كيف نذكـــر اللـــه

مجلة التصوف الإسلامى
فبراير 2006

[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اذْكُرُواْ اللهَ ذِكْراً كَثِيراً * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً]

(42 الأحزاب)

بفرحة المحزون بالرى من علم الله المكنون المخزون .
( ويومئذ يفرح المؤمنون )
التقيت بسماحة الإمام :

السلام عليكم مولانا الإمام . . وعليكم من الله السلام .
قلت : يقول الله تعالى : [ وَيَضْرِبُ اللهُ اْلأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ] (35النور) .
قال سماحته : صدق الله العظيم . . ماذا تقصد ؟
قلت : فى موضوع الذكر ، أقصد ذكر الله نعلم أنه واجب وضرورى .
–  وهو قراءة القرآن على سبيل القطع وليس الحصر .
–  وهو الصلاة على سبيل القطع وليس الحصر .
–  وهو صلاة الجمعه على سبيل القطع وليس على سبيل الحصر .
–  وهو بإختصار كل العبادات على سبيل القطع وليس على سبيل الحصر .
– وقولنا على سبيل القطع معناه أن العبادات وإن كان الأمر بها قطعياً كالذكر إلا أن المرادات متعدده ويبقى للذكر ( ذكر الله ) كيانه المستقل المتحيز كفريضه يغفلها ويعلمها من يعلمها . . ومعذره على الإطاله .
والسؤال : أريد مثالاً يبين لنا كيف نذكر الله تعالى .
فقال سماحته : يا بنى يجب أن تعلم أن الله عندما فرض على عباده الفرائض لم يكن محتاجاً اليها فهو سبحانه لا تنفعه الطاعه ولا تضره المعصيه ، فطاعة العبد للملك تنفع العبد وهو محتاج إلى إرضاء سيده وبالتالى إذا فرض الله فريضه وقيدها بمكان أو زمان أو جهه أو هيئه أو عدد أو قيمه فلا تصح ولا تقبل إلا إذا أديت بقيودها وحددت بحدودها فهى فى عينها فريضه وفى قيدها فريضه ، أما إذا فرضها ولم يحدد شيئاً من ذلك تكون مطلقه وعلى كل حال فإنها فى عينها فريضه وفى إطلاقها فريضه.
والذكر من هذا النوع من الفرائض فهو فى عينه فريضه لقول الله تعالى : [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اذْكُرُواْ اللهَ ذِكْراً كَثِيراً ] ولما لم يحدد ربنا للذكر كيفيه أى كيفيه أى جعله مطلقاً من قيود الجهه والعدد والكيف عموماً فإن الذكر إطلاقه فريضه .
قلت : تعلم سماحتكم أن سائلكم من الناس الذين يفهمون بضرب المثل .
[ وَيَضْرِبُ اللهُ اْلأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ].
قال سماحته : ما حكم شرب اللبن الخالص ؟
قلت : يقول الله تعالى : [لَبَناً خَالِصاً سَآئِغاً لِّلشَّارِبِينَ] (66 النحل).
قال سماحته : هل يشرب فقط ؟ أم منتجات الألبان أيضاً يمكن تناولها ؟ .
قلت : لا شك أن منتجات الألبان أيضاً تؤكل ولا تشرب .
قال سماحته : إذا سألتنى قائلاً : كيف أتناول اللبن الخالص لا شك أنى سوف أجيبك بقولى : كما تحب بغض النظر عن شربه فى كوب من الزجاج أو الفخار أو النحاس أو أى كوب آخر وبأى أسلوب فلو كررت السؤال عن جواز أكل الجبن أو الزبد أو الزبادى أو . . أو . . أو . .
فلا شك أن الإجابه واحده لأنه حلال فى أصله وفرعه مالم يخالطه محرم ولأنه طيب أى من الطيبات التى أمر الله رسله أن يأكلوا منها [يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ الطَّـيِّـبَاتِ] (51 المؤمنون) وأمر الله المؤمنين أن يأكلوا منها .
[كُلُواْ مِن طَـيِّـبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ] . (57 البقرة ،172 البقرة ،160 الأعراف ،81 طه)
قلت : ما معنى الطيب ؟
قال سماحته : الطيب ما تطيب له النفس مما أحل الله .
والذكر يا بنى مطلق إطلاق تناول الحلال فكما أن الحلال يصبح تناوله بأى كيفيه وليس المهم الكيفيه بل المهم هو أن يكون حلالاً ولأن الذكر فريضه أمر الله بها ولم يحدد لها كيفاً لذلك يكون بأى شكل فى أى مكان على أى هيئه إلى أى جهه سراً وعلناً جماعه أو منفرداً أو . . أو . . وللمثل بقيه .
قلت : ما هى بقية المثل ؟
قال سماحته : لو سألنى آخر عن حكم شرب الخمر فلا شك أنى سوف أقول له هذا حرام لأنه ممنوع مطلقاً بأمر الله ولا يحله المكان ولا الزمان ولا الكأس ولا السر ولا العلن ولا أى شىء ، وهذه قاعده أنصحك أن تنتبه اليها فى كل الأمور .
قلت : ما هى ؟
قال سماحته : أبحث عن الأصل فإن كان حلالاً ولم يخالطه حرام فإبحث عن قيده فإن كان مقيداً فعلى قيده يؤدى ، وإن كان مطلقاً فعلى إطلاقه كذلك ، أو أبحث عن الأصل فإن كان حراماً فلا داعى للبحث عن القيد والإطلاق فكونه محرماً لا تحله الممارسات وإن إختلفت أما الحلال فلا تحرمه الممارسات وإن تباينت .
قلت : إن من الناس من جعلوا للتعسير على الناس ولم يرد لهم ربهم ذلك بل إرادتهم النفسيه المريضه ومن الناس من جعلهم الله للتيسير على عباده فيوصلون مراد الله إلى خلقه باليسر وأظن أن هؤلاء هم الذين قال الله لهم:[ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُّ اليسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ] (185 البقرة).
وإنى أحمد الله تعالى أن جمعنى بكم فأنتم من الذين أراد الله بهم اليسر ومن رحمة الله أن جعل الميسرين على العباد ضعف المعسرين لأن مع كل عسر يسرين [فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً] (5،6 الشرح) ومرد ذلك إلى قوله تعالى : [فَـأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُـيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى] (7،6،5 الليل).
سيدى : أنقل إلى سماحتكم مقدماً شكر القراء ودعائهم وفرحتهم بما تقول وقد جعلك الله من أهل اليسرى الذين قال لهم رسول الله ^ : ( ويسـروا ولا تعسروا ) (1)
وإلى اللقاء إعتماداً على كرمكم المعهود .

والسـلام عليكـم
وعليكم السـلام
مـريـد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) فكما ورد في صحيح مسلم – الجزء (3) ، ص (1358) رقم الحديث (1732-6) عن أبي موسى قال : كان رسول الله ^ إذا بعث أحدا من أصحابه في بعض أمره قال : ( بشروا ولا تنفروا ويسروا ولا تعسروا )