الفروسية و المشيخه

مجلة التصوف الإسلامى
أغسطس 2008

فى هذا اللقاء الطيب الذى كان بين المريد الكاتب والرجل الطيب وكنت أظن أن اللقاء قد يكون صعباً من حيث عدم توفر الوقت مع السيد الشيخ ولكن سعادتي جعلتني أبادر بنقل الحوار كما هو ليسعد معى السادة قراء الباب الذى أظن أنه يهتم باللباب ولا ينخدع بالسراب . .
وبدون إطالة . . ألقيت الســـلام على سماحته وضيوفه الكرام وجلست فقال السيد : ما لديك؟.

فقلت : أريد الجلوس اليك ومعرفة ماذا جعل الله لنا من خير على يديك ؟ .
فقال السيد : عن أي شيء تريد أن تسأل ؟.
فقلت : كالعادة عندما يلتقي المحاور بالمسئول فقد يبدأ بالتعرف عليه لتقديمه للناس ولا أجد لذلك ضرورة لانتفاء العلة لأن سماحتكم معروف للجميع . . فهل أسأل سماحتكم عن الشيء الذي تفضله بصفة شخصيه مثل ما هي أفضل الرياضيات اليك وما هي أفضل اللعبات وما هى أفضل الأكلات وما هي أفضل المقتنيات وماذا تحب وماذا تكره . .
فقاطعني سماحته قائلاً : يبدو أنك لا تعرف كيف تدير الحوار كما ينبغي وأنا أقول لك ينبغي أن تسألني عن الأخلاق ماذا أحب منها وماذا لا أحب وما الذي يسعدني وماذا يسيئني منها .
فقلت : مادام الأمر كذلك فكلى آذان صاغية والقراء فى شوق .
فقال السيد : أولاً بالنسبة لشخصي فأنا أولاً : شيخ الطريقة الرفاعيه وأنت تعلم أنها من كبريات الطرق الصوفية ، وثانياً : أنا نقيب السادة الأشراف وفى الوقت نفسه شيخ مشايخ الطرق الصوفية ورئيس المجلس الصوفي الأعلى ومنذ زمن بعيد لم يجتمع هذان الشرفان فى شخص واحد وهذا من فضل الله ولا أرى ولا أدعى لنفسي أى فضل فى ذلك والحمد لله أن الجمع بين مشيخة المشايخ ونقابة الأشراف ليس جمعاً بين متضادين فالأشراف مشايخ والمشايخ أشراف ، أما فيما يتعلق بالأخلاق فأنا أحب منها الأخلاق الحميدة المبنية على الحب والعطف والتسامح وسعة الصدر وحسن الخلق وقوة الاحتمال وأن الفضل عندي من الأخلاق هو الابتعاد عن الطعن من الخلف وأن الغائب يكون فى ذمة أخيه فلا يسبه ولا يغتابه ولا يذكره بسوء أويذكر عنه شيئاً يكرهه على نفسه .
فرفعت يدى مستأذناً فى المقاطعة فسمح الإمام مبتسماً وقال تفضل .
قلت : إنكم ذكرتم أنكم لا تحبون الطعن من الخلف فهل يرجع ذلك إلى كونكم فارساً معروفاً ومن أخلاق الفروسية ألا يطعن الفارس أخاه من ظهره وإذا أصيب الفارس فهو فى ذمة أخيه .
قال الشيخ : نعم أنا من عشاق الفروسية ولكن هذا الخلق قبل أن يكون من أخلاق الفروسية فهو من أخلاق الإسلام ، ألا تعلم أن رسول الله ^ كان يقول لأصحابه وجلسائه ما معناه : “لا توغروا صدري على أصحابي فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر “.(1)
ألا تعلم أن رسول الله حمل الوزر للشخص الذي يذكر أخاه بسوء أو يدعى عليه حقاً ليس له فقال ^ ما معناه : ( قد يكون أحدكم أحسن من أخيه حجه فإن قضيت له ما ليس له بحق فإنما يقتطع له قطعه من النار ) .(2)
وبناء على ذلك ومن حيث أن جميع المشايخ يعتبرونني والداً لهم وكذلك جميع أبناء النقابة يروني كذلك فالكل عندي سواء والقوى فيهم ضعيف عندى حتى آخذ الحق منه والضعيف منهم قوى عندى حتى أرد الحق له إن كان صاحب حق .
فقلت : هل توجد خلافات من أى نوع ؟
قال سماحته : لا توجد ولكن غير مستبعد أومستغرب أن يكون فالجميع بشر ودوام الحال من المحال وإذا صلحت النيات صلحت الأعمال والله المستعان .
قلت : سماحتكم مع مَن مِن المشايخ ؟ .
قال السيد : مع الغائب منهم قبل الحاضر ومع الصامت قبل المتحدث ومع الصغير قبل الكبير ومع الفقير قبل الغنى .
قلت : اسمح لى يا سيدي بسؤال أراه مهماً ؟ .
قال السيد : تفضل .
قلت : ما الذي يشغل بالكم طبعاً من حيث الصالح العام ؟ .
قال سماحته : آه . . مبنى المشيخه العامة للطرق الصوفية الذى قطع المغفور له الشيخ حسن
الشناوي شوطاً ليس بالقليل فيه وأسأل الله أن يتم لنا هذا المبنى على خير وعلى أحسن وجه وعلى أحسن طراز إسلامي متميز إن شاء الله وأنا أجمع له همة المشايخ لأن العمل الجماعي ( تيم وورك ) ( Team work ) ثم قال معذرة أقصد روح الفريق لها تأثير السحر إذا قيست بالمجهودات الفردية لأن الإسلام دين الجماعة فصلاة الجماعة وصلاة الجمعة وكذلك الحج والعمرة والقتال وحتى بالنسبة للشركات نجد ( الجوينت فينشر ) ( Joint venture ) أقصد المشاركة وتجميع الجهود كل ذلك يؤدى لإنجاز الأعمال على الوجه الأكمل
وكما تعلم أن رسول الله ^ قال ما معناه : ” يد الله مع الجماعة وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية “(3)
والناس بطبعهم جماعه ما لم يوجد من يفرقهم ثم سكت الإمام .
فقلت : ثم ماذا بعد .
فقال سماحته : نكمل ذلك فيما بعد .
فقلت : جمع الله حولكم وبكم القلوب والجهود ولا تكون المشيخة إلا بأخلاق الفروسية والفراسة.

والسـلام عليكـم
وعليكم السـلام
مـريـد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)من حديث سنن أبي داود الجزء(5)،ص(183)رقم الحديث4860 , عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” لايبلغني أحد من أصحابي عن أحد شيئاً “.
(2)من حديث البخارى جزء (2)،ص(261),رقم الحديث(2680) عن أم سلمة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أَلْحَنُ بحُجَّتِهِ من بعض فمن قضيتُ له بحق أخيه شيئا بقوله فإنما أقطع له قطعة من النار فلا يأخذها )
(3) من حديث سنن أبي داود الجزء (1) ، ص(371)رقم الحديث547 ,عن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله ^ يقول ” ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان فعليك بالجماعة فإنما يأكل الذئب القاصية “