نوافـل العبــادات

مجلة التصوف الإسلامى
ينــــــاير 2006

بفرحة النوال من ثواب الآجله وفرحة العزوف عند حطام العاجله ومن الليل فتهجد به نافلة . التقيت بسماحة الإمام وبعد تفضله برد السلام قلت :
مولانا الإمام قرأت فى صحيح البخارى حديثاً شريفاً وأظنه من الأحاديث القدسيه يقول فيه ربنا :  ” من عادى لى ولياً فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلى عبدى بشىء إحب إلى من أداء ما إفترضته عليه وما يزال عبدى يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذى يسمع به وبصره الذى يبصر به ويده التى يبطش بها “(1)   . . إلى آخر الحديث .

وما أريد أن أشق عليك فقط أريد أن أعرف من سماحتكم العلاقه بين الفرائض والنوافل أو الفرق بينهما أو الأفضليه أو أى شىء فأنا لا أحسن السؤال وأنتم تحسنون الإجابه .
قال سماحته : يا بنى إن فى السؤال مفاتيح العلم وفى حسن السؤال نصف الإجابه .
فما دمت لا تحسن السؤال فلن تفهم الإجابه .
قلت : يا مولانا : [وَأَمَّا السَّآئِلَ فَلَا تَنْهَرْ * وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ] (10 الضحى).
قال سماحته : يا بنى إعلم أن النافله هى ظل الفرض من نوعه . قلت : لا أفهك .
فقال سماحته : أنا لم أقل شيئاً بعد . فإن الفرائض هى المكتوبه وأداؤها يمثل سداد الدين لذلك لا ينبغى أن يطلب المدين أرباحاً عندما يسدد دينه والله سبحانه وتعالى يقول فى هذا الحديث أنا أحب من عبدى أداء ما إفترضته عليه أى أنه يحب من العبادات الفرائض .
قلت : هذا هو شأن العبادات فماذا عن العباد ؟
قال سماحته : لا تسألنى عن شىء حتى أحدث لك منه ذكراً فأنت كالعاده عجول ثم إستطرد يقول إذا أتى العبد إلى الله بما فرضه عليه فإنه يأخذه منه ثم يرده ليأتى ببقيه الفرائض لأنه يحبها . أما إذا أقبل العبد على ربه محملاً بالنوافل فإن الله يأخذ العبد لأنه يحبه فيتحقق بذلك قول سيدى إبراهيم الدسوقى رضى الله عنه ( وخذنى اليك منى وأرزقنى الفناء عنى ولا تجعلنى مفتوناً بنفسى محجوباً بحسى وإكشف لى عن كل سر مكتوم يا حى يا قيوم ) وهذا معنى (وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به) . والعبد بطبيعة خلقته فان ( من الفناء ) فإذا فنى فى الله والله باقى فإن الفناء فى الباقى بقاء . عندئذ لا يكون له نفس تفتنه ولا حس يحجبه فيكون فى اللاحس وهذا عين حس الحس وقديماً قال قائلهم .
ولم يكن عندنا عند ولا صور ….. ولم يكن حسنا حاء ولا سينا
ونافلة الحج الحجه الثانيه أو العمره أى ما زاد عن الفريضه من جنسها ونافله الصيام كل صيام بعد رمضان ونافلة الزكاه الصدقه ، وهى كل مال أنفق فى سبيل الله غير مكتوب ( مفروض ) ونافلة الصلاه صلاه وهى كل ما زاد عن الصلوات المكتوبه وأفضلها التهجد ونافلة الشهادتين تنقسم إلى جزئين فالشهاده الأولى لا إله إلا الله نافلتها الذكر بالأسم ( الله ) والشهاده الثانيه محمد رسول الله نافلتها ( الصلاه على رسول الله وآله ) وهاتان النافلتان أقامهما الله مقام الفريضه فأمر بذكر أسمه مفرداً قائلاً [وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً ] (8المزمل) وهذا الذكر فرض على رسول الله قبل فرض أى فريضه وذلك فى سورة المزمل أول الدعوه .
والفريضه الثانيه هى الصلاه على سيدنا رسول الله قال تعالى : [يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماً ] (56الأحـزاب) والواضح إن هاتين الفريضتين فرضتا على المؤمنين فأما ذكر الله فقد قال عنه النبى ^ عندما سئل أى الأعمال أفضل يا رسول الله قال ^ ما معناه  : ” أن تموت ولسانك رطباً بذكر الله “(2)
أما الصلاه على النبى ^ فهى من الأعمال التى لا تدخل فى الميزان ، وقائلها لا يسأل عن نيته هى والذكر ، وكل العبادات جعل الله لها جزاء من الحسنات أما الذكر فليس له جزاء إلا الذكر [فَاْذْكُرُونِىٓ أَذْكُرْكُمْ] (152 البقرة) وأما الصلاة على النبى فجزاؤها صلاه من مثلها فمن صلى على النبى مره صلى الله عليه بها عشراً والعشره بمائه والمائه بألف إلى آخره .
والغريب أن أيسر العباده أكثرها أجراً وعلى ذلك فإن ذكر الله والصلاه على النبى ^ هى أيسر النوافل وبالتالى فهى أعظمها أجراً لأن الذكر بذكر والصلاه بصلاه ومن تقرب إلى الله بالنوافل أضيف إلى الله فى قوله ” ومازال عبدى يتقرب إلى بالنوافل ” فتاره يكون عبد الله من عباد الله وتاره يكون من عباد الرحمن كل على حسب قربه من الله فإذا كان الله سمع العبد الذى يسمع به فلا يغيب عنه صوت وإذا كان الله بصر العبد فلا يخفى عليه شىء وإذا كان الله يد العبد التى يبطش بها فلا يغلبه شىء وإذا كان الله رجل العبد التى يمشى بها فقد ألغى الله بذلك عن العبد المسافات لأن الله لا ينتقل من مكان إلى مكان .
والخلاصه إذا تقربت إلى الله بالفرائض قبلها منك لأنه يحبها وإذا تقربت اليه بالنوافل قبلك وأخذك اليه من نفسك لأنه يحبك وإذا وصلت إلى هذا فإنك تصبح فريضه على العباد الذين يودون التقرب إلى الله و الله أعلم .
قلت : صدق من قال [نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّنْ نَّشَآءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ] (76 يوسف) وإنى أطمع فى لقاء قادم فلتسمح ، فهذا شأن الكريم ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم .

والسـلام عليكـم
وعليكم السـلام
مـريـد


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) من حديث صحيح البخاري- الجزء(4) ، ص (192) رقم الحديث (6502)عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ^ : ( إن الله قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب).
(2) المعجم الكبير جزء(20)،(93) رقم الحديث (181) عن معاذ بن جبل قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الاعمال أحب الى الله تعالى ؟ قال : أن تموت ولسانك رطب من ذكر الله.