الملل و النحل

مجلة التصوف الإسلامى
سبتمبر 2004

بفرحة الواجد بعد الفقد و الذائق بعد الوجد و الشارب بعد الذوق و المرتوى بعد الشرب و المنصبغ بعد الرى صبغة الله و من أحسن من الله صبغه و نحــــن له عابدون التقيت بسماحة الإمام .
السلام عليكم مولانا الامام . . و عليكم من الله السلام . .
قلت : إن الله تعالى أمرنا أن نعتصم بحبل الله جميعا و لا نتفرق . .

قال : نعم ، قلت : فما قولكم فى الحديث المشهور عن سيدنا رسول الله ^ الذى يقول فيه ما معناه
” افترقت اليهود الى احدى وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحده وأفترقت النصارى الي إثنتين وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحده والذي نفس محمد بيده لتفترق أمتي الي ثلاث وسبعين فرقة كلهم في النار إلا واحده قالوا من هم يا رسول الله  قال: الجماعه” (1) ثم  قلنا فى نفس واحد صدق رسول الله ^ .
قال سماحته : إن هذا الحديث الشريف استعمله البعض فى التقاذف فأخذت كل طائفه ترمى به الأخرى و تنسب إلى نفسها النجاه من النار و هذا أمر لا يعلمه إلا الله .
قلت : إن بعضهم يقول أنهم أصحاب الطرق الصوفيه الذين تفرقوا .
قال : و البعض يقول إنهم الخوارج و البعض يقول إنهم الوهابيه و البعض يقول أنهم الجماعات التى كثرت فى هذا الزمن حتى أن أحدهم إذا قيل له أنهم الجماعات يقول لك إن عدد الجماعات يزيد على المائه و ليس السبعين .
قلت : و ما هو الحل ؟.
قال سماحته : إن الرسول الكريم لم يأمر بالإفتراق و لكنه أخبر أنه لا شك واقع والله سوف يسألنا
عن قوله تعالى:[ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُواْ ] (103آل عمران) و لن يقول لنا لماذا لم تتفرقوا كما أخبر نبيكم ^ هذه واحده .
الأمر الثانى أن الرسول^ لم يسم طائفه معينه و لم يحدد مكانا و لا دوله و لا زمنا ولا قوما على سبيل القطع . .
بل أعطانا ما ينجينا من الإفتراق عندما قال فى حديث آخر عندما سئل و من الناجى يا رسول الله قال : من كان على ما أنا عليه أنا و أصحابى .
قلت : ما هو ؟ قال سماحته : كتاب الله و سنة رسوله الكريم ^ فالموحدون متحدون والملحدون متفرقون فمن كان على التوحيد لن يكون كافرا و لا مشركا و من كان كذلك لن يكون مبتدعا و من كان كذلك لن يكون فاسقا و لا مفرقا لدينه و لا مفرطا فى عقيدته . .
والرسول ^ عندما يخبر بما وقع فى الماضى ثم يخبر بما سيقع فى المستقبل و يحذر منه فهذه عظمته و هذه رحمة الله بهذه الأمه .
قلت : و لكنى قرأت كتاب الشهرستانى المسمى ( الملل و النحل ) فوجدته يسمى الفرق الضاله على سبيل الحصر .
قال سماحته :نعم هذا هو إجتهاد الشهرستانى و لكن هل تضمن أو يضمن أحد أن الأمه قد عصمت إبتداء من زمن الشهرستانى .
قلت : يقول بعض الناس فى قوله تعالى : [وَلَا تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ] (153 الأنعام) إن هذا القول مقصود به طائفه معينه .
قال سماحته : يقولون بالعربى أنهم الطرق الصوفيه و لكنك تستحى أن تقول ذلك .
قلت : نعم ، قال سماحته : إذا كانت السبل تعنى الطرق الصوفيه يكون التكريم الإلهى للصوفيه واردا بنص القرآن فى قوله تعالى : [وَالَّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا] (69 العنكبوت) و قوله سبلنا فى اللغه هى مضاف و مضاف اليه أى أن أهل الطرق الصوفيه هم المضافون إلى الله و هم عباده الذين أصطفاهم .
و من باب الأدب مع رسول الله ^ فإنا يجب أن نقول بما يقول الرسول الكريم ^ ونسكت عنه و فى النهايه [ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا للهِ ] (57الانعام،40يوسف) .
فإن الرسول إذا تكلم فإن ذلك لعله و إذا سكت فإن ذلك لحكمه و المقصود من تحذير الرسول الكريم أن يحاول كل منا ألا يفارق السنه و الجماعه التى هى على ما كان عليه الرسول الكريم وأصحابه ولا يدعى لنفسه العصمه و النجاه بل و لا ينبغى أن يرمى أحدنا أخاه بالشرك ولا بالكفر وبالبدعه ولا بالفسق ولتكن الدعوه إلى الله بالحكمه والموعظه الحسنه ويكون الأمر كله لله .
قلت : ما الذى إنفرد به النبى ^ بإعتباره الرسول الخاتم ؟ .
قال سماحته : إن قوم كل نبى من أرسل اليهم آمنوا أو كفروا . و أمة كل نبى أو رسول من آمنوا به .
قلت : إين الانفراد ؟ .
قال سماحته : إن قوم رسول الله هم من أرسل اليهم و قد أرسله الله إلى الناس كافه بشيرا و نذيرا و داعيا إلى الله بإذنه و سراجا منيرا .
قلت : يكون المعنى أن قوم النبى سيدنا محمد ^ هم كل الناس من بدايتهم إلى نهايتهم .
قال سماحته : و على ذلك تكون أمة النبى سيدنا محمد ^ هم كل من آمن بالله و ملائكته و كتبه ورسله على مدار الحياه عامه .
قلت : إن فى هذا القول بلاغه .
قال إن فى هذا لبلاغا لقوم عابدين و ليس بلاغه و إلى لقاء آخر إن شاء الله . .

والسـلام عليكـم
وعليكم السـلام
مـريـد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) من حديث المعجم الكبير الجزء (18)-ص(70) رقم الحديث(129) عن عوف بن مالك قال : قال رسول الله ^: ” افترقت اليهود على احدى وسبعين فرقة”