الرزق والدعاء والمشيئة

حوار مع صاحب السماحة
العدد (68) مايو 2008

[ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ ]
(60غافر)

بفرحة الشمول بالعطية من صاحب المنائح السخية التقيت بسماحة الإمام .. السلام عليكم يا مولانا قال السيد وعليكم من الله السلام .
قلت : هل يمكن اليوم إجراء الحوار مع سماحتكم كالمعتاد :
قال السيد : العادة تثبت ولو من مرة واحدة فماذا لديك ؟

قلت : عندي تساؤل مشمول بالعجب محاط بالاستغراب .
قال : أى عجب وأى استغراب ؟
قلت : أما السؤال فإنه بخصوص الدعاء والسعى على الرزق فمع أن الله أمرنا بالدعاء ووعدنا بالاستجابة ولكن غالباً ما ندعو ربنا فلا يجيب ولا يستجيب وهو لا يخلف الميعاد وأيضاً أمرنا بالسعى على الأرزاق وغالباً ما نسعى ولا نحصل الرزق ألا ترى سماحتكم أن في هذا الأمر ما يدعو للعجب والاستغراب .
قال السيد : نعم ولكن عند من يجهل الحكمة الإلهية .
قلت : إن الحكمة يؤتيها الله لمن يشاء ومن يؤتى الحكمة فقد أوتى خيراً كثيراً .
قال السيد : يا ولدى إن الله عندما يعطى الحكمة لمن يشاء يأخذ عليه الميثاق ألا يعطيها لغير أهلها وألا يمنعها عن أهلها .
قلت : إن لم أكن شخصياً أهلاً لها فالقراء الأفاضل لاشك أن معظمهم أهل لها بإذن الله .
قال الشيخ : نعود إلى سؤالك .. يا بنى إن الله عندما يأمرنا بشئ فإنه يكون فريضة علينا وعندما يعدنا بشئ فليس ذلك بفريضة عليه سبحانه وتعالى عن ذلك علواً كبيراً وإياك أن تظن أن السعى على الرزق هو الذي يجلب الرزق ولكن الرزق من لدن الرزاق سبحانه وتعالى والسعى على الرزق إنما هو سبب والله بقدرته يستطيع ربط الرزق بالسبب ويستطيع أيضاً أن يهب الرزق بغير سبب [إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ] (37 آل عمران) .
والخلاصة أن السعى على الرزق فريضة يؤديها المؤمن لأنه أمر بها فإذا حدث أن رزق العبد فإن الرزق ساعتها يكون منحة .. منة .. هبة و إلا فمن الذي رزق العبد وهو جنين في بطن أمه أسعيه . أم ربه ومن الذى رزقه وهـو رضيع أسعيه أم ربه ومن الذى رزق العبد الحياة سعيه أم ربه .. إلخ .
وكذلك الحال بالنسبة للدعاء فإذا دعونا الله فكما أمر ونحن ملزمون بذلك وإن استجاب لدعائنا فكما وعد غير ملزم بذلك وعلى أية حال فإن الدعاء فريضة على العبد [وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِى] (60غافر) فإذا أجيبت الدعوة فذلك محض كرم وفضل وهبة من الوهاب سبحانه وتعالى والخلاصة أن الأمور التي نجهلها أكثر من الأمور التي نعلمها فكيف ندعو بما نجهل مما يلزمنا في حياتنا وكيف نسعى إلى رزق نجهله وهو لازم لحياتنا الدنيوية والأخروية [وَ اللهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ] (19 النور) .
وقد يطلب أحدنا من الله شيئاً يظن أن فيه كل الخير له والله بعلمه وقدرته يمنع ذلك عن العبد الطالب لأن ذلك الأمر فيه من الشر الكثير وقد يعرض أحدنا عن أمر معين ظاناً أن فيه كل الشر فيعطيه الله له فيكتشف العبد أن الخير في ما يظنه الشر وأن الشر في ما يظنه الخير [عَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ] .. (216 البقرة) [عَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ].
أقول حتى لو أطلعك الله على شئ مكتوب في اللوح المحفوظ فاعلم أن قدرة الله تعالى على المحو هى قدرته على الإثبات [ يَمْحُواْ اللهُ مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ] (39 الرعد) .
يا ولدى أن كل الخلق تحت هيمنة ( لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ) واعلم أن الحيلة هي في ترك الحيلة أما سمعت مقالة الإمام الشاذلى رضى الله عنه وهى مشهورة بل دعوة مأثورة عنه … كان رضى الله عنه يقول : ” اللهم إنا قد عجزنا عن جلب الخير لأنفسنا من حيث نعلم فيما نعلم بما نعلم فكيف لا نعجز عن دفع الضر عن أنفسنا من حيث لا نعلم فيما لا نعلم بما لا نعلم .. اللهم فدبرنا فإنا لا نحسن التدبير” فما علينا إلا أن ندعوه مطيعين لأمره ثم ننتظر ما يجود به كرمه سبحانه وتعالى لأنه يعطى بالأسباب وبغير الأسباب وما علينا إلا أن نسعى على أرزاقنا مطيعين لأمره ثم ننتظر ما يجود به سبحانه وتعالى لأنه يرزق بالأسباب ويرزق من يشاء بغير حساب .
فأين العجب والاستغراب ؟
قلت يا سيدي : إذا عرف السبب بطل العجب وأما الاستغراب فإنه يزول بزوال العجب .
قال السيد : اسمع إلى قول الله تعالى : [ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ] (73 هود) .
قلت : ومع ذلك فإنى أسأل الله لك وأدعوه أن يتفضل على سماحتكم بالصحة والعافية والعلم الذي يبدد الظلمة ويكشف الغمة إن شاء الله ولا حول ولا قوة إلا بالله .

والسـلام عليكـم
وعليكم السـلام
مـريـد