المعروف – المنكر – القوم – الأمه – الأهل

مجلة التصوف الإسلامى
عدد ( 307 ) أغسطس سنة 2004

[ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْـمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْـمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ]
(110آل عمران)
صدق الله العظيم

بفرحة الجاهل إذا عرف والظمى إذا أغترف و التائب مما أقترف و الحاصل على أعلي مستويات الشرف ألتقيت بسماحة الأمام وبعد أن تفضل برد السلآم .

قلت : مولنا الإمام زادكم الله علما لقد أمرنا الرسول الكريم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومدح الله الأمة كلها بأنها تأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر فما هو المعروف وماهو المنكر ؟
قال سماحته : ورد في سؤالك عبارات لا أظن أنك تعرف لها معني مثل كلمة الأمة فهل تعرف مامعنى الأمة ؟
قلت : علي قدر علمي أن الأمة هي الناس .. فضحك سماحته حتي بدت نواجزه فعرفت أني ضليع في الجهل .. فتشوقت الي استجلآء المعني من أهل العلم والفضل.. ولم أنطق تاركا لسماحته الاستطراد .. ثم قال سماحته : يابني إن لكل كلمه في كتاب الله معني وكذلك في حديث رسول الله ^ وهذا يعني انه لامجال للمترادفات وأعلم أن اللجوء الي المترادفات هو فقر في مخزون المعاني للكلمات وحتي لا أطيل عليك فان كثرة الكلام ينسي بعضه بعضا فأن الفارق كبير بين القوم والأمة .
قلت : كيف ؟ .. قال سماحته : القوم هم كل من أرسل اليهم رسول سواء أمنوا به أو لم يأمنوا والآمة هم فقط الذين أمنوا بالرسول .
قلت : أن أصدق الحديث كتاب الله تعالي.
قال سماحته: أنت تقصد السند من كتاب الله .
قلت : أطلب الممكن .
قال سماحته : يقول تعالي [ إِنَّآ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ اليمٌ] (1 نوح).
وقال سيدنا موسي [ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُم بِاتِّـخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوٓاْ إِلَى بَارِئِكُمْ ] (54 البقرة)
وقال النبي ^عندما أوذي في الطائف ( اللهم أهد قومي فأنهم لايعلمون ) ولم يقل أهد أمتي ولكن يوم الشفاعة الكبري يقول كل نبي نفسي نفسي أما سيدنا رسول الله ^ فأنه يقول أمتي أمتي وهذا يعني أن الأمة ليست كل الناس ولكن من أمن بالرسول ( أي رسول ) وهم جماعة من القوم الذين أرسل اليهم الرسول وتظل هذه التسمية ساريه علي المؤمنين بأي رسول حتي يبعث الله رسولآ جديدا فمن كان حيا من الأمة السابقه يدخل مع الأخرين في تعريف القوم فإذا أمن بالرسول الجديد يدخل في أمته وإذا لم يؤمن فانه يكون من قومه . أنظر الي قول الله عن قارون .
قلت : ماذا قال ؟
قال سماحته : يقول الله تعالى : [ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ ] (76 القصص) و لم يقل من أمة موسى .
ثم يحدث الفصل تبعا للإيمان يقول تعالى : [وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ ] (159 الأعراف).
قلت : إن السؤال عن المعروف و المنكر .
قال سماحته : هل كنت تعرف معنى الأمه و القوم .
قلت : لا .
قال سماحته : كان هذا المعنى منكرا لديك . فلما أستوضحته أصبح معروفا عندك .
قلت : لا أفهم .
قال سماحته : و منذ متى كنت تفهم .
قلت : بعد أن تتفضل على فى كل مره بعدها أفهم .
قال سماحته : هل تعرف معنى كلمة الأمر ؟
قلت : نعم على قدر علمى فإن الأمر هو إصدار الأوامر و التعليمات لكل من يقابلنى من الناس .
قال سماحته : يا سلام تأمر كل الناس ؟ هل أنت رب الناس ؟ إله الناس ؟
قلت : ولكننى أنفذ الحديث .
قال : لا بد أن تأمر بما تعرف و تأمر من يعرف و يكون لك عليه سلطان نابعا من مسئوليه .
فلما رأى أسئله تبرز من عينى
