النفس الراضية والمرضية

مجلة التصوف الإسلامى
عدد رقم ( 304 ) يونيو 2004


[يَآ أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْـمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي]
صدق الله العظيم

(28،27الفجر)

فرحة الراجى بوصله. والتقاء الفرع بأصله. وعودة الغائب لأهله. والصلاة والسلام على من خلق الله الكون لأجله. ورضي الله تعالى عن السادة المعتصمين بالله وحبله.. والسلام عليكم مولانا الامام ورحمة الله وبركاته.. وعليكم من الله السلام قلت : سيدي الكريم ..هل النفس الراضية والنفس المرضية اللتان تحملان هذا الاسم الجميل الذى يشير الى الرضا باسم الفاعل (راضية) وكذلك الرضا باسم المفعول (مرضية) هل هاتان النفسـان ايضا من صنع الانسان وأصلهما الران؟

قال سماحته: يا بنى يبدو أن التعريف بالآنفس قــد غاب عنـك الجمع بينها بسبب التعريف المتقطع على مـدى الشهور السابقة فلقد تكلمنا عن هذا بفواصل قدرها الشهـور.
قلت: في الإعادة إفادة وفى الإفادة زيادة.
قال سماحته: إن الطفل يولد سليماً على الفطرة وتسمى النفس الكاملة (1) وهى سمة من خصائص النبوة لا تحجب القلب فإذا كبر الطفل وبلغ الحلم ونزل علية التكليف وكتب الملكان ما يقول وما يفعل من حسنات وسيئات تظهر السيئة ظلمة والحسنة نورا والحسنات يذهبن السيئات.. فإذا زادت السيئات زادت الظلمة التي تحجب القلب وهى الران ثم إذا زادت وزادت تكونت طبقات الران فوق بعضها وتسمى كما سبق أن قلنا الران، والحجب ، والأقفال ، والأكنة، وتصبح القلوب غلفا تصنع في الأذان وقراً وصماماً بين القلب والأذن (( ورب مستمع والقلب في صمم )) وترتيب ذلك بعد النفس الأولى الكاملة وهو: النفس المرضية (2)، والنفس الراضية (3)، والنفس المطمئنة (4)، والنفس الملهمة (5)، والنفس اللوامة (6)، والنفس الأمارة بالسوء (7).
ولا نجاة منها إلا على سبيل الاستثناء لقوله تعالى:[إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّى ] (53 يوسف) وعلى ذلك يا بنى فإن جميع الانفس بنيان من الران ولكن جمال التسمية لها هو اعتبارات نسبية.
قلت: كيف ؟
قال سماحته: مثلا النفس اللوامـة نفس سيئة ولكنها أقل خطراً من النفس الأمارة بالسوء فما أجملها وما أحلاها بالنسبة لها ولكنها كالقتل العمد والقتل الخطأ لا يخرجان عن كونهما قتلا أو كالكذبة البسيطة وشهادة الزور لا يخرجان عن كونهما كــذبا وما أجمل وأعظم وأحلى الملهمة بالنسبة للوامة وقس على ذلك فما أعظم النفس المطمئنة قياسا على النفس الملهمة وهكذا.
قلت: وما هكذا فهكذا أفهم. قال سماحته: تريدني أن أكمل ؟
قلت: أكمل الله الدين وأتم النعمة .
قــال سماحته: وما أعظم النفس الراضية بالنسبة للمطمئنة وما أجمل النفس المـرضيـة بالنـسبــة للـراضـية… وفى النهاية وعندما يتخلص الانسان بفضل الله من كل ما غلف القلب من الانفس تستبدل الصفات النفسية الذميمة بالصفات الإلهية العالية. ويصل الانسان إلى المقصود من قوله تعالى في الحديث القدسي ما معناه{ كـنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به… إلى آخر الحديث } (1)
ولكن النفس الكاملة الأولى التي على الفطرة لا تبدل لأنها [فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ] (30 الروم)
قلت: يا مولانا أخشى أن يكون هذا القدر على الجاهل ثقيل وعلى صفحة واحدة في المجلة كثير.
قال سماحته: هذا يرجع إلى هيئة التحرير.
قلت: وما هي هيئة التحرير هل لها صلة قرابة بميدان التحرير ومديرية التحرير.
قال سماحته: كل شي عندك كثير حتى الجهل ما شاء الله عليك.
قلت: إن جهلي في ساحتكم مفتاح علمي. ووقوفي على أبواب العلماء شرف.. واللقاء بهم عــز والجلوس اليهم منحة.. والفهم بعد ذلك رزق من الله. إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين.
ثم إستغفرت فترة من الزمن ليست بالقليل حتى وجدت نفسي جالساً بمفردي ولا أدرى كيف ختم سماحته اللقاء.

والسـلام عليكـم
وعليكم السـلام
مـريـد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) من حديث البخاري- الجزء(4) ، ص (192) رقم الحديث (6502) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ^ : ( إن الله قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به).