الربا حرام فى حالتى الغصب والتدليس فقط

صوت الأمة العدد172
15/3/2004

فوائد البنوك ربا.. وحرام.. ولا تجوز شرعا.. فتوى روج لها أصحاب البنوك ليحققوا مكاسب دون مجهود.. فكثير من الناس اقتنع بهذه الفتوى.. ووضع أمواله فى البنوك دون أن يتقاضى عنها فوائد.. لقد ذهبت الفوائد إلى خزائن البنوك التى تورمت وتضخمت وحققت أرباحا دون تعب .. فهى لا تدفع  على القروض.. والمثير للدهشة أن بعض هذه البنوك كان يدفع لبعض الشيوخ ـ الذين كانوا مستشارين للبنوك ـ كى يروجوا لهذه الفتوى التى فى حقيقتها فتوى بنكية لا فتوى شرعية.
إن الربا حرام.. لكن.. فوائد البنوك ليست ربا.. الربا لا يكون ربا إلا إذا توافر فيه شرطان.. الشرط الأول: الغصب.. والشرط الثانى: التدليس.. الغصب هو إستغلال الظروف أو إستغلال النفوذ فى تحقيق مكسب يجبر عليه من يدفعه.. والتدليس هو استغلال الجهل لتحقيق هذا المكسب.. الغصب يضار منه المحتاج.. والتدليس يضار منه الجاهل.
لو كان هنالك رجل لا يملك تكلفة عملية جراحية مفاجئة عليه القيام بها فورا وإلا تعرضت حياته للخطر.. وراح يستدين من شخص يملك مالا.. وفرض عليه هذا الشخص شروطا متعسفة لا يقبلها عقل ولا منطق ولا إمكاناته وأجبره عليها.. هذا هو الربا.. فالمدين هنا يكون فى حالة المضطر والدائن هنا يكون مرابيا.. لا مفر.
ولو كان المدين لا يعرف القراءة والكتابة.. ووضع الدائن فى عقد القرض شرطا يجهله وفوجىء به عند السداد فهذا هو التدليس.. وما نتج عنه من مال هو ربا وحرام.
إن شرط الحلال أن يجرى التراضى بين الطرفين دون غصب أو تدليس.. مثل الزواج الذى يشترط الإيجاب والقبول.. فالزواج لا يصح مهما كان يكن حجم المهر فيه لو لم يتوافر فيه شرط القبول.. لا خاتم من الالماس يجعله شرعيا.. ولا مليون مؤخر صداق.. القبول هو الشرط الوحيد لشرعية الزواج وإن كان بصداق قليل جداً .. ففي حديث رسول الله ^ الذي ورد في صحيح البخارى – الجزء (3)، ص (367)
5121 – حدثنا سعيد بن أبي مريم حدثنا أبو غسان قال حدثني أبو حازم عن سهل بن سعد: أن امرأة عرضت نفسها على النبي ^ فقال له رجل يا رسول الله زوِّجنييها فقال:( ما عندك؟) . فقال ما عندي شيء قال ( اذهب فالتمس ولوخاتم من حديد ) . فذهب ثم رجع فقال لا والله ما وجدت شيئا ولا خاتما من حديد ولكن هذا إزاري ولها نصفه قال سهل وماله رداء فقال النبي ^ : ( وما تصنع بإزارك؟ إن لبستَهُ لم يكن عليها منه شيء وإن لبسته لم يكن عليك منه شيء ) . فجلس الرجل حتى إذا طال مجلسه قام فرآه النبي صلى الله عليه وسلم فدعاه -أودُعِيَ له- فقال له ( ماذا معك من القرآن؟ ) . فقال معي سورة كذا وسورة كذا لسور يعددها فقال النبي ^ : ( أملكناكها بما معك من القرآن ).
.. كذلك التعاقد والاتفاق على الفوائد البنكية لابد من شرط القبول.. فلو أن بنكاً استولى على رصيد عميل دون إرادته ثم قرر البنك إعطائه فائدة أكبر مما يمكن تخيله.. هذه المعاملة المالية تكون محرمة ولو كثرت نسبة الفائدة لأنها جرت غصباً عن العميل ودون إرادته.. أما لو كان إتفاق العميل عن تراض مع البنك وكان عالما بما يقول غير جاهل به فلا تحرم الفائدة وإن قلت أو كثرت.. لأنه ليس فيها غصب ولا تدليس.
مرة أخرى الربا هو أى معاملة تخضع لغصب أو تدليس أو كلاهما معا.. هؤلاء هم الذين يأكلون أموال الناس بالباطل.. يقول سبحانه وتعالى: [ وَلَا تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ ] (188البقرة) .. ويقول سبحانــه وتعالــى: [ لَا تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافاً مُّضَاعَفَةً ] (130 آل عمران).. ويقول سبحانه وتعالى: [ وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلَا يَظُنُّ أُوْلَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ] (1-5 المطففين).. أى يكيلون بمكيالين.. كأن الواحد فى يده ميزانان.. ميزان يشترى به.. وميزان يبيع به.
لا أحد يتحايل على شرع الله.. لا أحد يخضعه لهواه.. يقول سبحانه وتعالى: [ أَفَرَءَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلَى عِلْمٍ ] (23 الجاثية).. ويمكن شرح ذلك بقصة الفتاوى.. سئل أحدهم: ما الحكم فى حائط بال عليه كلب.. فقال يهدم الحائط.. فقيل له: لكن الحائط فى بيتك.. فقال: قليل من الماء يطهره. يقول الرسول ^ في الحديث الشريف الذي ورد  في صحيح مسلم  – الجزء (3) ، ص(1358) :
6 – ( 1732 ) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب ( واللفظ لأبي بكر ) قالا حدثنا أبو أسامة عن بُريد بن عبد الله عن أبي بردة عن أبي موسى قال : كان رسول الله ^ إذا بعث أحدا من أصحابه في بعض أمره قال : ( بشروا ولا تنفروا ويسروا ولا تعسروا ) .
.. والتيسير هو هداية الله إلى جوهر الدين دون الإخلال به.. دون التفريط فى الدين.. وطبقا للتيسير فإن الإسلام يمكن تلخيصة فى أمرين بالنسبة للمسلم.. الأمر الأول أن يحذر المسلم الوقوع فى الشرك بالله.. وهذا تلخيص للعبادات.. والأمر الثانى: ألا يضر بالناس.. وهذا تلخيص للمعاملات.. هذا هو جوهر الإسلام ومركز قوته.. وفيما عدا ذلك هو تفاصيل وهوامش لا تؤثر

ولا حول ولا قوة إلا بالله