قال : يا بنى أصبر و ما صبرك إلا بالله فلا يوجد أحد له الحق فى أن يأمر الناس جميعا إلا الله.
قلت : أن الله يقول للنبى ^ [ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ] (125النحل).
قال سماحته : هناك فرق بين الدعوه و الأمر فعندما أدعوك لك الخيار فى الإجابه أما عندما أمرك بأمر نابع عن سلطان مستمد من مسئوليه فليس لك الخيار . قال الله تعالى للنبى الكريم : [ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ] و لكنه يقول : [وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ] (132 طه) ولم يقل له و أمر الناس جميعا.
قلت : ما معنى اهلك ؟
قال سماحته : ماذا تعرف عنها .
قلت : أهلك أى أقرباؤك .
قال سماحته : أنت كالعاده عجول جهول و لكن عندك ثقه بنفسك كأنك تتكلم بالعلم الأكيد .
قلت : حتى كلمة الأهل هى الأخرى لها معنى آخر .
قال : يا بنى الأهليه لا تعنى دائما القرابه فإن الله يقول[ يَآ أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ … ] (13 الأحزاب) ويقول النبى^ ما معناه ( أهل القرآن هم أهل الله وخاصته)(1)
ويقول لسيدنا نوح عليه السلام عندما قال [رَبِّ إِنَّ ابْنِى مِنْ أَهْلِى وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ ] (45 هود) قال الله تعالى : [ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ] (46 هود) مع أنه قريب من الدرجه الأولى أى أبنه.
قلت : فما معنى أهلك؟
قال سماحته : معناها ذوو الأهليه أى المؤهلون للأمر الذين شرح الله صدورهم للإسلام و الزمهم كلمة التقوى فكانوا أحق بها و أهلها بإختصار يقول الله لنبيه الكريم وأمر المؤهلين للأمر العارفين الملتزمين المؤمنين الذين يستجيبون للأمر .
وفى النهايه فإن الأمر يختلف عن الدعوه فالدعوه للعامه و الأمر للخاصه ولا ينبغى أن يأمر أحد أحدا إلا إذا عرفه ما يجهل فى هذه الحاله يكون أمره بمعروف لديه .
قلت : إن أصدق الحديث كتاب الله تعالى .
قال سماحته : قال تعالى عن أخوة سيدنا يوسف : [وَجَآءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ ] (58 يوسف).
وهذا يعنى أن المنكر عكس المعرفه .
ولذلك فإن مفهوم الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر يجب أن يتسع ليشمل كل نواحى الحياه و لا يقف عند معنى أن المعروف هو الطاعه و المنكر هو المعصيه .
والأمه المحمديه يقول الله عنها أنها عندما يكون الأمر بيدها فإنها لا تأمر أحدا و إن كان غير مسلم إلا بما يعرف و فى نفس الوقت إذا وجدت الأمه شخصا لا يعرف شيئا و يريد أن يمارسه أو يريد أن يقوم بعمل لا يتقنه أى يجهله أى ينكره فإن الأمه المحمديه تنهى ذلك عن ذلك حتى و إن كان غير مسلم و هذا يدل على أن الله تعالى جعل الأمه المحمديه هى صمام الأمان فى هذا الكون لا يأمرون إلا بالمعروف بل و ينهون عن المجهول أو المنكر لأنهم يؤمنون بالله على خلاف اليهود. يقول الله تعالى : [ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِىٓ إِسْرَآءِِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ * كَانُواْ لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ] (79،78 المائدة).
قلت : الان عرفت معنى القوم و الأمه و الأمر و المعروف و المنكر .
قال سماحته : و الأهل .
قلت : جعلكم الله أهلا لكل فضل فهو سبحانه أهل التقوى و أهل المغفره .
ثم قلت : زدنى زادك الله من فضله .
قال سماحته : إجعل للحديث فى اللقاء القادم بقيه .

والسـلام عليكـم
وعليكم السـلام
مـريـد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) من حديث سنن ابن ماجة جزء(1) ص(78) رقم الحديث (215) عن أنس بن مالك قال قال رسول الله ^ ( إنّ لله أهلين من الناس ) قالوا: يا رسول الله من هم ؟ قال ( هم أهل القرآن أهل الله وخاصته ).