السعه والتكليف

مجلة التصوف الإسلامى
فبراير 2007

[ لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ]

بفرحة السابقين من الفارين إلى الله المتسابقين المتنافسين الواثقين المعتصمين بحبل الله المتين .
التقيت بسماحة الإمام . . . . وقد تفضل بالسلام .

قلت : سيدى الكريم أريد أن تطوّف بنا اليوم حول التكليف والسعه فى قوله تعالى :
[ لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا] (286 البقرة) .
قال سماحته : يا بنى إن الله هو الذى خلق العباد ليعبدوه لينالوا من الخيرات التى أعدها الله تعالى لمن أطاع حيث أنه سبحانه غنى غنى ً مطلقاً عن كل ما عنده والناس هم الفقراء اليه .  [ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ وَ اللهُ هُوَ الْغَنِىُّ الْحَمِيدُ] (15 فاطر)
وكما علمت سابقاً إن صفة الحميد إذا لحقت بأى صفه من الصفات العليه فإنها تدل على أن هذه الصفه لا ضد لها فلو أعتبرنا المعطى والمانع وكذلك الضار والنافع والمعز والمذل وأيضاً الخافض والرافع يظهر فيهما ما يبدو تضاداً فإن الغنى الحميد تعنى أن الغنى لا ضد له فى صفاته فلا تقول الغنى الفقير ” حاشاه ” فوجود صفة الحميد بعد صفة الغنى تعنى سرمدية الغنى وإطلاق الغنى وذاتية الغنى إى أنه ليس مستمداً من غيره سبحانه وتعالى .
وعندما يأمر الله عباده أن يعبدوه يقول :
[مَآ أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِزْقٍ وَمَآ أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْـمَتِينُ] (57،58 الذاريات) أما موضوع سؤالك عن السعه وعلاقتها بالتكليف فإعلم أن الله تعالى بسابق علمه ومطلق قدرته إذا كلف عبداً بشىء فإنه يكلفه بما هو أقل من طاقته وسعته بدليل غنى الله تعالى يكلفنا بصيام شهر رمضان ثم نجد عندنا من الطاقه والمقدره أن نصوم أياماً غير ذلك الفرض وكذلك يأمرنا بالصلاة المفروضه ثم نجد عندنا سعه فنصلى السنن والنوافل وكذلك يأمرنا بإخراج جزء من أموالنا ثم نجد عندنا القابليه ، فنتصدق وهكذا يدل على أن الأمر بالتكليف لم يستهلك قدراتنا حتى آخرها وكذلك الحج إلى غير ذلك من الفرائض .
قلت : هل يوجد غير ذلك من الفرائض ؟
فتبسم الشيخ ” ضاحكاً ” من قولتى هذه .
وقال : هل تظن أن أركان الإسلام هى كل الفرائض ؟
قلت : بالتأكيد نعم .
قال سماحته : يا بنى إنه الرسول الكريم ^ يقول : بنى الإسلام على خمس .(1)
قلت : أعرفها .
قال سماحته : هذه هى الأعمده فما هو البناء ؟
قلت : ما هو إذن ؟
قال سماحته : كل ما ورد فى الكتاب الكريم بصيغة الأمر فهو فرض فى عينه فإن ورد مقيداً يكون تقييده فرضاً أيضاً . وإن ورد الأمر مطلقاً بدون قيد يكون إطلاقه فريضه كذلك .
قلت : أريد مثالاً على فريضة خلاف الخمسه المعروفه من الفرائض .
قال سماحته : قال تعالى :[ يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ اذْكُرُواْ اللهَ ذِكْراً كَثِيراً ] (41 الأحزاب)
ثم قــــال : [وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً] (42 الأحزاب) .
وقال تعالى فى الصلاه على النبى : [يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماً] (56الأحـزاب) .
وقال أيضاً : [ يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ اجْتَنِبُواْ كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ] (12الحجرات).
وقال : [ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ] (56 النور).
وقال : [لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ ] (11 الحجرات) .
وقال : [حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْـمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ ] (173 البقرة) .
وقال : [ وَجَاهِدُواْ فِى اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ ] (78 الحج) .
وقال : [ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُواْ فِى الْأَرْضِ وَابْتَغُواْ مِن فَضْلِ اللهِ ] (10 الجمعة) .
وقال : [فَاقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِّنَ الْقُرْءَانِ] (20 المزمل) .
وقال : [وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ] (45 البقرة) .
وقال سبحانه وتعالى الكثير والكثير وكذلك ورد فى السنه المطهره الكثير .
قلت : ما المقصود ؟
قال سماحته : المقصود هو أن كل أمر إلهى ورد فى الكتاب الكريم يعتبر فريضه من الله على عباده أن يفعلوه .
وكل نهى ورد فى الكتاب أو السنه فهو فريضه من الله وجب على العباد إجتناب كل ما نهى الله عنه .
قلت : إن بعض الناس إذا رأى الصوفيه يذكرون الله أو يكثرون من النوافل يقولون أنهم يزيدون فى الدين .
قال سماحته : إن المقصر إذا رأى الصوفى يقول ذلك .
قلت : لا أفهم كالعاده .
قال سماحته : هل تقود سياره على الطرق السريعه المراقبه بالرادار ؟
قلت : نعم .
قال سماحته : السرعه المقرره المسموح بها مثلاً مائة كيلو متر فى الساعه فإذا كان رجلاً يقود سيارته ببطء لأنها معطله أو ضعيفه على سرعة 40 أو50 كيلو فى الساعه ثم رأى غيره يسير بسرعة 90 أو100 كيلو فى الساعه فإنه يسبه أحياناً ويغتابه أحياناً قائلاً أنه مسرع وهذا خطأ كبير وكأنه يريد أن يسير الناس جميعاً على سيره ويقول لهم .
سيروا على سيرى فإنى ضعيفكم ….. وراحلتى بين الرواحل ضالع
وكل قليل الهمه ينظر إلى كثير الهمه نفس النظره .
والمقصود من هذا المثال أن الصوفيه يعلمون بما ورد فى الكتاب من أمر ونهى ومن تقاعس عن فعل ذلك يراهم يتزايدون والحقيقه أن الجميع مقصرون ولكن كل على قدر همته ولا يمكن أن يؤدى المسلم كل ما فرضه الله عليه ، فكيف يمكنه أن يزيد ولا أزيد فهل فهمت ما أريد ؟
قلت : زادكم الله من العلم بسطه .
ومن الرزق سعه
ومن العمر مدداً
ومن الأحباب عدداً . . . . آمين

والسـلام عليكـم
وعليكم السـلام
مـريـد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)من حديث البخاري الجزء (1) –  ص(20) رقم الحديث (8) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( بني الإسلام على خمس)