الإصطفاء – الانتقاء – الإختيار – الإجتباء

مجلة التصوف الإسلامى
ديسمبر 2006

[ وَعَصَى ءَادَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ * ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ ]
صدق الله العظيم

(122،121 طه)

بفرحة المجتبئين بالإجتباء والمصطفين الأخيار بالإصطفاء التقيت بسماحة الإمام ….
السلام عليكم مولانا الإمام ….
وعليكم من الله الســلام ….
قلت : مولانا الكريم كثيراً ما نسمع عن عبارات وكلمات يحل بعضها محل بعض فى الكلام تسمى مترادفات فهل لهذا القول أصل . . أريد القول الفصل وما دون الفصل فهو الهزل . 

قال سماحته : إن المترادفات فى اللغه نشئت عن إختلاف الأسماء عند أهل اللهجات العربيه فقد يسمى الشىء بأكثر من أسم فى أكثر من مكان وبالتالى فكل هذه الأسماء تعتبر مترادفات إذا دلت على شىء واحد وعدا ذلك فلا .
قلت : مثلاً .
قال سماحته : مثلاً . . البطيخ عند المصريين سمى عند السعوديين ( حبحب ) وعند أهل الخليج ( رقى ) وعند أهل الهند ( بتاكا ) وعند أهل لبنان شيئاً آخر .
قلت : أما إذا تعلق الأمر بمعانى القرآن . .
قال سماحته : إذن فلا مترادفات إلا عند أصحاب المراتب .
قلت : وما أهل المراتب ؟ .
بل قل ومن أهل المراتب لأن ما لغير العاقل .
قلت : فليكن .
قال سماحته : نحن دائماً نستخدم أو غالباً ما يكون أستخدامنا لكلمة إصطفى وإجتبى وإختار وإنتقى بنفس المعنى .
قلت : وهل هناك من فارق .
قال سماحته : نعم ولا تكن عجولاً كعادتك .
ثم إستطرد سماحته يقول :
أولاً : إذا كانت المفاضله بين الأشخاص على أساس أنك تفضل أكثرهم ميزات فهذه حاله من الإختيار [وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً] (155 الأعراف) .
ثانياً: إذا كانت المفاضله بين الأشخاص لأقلهم عيباً دون النظر إلى الميزات فهذه حالة( إنتقاء ) .
ثالثاً: إذا كانت المفاضله بينهم تتم على غير أساس من العيوب ولا الميزات فهذه حالة الإصطفاء .
رابعاً : وهذا هو الغريب العجيب يقع الإختيار أو تكون الأفضليه للأكثر عيباً وعيبه لا يختلف عليه إثنان ثم يٌفضل على غيره وهذه حاله تسمى الإجتباء [ وَعَصَى ءَادَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ * ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ ] (122،121 طه) .
وهذه الحالات الأربع لا خامس لها وقد علمناها لنعلم شيئاً عن طلاقة القدره الإلهيه فالله تعالى إذا أراد أن يصطفى فلا إعتبار لشىء إلا إصطفائه وأما العيوب فهو سبحانه القادر على إصلاحها وأما الميزات فهو سبحانه القادر على منحها ووهبها وزيادتها .
قلت : أغربها الإجتباء .
قال سماحته : نعم فإن عصيان أبينا آدم وغوايته لم يكونا حائلاً دون إجتباء الله له وكل مجتبى لابد أن يعرف أن ذلك رغم عيوبه وذنوبه ومعاصيه وخطاياه ورزاياه ولذلك أسمع إلى قوله تعالى : [ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ] (78الحج) .
على أى أساس من الصلاح والتقوى يتم الإجتباء ؟ .
قلت : لاشك أن ذلك الإجتباء يتم على وفرة من الذنوب وكثره من العيوب وتفوق فى المساوىء وندره فى الخير وشح فى الطاعه .
ولو كان الذى يخلق خلاف من يختار لوقع الإختيار على الأصلح فقط والمطيع فقط . أما إذا كان غير ذلك وهذا هو الحاصل فإن إصطفاء الله لعباده وإنتقائه لهم وإختياره وإجتباؤه لهم يتم على أساس محض إراده وطلاقة قدره وإنفراد جبار وكبرياء قهار [لَا يُسْئَلُ عَمَّـا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ] (23 الانبياء) وهو القاهر فوق عباده أى فوق طاقتهم وفوق علمهم وفوق قواعدهم وأفهامهم فبعد أن ربط الرزق بالسعى وهذا مجال للحساب قال سبحانه : [إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ] (37 آل عمران) وشأن الله تعالى فعل كل ممكن أو تركه وليس على الله مستحيل وليس على الله بمستغرب أن يجمع الكل فى واحد .
قلت : ثم ماذا بعد ؟ .
قال سماحته : ما بعد يأتى إن شاء الله فيما بعد .
قلت : لله الأمر من قبل ومن بعد .
ويومئذ يفرح المؤمنون برزق الله من العلم كما يفرحون برزق الله لهم من غير العلم والله أسأل أن ينفعنا بما علمنا كما علمنا ما جهلنا وإن يزيدنا الله علماً .
فمن تساوى يوماه فى العلم فهو خاسر .
وإلى المنتقى .
أقصد إلى الملتقى .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

والسـلام عليكـم
وعليكم السـلام
مـريـد