لو صبرنا على الرزق الحرام لجاء إلينا يسعى فى الحلال

صوت الأمة العدد 174
29/3/2004

لا مانع أن يقول المسلم إنه مالكى أو شافعى هذا حقه.. لكن.. لا يعتبر نفسه فى طائفة  تمتلك وحدها الحقيقة فهذا ليس حقه
تطبيق شرع الله يكون فى الحقوق والواجبات وتعليم الجاهل بأمور دينه قبل أن نسعى إلى حسابه وعقابه
 لو سألت شخصا: هل أنت من أنصار السنة المحمدية ؟.. سيسارع بالنفى قائلا: لا .. لست من أنصار السنة المحمدية.. والمقصود.. أنه ليس عضوا فى جمعية أنصار السنة المحمدية.. لكن.. يبدو من إجابته أنه مسلم ولا يتبع السنة المحمدية.
لقد زادت التسميات التى تجعل بعض التنظيمات السياسية والدينية الإسلامية تحتكر الإسلام.. فأعضاء جمعية أنصار السنة المحمدية يبدون وكأنهم وحدهم الذين يتبعون السنة المحمدية.. سنة سيدنا رسول الله ^ .. والأخ المسلم عضو جماعة الإخوان المسلمين يبدو وكانه وحده الذى ينفرد بهذه الصفة.. وكأن غير الأعضاء فى هذه الجماعة ليسوا إخوانا.. ولا مسلمين.. وكذلك الحال بالنسبة لأعضاء الجماعات الإسلامية.. وكأن باقى الجماعات غير مسلمة.
إن مثل هذه الجمعيات هى تنظيمات سياسية تنأى بالدين عن هدفه السامى.. فالدين هدفه توحيد المسلمين وليس تقسيمهم وتصنيفهم.. إن المذهب الشافعى لم يدع أنه هو وحده المذهب الصحيح.. وأيضا المذهب المالكى.. وكذلك المذهب الحنفى والمذهب الحنبلى.. وإذا خرج واحد من أتباع هذه المذاهب واعتبر نفسه الوحيد الذى يعرف الإسلام أكثر من غيره ويعبر عنه أكثر من غيره أبعد عن نفسه نعمة القول الشهير الذى ينهى به العلماء فتواهم (( والله أعلم )).
لا مانع أن يقول المسلم إنه مالكى أو شافعى أو حنبلى.. هذا حقه.. لكن.. ما ليس حقه أن يعتبر نفسه فى طائفة تمتلك وحدها الحقيقة.. يقول سبحانه وتعالى: [ وَلَا تَكُونُواْ مِنَ الْـمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ] (32،31 الروم) ، وقد كثرت الجماعات الإسلامية إلى حد أنها أصبحت تسمى بأسماء قادتها.. جماعة عمر عبد الرحمن.. جماعة أبو حفص.. جماعة أيمن الظواهرى.. والمشكلة ليست فى الأسماء وإنما فى الإعتقاد.. فهناك جماعات تكفر غيرها.. وجماعات تقتل غيرها.. وجماعات تحتكر الفتوى دون غيرها.
حتى فى الصوفية.. لو اعتبر أهل كل طريقة أنهم هم فقط حملة راية الصوفية فهذا يعنى أنهم رموا الآخرين بالإبتداع.. وهذا هو الخطأ بعينه.. لكن أن يسود الإعتقاد فى حرية ممارسة الشعائر الصوفية حسب إجتهادات علماء كل مذهب أو شيوخ كل طريقة مع حسن الظن بالآخرين فلن يكون لدينا مشكلة أو فتنة.
إن للسيارة أكثر من دورة.. دورة للهواء.. دورة للوقود.. دورة للكهرباء.. ودورة تكييف.. وكل هذه الدورات ضرورة لتسير السيارة.. فلا يجوز أن تدعى دورة المياه أهمية أكبر من أهمية الكهرباء.. و لا يمكن أن تزعم دورة الوقود ضرورة أعلى من ضرورة الفرامل.. كل دورة مهمة بشرط وجود الدورات الأخرى.. كل جماعة إسلامية مهمة فى وجود الجماعات الأخرى.
