الكمال والتمام

مجلة التصوف الإسلامى
يناير 2007

[وَأَتِـمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للهِ ]

صدق الله العظيم

(196 البقرة)

بفرحة المدعوين الكرام إلى بيت الله الحرام المؤدين بالكمال والمطالبين بالإتمام .. التقيت بسماحة الإمام السلام عليكم مولانا وعليكم من الله التحية والسلام .
قلت : مولانا الكريم وقد أهللت بالإحرام قاصدا البيت الحرام نسأل الله لسماحتكم سفراً أمنا وحجا مبروراً وعوداً مجبوراً وعملاً مأجوراً وذنباً مغفوراً .

قال السيد والحاضرون : اللهم أمين .
قلت : قال الله تعالى : [وَأَتِـمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للهِ ] (196 البقرة) فلماذا لم يقل سبحانه وأكملوا بدلا من قوله وأتموا خاصة أن هذا اللفظ الكريم ورد فى أية أخرى فى قوله تعالى : [وَلِتُـكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُـكَبِّرُواْ اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ] (185 البقرة). وقد علمنا منكم أنه لا مترادفات فى القرأن ؟ .
قال سماحته : نعم .. وإذا أردت أن تعرف الفيصل فى هذا الأمر فعليك بقوله تعـــالى: [الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْـمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِيناً] (3 المائدة) . وعلى ذلك فالإكمال هو وفاء المطلوب من حيث العدد إن كان معدوداً والوزن إن كان موزونا والكيل إن كان مكيلأ وهكذا .. أما الإتمام فهو مراعاة المقاييس والمعايير والمواصفات الغير منظورة والمتعلقة بالتركيب الداخلى للمطلوب فمن أدى المطلوب حسب المواصفات الظاهرة فقد أكمل وإن كان رديئاً ومن أداه حسب المواصفات الباطـنة ( الخفية ) فقد أتم وإن كان ناقصاً ، ومن أداه حسب ظاهره وباطنه معا فقد وفى أى أكمل وأتم وكما أكمل الله لنا ديننا وأتم علينا نعمته فقد أعطانا بالوفاء وإذا طالبنا بشىء مما أعطانا فقد وجب علينا أن نؤديه بالوفاء كمالاً وتماماً ونعود إلى موضوعنا وهو الحج يقول الرسول الكريم ^ : ( خذوا عني مناسككم)(1)
أى عليكم أن تتعلموا منى كيفية أداء المناسك الخاصة بهذه الشعيرة المباركة من النية والإحرام والسفر والتلبية والطواف والسعى والوقوف بعرفات والجمع تقديما مع القصر فى عرفات والجمع تأخيراً فى مزدلفة وجمع الجمرات ثم بعد ذلك الرجم أو الرمى والتحلل والهدى والإفراد والإقران فإن فعلنا ذلك نكون قد قضينا المناسك أى أكملنا أداءها ظاهراً ولكن هذا غير كاف فقد يفعل ذلك بعض الناس وهم لم يقصدوا البيت للنسك أصلاً بل لسمعة أو تجارة أو مثلاً السرقة بين الزحام أو أى شىء أخر خلاف المقاصد الحقيقية للحج أو قد يحج بعضهم من مال حرام أو ليأخذ هذا الأمر ستاراً لكسب ثقة الناس فيه وهو ليس كذلك والله أعلم بخلقه أكثر من علمهم بأنفسهم [أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ] (14 الملك) لذلك قال سبحانه لعباده قصاد بيته أن إكمال المناسك لايعفى من إتمامها والإتمام معناه تحرى المال الحلال وقصد البيت للنسك مع الانضباط الكامل أثناء الحج فلا يرفث ولا يفسق [فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِى الْحَجِّ] (197 البقرة)
فإن الرسول الكريم ^ لم يقل من حج وأدى المناسك كاملة رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه بل قال ما معناه: ( من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه)(2)
ويمكنك القول أن الكمال أداء الكم وأن التمام أداء الكيف أى الجودة والوفاء هو الجمع بينهما وقدوة الحجيج جميعا هو أبوالانبياء إبراهيم الذى أمره الله تعالى أن يؤذن فى الناس بالحج : [وَأَذِّن فِى النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِـينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِّـيَشْهَدُواْ مَنَافِعَ لَـهُمْ وَيَذْكُرُواْ اسْمَ اللهِ فِى أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ] (27،28 الحج) . وعلى ذلك فإن سيدنا إبراهيم قد أدى المناسك الظاهرة والباطنة أى أكمل وأتم لهذا وصف الله سيدنا إبراهيم بالوفاء أى الجمع بين الكمـال والتمـام فقال تعـالى : [وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِى وَفَّى] (37 النجم) فهل فهمت .
قلت: نعم وهذه من المرات القلائل جداً
قال سماحته : هل أكملت لك الجواب قلت : يامولانا لقد أكملت وأتممت أى وفيت وأوفيت لنا الكيل .
وتصدقت علينا وجعلكم الله من المتصدقين المحبوبين عنده وأعتقد أن هذا إيجاز بغير إعجاز (من التعجيز) ولكنه إيجاز وإعجاز (أي يصعب رده أو الإتيان بمثله) ولا أزكى على الله أحدا . العودة

والسـلام عليكـم
وعليكم السـلام
مـريـد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)  من حديث سنن البييهقى الجزء (5)-ص (204) رقم الحديث (9524) عن جابر  قال: قال رسول الله ^ : “خذوا عني مناسككم ”
(2)  من حديث البخاري الجزء (1)-ص(470-471) رقم الحديث (1521) عن أبا هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي  ^ يقول ( من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه )