{ يناظر – يجادل – يحاور – يكابر– يمارى }

مجلة التصوف الإسلامى
عدد (294) أغسطس 2003

[بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ]
[وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِى الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ]

فرحة المستشفعين بالشفعاء.. إلى الله أن يرفع البلاء ويقبل الدعاء ويحقق الرجاء إن ربى لطيف لما يشاء . السلام عليكم سماحة الإمام .. وعليكم من الله السلام

تعود السائل أن يثـقل على سماحتكم بما عن له من المسائل واليوم قد غمت على معانى الخمس المترادفات المتشابهات المتطابقات .
قال سماحته يابنى هات ماهى الخمس المشكلات ؟
قلت نفعنا الله بكم هل المناظرة هى المجادلة هى المحاورة هى المكابرة هى المراء ؟
فضحك سماحته وقال هذه الخمسة لا هى متشابهات ولا متطابقات ولا غيره مما قلت فلكل واحدة منهن معنى ومدلول ولا يختلط معناها إلا عند العجول الجهول قليل الاناة الملول أما أولاهن وهى.
المناظرة : فإنها عادة ما تكون بين طرفين عالمين يجلى كل منهما الحقيقة من وجهة نظره بحضور طرف ثالث أعلم منهما وليس لأى منهما مأرب ولا مصلحة إلا إظهار الحقيقة كما يحدث فى المحكمة حيث يعرض الإدعاء ما عنده ويسوق الأدلة والبراهين طالبا الإدانة غالبا ويفوض الأمر إلى القاضى ثم يعرض الدفاع ما عنده ويسوق الأدلة والبراهين ويطلب البراءة غالبا ويفوض الأمر إلى القاضى الذى يقوم بمناظرة العرضين ثم يحكم بحياد تام [وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِى الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ] (83 النساء)
قلت والثانية : قال سماحته أما المجادلة فهى دائما بين طرفين غير حميمين لكل طرف فى نفسه هوى وله مأرب ويريد أن ينتصر لنفسه ولو على حساب الحق والوحيد المستثنى من ذلك هو سيدنا رسول الله ^ الذى أعطاه الله التى هى أحسن ومن إتبعه من المؤمنين كذلك [ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ] (125النحل) [ وَلَا تُـجَادِلُواْ أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ] (46 العنكبوت)
وثالثهن : هى المحاورة وهى تكون بين طرفين حبيبين صاحبين خاليين من الهوى والمصلحة الشخصية يذكر كل منهما أخاه فى ود ومحبة تامتين [ قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ] (37 الكهف)
والرابعة : هى المكابرة وهى بين طرفين أحداهما على حق والطرف الآخر يعرف ذلك غير أنه لا يقر بالحقيقة ولو رأى بأم عينيه [ يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا ] (83النحل) وقوله تعالى : [الَّذِينَ ءَاتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَآءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ] (147 البقرة)
وأما الخامسة فهى خصلة المراء : وأمرها غريب فهى بين طرفين أحدهما على حق يخبر بما رأى والطرف الأخر يكذب من رأى فيما رأى ولا حجة له ولا بيان ولا دليل كما كذب أهل مكة رسول الله ^ بعد عودته من الإسراء والمعراج فقال لهم سبحانة و تعالى : [أَفَتُمَـارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى ] (12النجم) قال تعالى : [ بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ ] (39 يونس) .ولذلك قال ^ ما معناه ” أنا زعيم بيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا ” (1)
قال^ ما معناه ” من تعلم العلم ليكابر به العلماء أو يماري به السفهاء أو يصرف به وجوه الناس إليه أدخله الله النار”
رواه الترمذي(2)
ثم إستطرد سماحته فقال هل سمعت بقصة الأعمى والمبصرين ” قلت زدنى زادكم الله من فضله قال سماحته رجلان مبصران ومعهما الثالث أعمى رأى المبصران شيئا أسود قال أحدهما إنه طائرا أسود والله أعلم وقال الثانى إنه عنزة سوداء والله أعلم ولكن الأعمى قال أقسم بالله إنه عنزة سوداء يجامل صاحبة أو ساحبه فلما وصلوا إلى قريب مما رأوا إذا به نسر أسود فرد جناحيه وطار .
وقال الأول الأن صح كلامى فهو طائر
وقال الثانى” مكابرا “هى عنزة سوداء وإن طارت وقال الأعمى ” فى مراء” صدقت ياصاحبى قلت سبحان الذى علمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما

قلت ياسيدى ارجو أن تسمح لى بالانصراف فأنا من علمكم لا أمل الإغتراف وكلى أمل فى وعد بلقاء جديد وحوار مفيد ..

والسـلام عليكـم
وعليكم السـلام
مـريـد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ومن حديث سنن أبى داود الجزء (5) –  ص(150-151) رقم الحديث(4800) عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” أنا زعيم ببيت في ربض الجنة”
(2) ومن حديث سنن الترمذي – الجزء (5) ، ص (32) رقم الحديث (2654) عن ابن كعب بن مالك عن أبيه : قال سمعت رسول الله ^ يقول : ” من طلب العلم ليجاري به العلماء”