لكن.. غالبية الجماعات والتنظيمات الدينية الإسلامية تأخذ عن شرع الله.. وهى تتحدث عن هذا الشرع فى نطاق تطبيق الحدود.. دون أن تدرك أن تطبيق شرع الله أكبر من الحدود.. إن تطبيق شرع الله يكون فى الحقوق والواجبات وتعليم الجاهل بأمور دينه قبل أن نسعى إلى حسابه وعقابه.
إن تطبيق شرع الله فى الزكاة يجب أن يسبقه اهتمام بوجود أعمال تدر مالا لدفع الزكاة.. وتطبيق شرع الله فى حد السرقة يجب أن يسبقه رخاء اقتصادى لا نجد معه جائعا ولا محروما.. لقد عطل سيدنا عمر بن الخطاب حد السرقة فى عام الرمادة التى سادت فيه المجاعة.. فلو طبق هذا الحد في ذلك العام لأصبح ثلاثة أرباع المسلمين الجائعين فى ذلك الوقت من أصحاب العاهات.
على المجتمع أن يوفر الطريق المستوى وإشارات المرور ومحطات الوقود وأماكن الوقوف قبل أن يحاسب السائقين على الوقوف فى الممنوع أو التجاوزات.. كذلك تطبيق الشرع فى الحدود.. إن الحق يسقط عند عدم الإستطاعة.. حق ربنا يسقط عند عدم الاستطاعة.. حق الزكاة يسقط عندما لا أملك مالا.. فريضة الحج تسقط مع عدم الإستطاعة.. [حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ] (97آل عمران) .. الحق يلزمه العلم والإستطاعة قبل المحاسبة.
إن الله لا يحاسب المجنون لأنه لم يوفر له عقلا يميز به.. ولا يحاسب العاجز عن أداء ما يقوم به السليم.. إذا سلب الله ما وهب سقط عن العبد ما وجب.. وتطبيق الشريعة يبدأ بتعليم كل الناس الإسلام على سماحته.. نعلمهم على طريقة [ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً ] (49 الكهف).. الظلم هنا يواجه الحق.. والحق يجب أن يؤدى كاملا.. لو أداه ناقصا فقد ظلمه.. ولأن لا حق لأحد على الله فالله لا يظلم أحداً.. الله لا يظلمنا لأنه لا يكلفنا بشىء إلا إذا أعطانا أدوات تنفيذه.. والأشياء التى نهانا عنها لو أمتنعنا عنها فلن نموت.. لكن.. ما أمرنا به تتوقف عليه حياتنا.. لو لم نشرب الخمر لن نموت.. لو لم نقترب من الرزق الحرام لن نموت.
لقد قسم الله الرزق إلى رزق حلال ورزق حرام.. والرزق ياتى للإنسان قبل موعده وينزل فى فرع الحرام فإن سعى إليه أخذه فى الحرام.. وإن أمسك عنه فى الحرام أخذه فى الحلال.. الرزق مكتوب له لا مفر.. فمن ملك شيئا فى الحرام وعفَّ عنه أعطاه الله له فى الحلال .. ربما ليس بالصورة نفسها.. فمن لم يأخذ مالا فى الحرام ربما جنبه الله إنفاق ما هو أكثر منه على صحته.. ومن لم يقترف معصية ربما عصم الله له ابنته أو زوجته.
اللص يأخذ رزقه من السرقة.. لكنه يأخذ ما كتبه الله له فى الحلال قبل موعده.. فهل نمتلك فضيلة الصبر كى نحصل على رزقنا بالحلال قبل أن نتسرع ونحصل عليه فى الحرام؟.. الإجابة لا بد أن تكون: نعم

ولا حول ولا قوة إلا بالله