غرقنا في قشور الأمور . . وتركنا قواعد الدين

جريدة عقيدتي
فبراير 2008
 
طرحنا الأسبوع الماضي تساؤلاً عن السبب الذي جعل الدين صعباً علينا برغم أن التعامل مع الإسلام في مجتمعه الأول يعنى السهولة واليسر ؟
وأتصور أن الإجابة المرضية للجميع, هي أننا نسينا قواعد الدين وأعمدته الأساسية وانشغلنا بطبقه البياض الأخيرة على جدران . . وتركنا الخرسانة المسلحة ورحنا نتجادل في لون الطلاء وخصائصه. .
انشغلنا بأوراق الشجر وتركنا الجذور التي تقوم عليها وتمدها بالحياة . . وعندما تغيب القواعد والأسس والأصول تغيب اللغة المشتركة. . وعندما تغيب اللغة المشتركة تفلس العلاقات بين البشر. . وتنكسر جسور الحوار بينهم. . إن كل تناقضات العالم تناقضات لغويه . . نحن نسمى عمليات الفلسطينيين في الأراضي المحتلة , عمليات إستشهاديه , بينما يسميها العدو على الجانب الآخر عمليات إرهابيه . . بعض الدول تنظر إلى علاقاتها بالولايات المتحدة الأمريكية من منظور الصداقة, بينما هي تنظر إليها من مفهوم التبعية. . وعندما نقطف زهره ونقدمها إلى من نحب نتصور أنفسنا رومانسيين, بينما تنظر الزهرة إلينا على إننا قتله اغتصبنا حقها في الحياة. . وحكمنا عليها بالإعدام . . ولو قلنا كلمة قرش لرجل بنك لأختلف مفهومه عما لو قلناها لصياد سمك أولو قلناها لتاجر مخدرات . . إن القرش عند الأول عمله, وعند الثاني نوع سمك, وعند الثالث نوع من الموازين . .
وما لم نتفق على تعريف ” القرش ” الذي نقصده لوجدنا أنفسنا في حاله عشوائية متخاصمة. . وما لم نتفق على معاني الكلمات وتركنا لكل منا يحددها كما يشاء , نكون كمن يحدد عرض قضبان القطار على هواه . . يوسعها أحياناً . . ويضيقها أحياناً . . وفى كل الحالات لن يمر القطار. . لن يسير عليها .
إننا لا يمكن أن نفهم العالم دون لغة مشتركه بيننا وبينه . . خاصة في هذه الأيام الصعبة الحرجة التي يصر العالم أن يرانا فيها من وراء نظاره سوداء . . معتمه . . تفوح منها رائحة الإرهاب والشياط . . إن سوء الصورة حفز قوى الشر ضدنا . . فكان في أفغانستان . . والبقية تأتى في العراق والسودان وإيران. . لقد أعطينا بما فسرنا وبما أفتينا الفرصة لتدميرنا وسط تشجيع العالم وتهليله. . وفى جزء مما يجرى ويحدث لا نلوم إلا أنفسنا . . لكن . . قبل أن نتفاهم مع العالم علينا أن نتفاهم مع بعضنا بعضاً ولا يمكن أن نتفاهم دون لغة دينيه واحده بيننا. . لغة تكون فيها القواعد واضحة . . والتعاريف ثابتة . . والرحمة واسعة . . لقد انكسرت اللغة بيننا . . فراح كل فريق منا يتحدث على هواه . .؟ ويفتى على هواه . . بدلاً من أن نرتدي الثوب الذي فصله لنا الدين . . وضعنا الدين في الثوب الذي فصله كل منا كما يشاء .
إن هناك لفه مشتركه بين الموسيقيين يسهل قياس النغمة عليها . . وهناك لغة مشتركه بين الأطباء يسهل قياس العلاج عليها . . وهنالك لغة مشتركه بين لاعبي الكره يسهل قياس الجزاءات عليها . . لكن ليس هنالك لغة مشتركه بين علماء الدين يسهل قياس فتاوى الناس عليها .
لقد خلقنا الله شعوباً وقبائل لنتعارف. . وليكون أفضلنا هو أكثرنا تقوى . . والتعارف هو اللغة المشتركة التي لو غابت لحق قول الله تعالى: ” الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً كل حزب بما لديهم فرحون ” . . إن أسس الدين موجودة في القرآن الكريم على سبيل الإجمال . . وموجودة في السنة على سبيل التفصيل . . لكن غياب اللغة المشتركة يجعل كل شخص يتبع هواه .  ثم يسعى جاهداً لكي نمشى ورائه باعتبار هو الصواب وهو سبب التفرق والتشرذم والتعصب والتطرف , وربما التخلف الذي نحن فيه . . هذا هو سبب الحالة التي أغرت القوى العظمى باستساغة لحمنا واستباحة أرضنا واسترقاق شعوبنا . . وهى حاله ننشغل فيها بالصغائر ونعتبرها كبائر .
منشغلون بالمظهر لا بالجوهر. . لذلك ليس غريباً أن يزداد كلام بعضنا عن الدين في الوقت نفسه الذي تزداد فيه الأمية والبطالة والسرقة وقتل الأمهات من أجل سيجارة حشيش .
إن التدين الشكلي ليس دليلاً على سلامة الأخلاق . . هو دليل الفهم الخاطئ للتدين . . والفهم الخاطئ للتدين سببه اختفاء القواعد السليمة له . . واختفاء القواعد في الهندسة جعلت العامل مهندساً . . واختفاء القواعد في الدين جعلت الجاهل عالماً وفقيها . . فكان ما نعانى منه من فوضى فى الفتوى وتسرع فى التفسير وسهوله فى التكفير وتدخل بين خصائص البشر والحق الإلهي .
 
السيد / مختار على محمد
شيخ الطريقه الدسوقيه المحمديه