعها تحت الباب.. وقرأها سيدنا الحسين .. وأصبحت فيما بعد من أشهر العبارات التى كان يرددها.
لقد فرح سيدنا الحسين يوم كربلاء أو عاشوراء بالجنة ولقاء الأحبة من آل بيت رسول الله.. وهو فرح على الأمة المحمدية أن تسعد به.. لا أن تحزن عليه.. كما نرى ونسمع ونقرأ.. لقد جعل الله باستشهاد سيدنا الحسين لأمة سيدنا محمد نصيبا فى عاشوراء.. وعليهم أن يقدروا ذلك.. لا أن يسيلوا الدماء عليه

ولا حول ولا قوة إلا بالله