ديننا سهل يسير . . فلماذا ” نصعبه ” على أنفسنا ؟

جريدة عقيدتي
يناير2008
 
كان ثلاثة من الشيوخ في قارب صغير متهالك يقوده في عرض البحر صياد صغير متواضع الحال . . سأل الشيخ الأول الصياد : هل تفهم في الشريعة؟
فأجاب الصياد بالنفي . . فقال له : لقد فقدت ثلث عمرك . . وسأله الثاني : هل تفهم في الفقه ؟ . . فأجاب الصياد بالنفي . . فقال له : لقد فقدت ثلث عمرك . . وسأله الشيخ الثالث : هل تفهم في الاجتهاد ؟ . . فقال الصياد بالنفي . . فقال له : لقد فقدت ثلث عمرك . . ولم تمر عدة دقائق حتى هبت عاصفة شرسة قلبت البحر رأساً على عقب . . فسأل الصياد الشيوخ هل تعرفون العوم ؟ . . فأجابوا بالنفي . . فقال لهم : لقد فقدتم كل أعماركم .
ربما شرحت خفة الظل بسهوله ما لا تقدر عليه أعقد الكتابات والتفسيرات فاقدة المرونة . إن الشيوخ الثلاثة لم يترفقوا بالصياد البسيط في كل شيء ( من الثياب إلى التفكير ) وهو رجل ” على باب الله ” ليس له في العير ولا في النفير. . لقد منحهم الله نعمة المعرفة فلم يترفقوا بغيرهم . . إن المبصر يجب أن يترفق بالأعمى. . والقوى يجب أن يترفق بالضعيف. . والغنى يجب أن يترفق بالفقير. . والعالم يجب أن يترفق بالإنسان البسيط. العادي. . الذي ينتظر منه الرحمة لا أن يضيع منه في الزحمة. . زحمة التفسيرات والاجتهادات والتعقيدات والكتابات والفضائيات .
إن الثر ألعقاريه تنهار. . والثروة المالية تضيع والثروة الصحي تضعف . . أما الثروة السماوية . . فهي تبقى . . وتنمو. . وتكبر . . هي التي تغذى المشاعر بطعم الإيمان . . فتكون الحكمة . . والرحمة . . والموعظة الحسنه . . يقول شاعر فارسي قديم : ” فلنتأمل هذا الخان البالي . . يتولد على مدخله الليل والنهار . . كيف تعاقب عليه سلطان بعد سلطان . . بكل ما لديه من أبهة عاش به سنواته الموعودة . . ثم مضى إلى غايته . . إن الباب الذي دخلنا منه هو الباب الذي سنخرج منه . . ولو كنا قد جئنا كالماء فإننا سنمضى كالريح ” . . وبين المجيء والمضي يتلخص الإنسان في كلمه واحده : طيب . . عنيد . . شرس . . متسامح . . مجرم . . لص . . شريف . . منحرف . . مستقيم . . كلمه واحده يختارها الإنسان دستوراً لحياته . . يدفع ثمنها . . ويجنى ثمارها . . ويحملها على ظهره في الدنيا والآخرة . . يعيش بها على الأرض ويحاسب عليها في السماء .
لكن البساطة في التفكير والتفسير لا نجدها في بعض الذين يتحدثون في الدين وما أكثرهم . . وما أعقدهم . . وما أصعبهم . . وما أغربهم . . فكلما شرحوا . . وتكلموا . . وأفرطوا كلما انتشرت اتهامات الترهيب والتجريم حتى بتنا جميعاً فى النار . . حرّموا علينا عيشتنا . . جففوا منابع التسامح . . تركوا كبائر الحياة كالفاشية والديكتاتورية  والأناني والأمية وخراب الذمم المالية وأصول الخلافة . . وتحدثوا عن الفروع .
لقد نزل الإسلام على مجتمع بدوى متخلف متناحر موصوم بالرق والعبودية . . يحتقر المرأة ويواريها التراب . . ويفرق بين الناس تفرقه طبقيه . . فكيف استقبلوه وتقبّلوه وفرحوا به وتعاملوا معه بسهوله ويسر , بينما فشل بعضنا بالرغم كل ما نملك  من ثقافة وفهم ووعى وقدره على بناء جسور التفاهم ؟ . .
إن سهولة التعامل مع الإسلام فى مجتمعه الأول , تعنى أنه سهل . . فما الذى صعبه علينا ؟ .
هذا ما سنجيب عليه فى العدد القادم بإذن الله تعالى .
 
السيد مختار على محمد
شيخ الطريقه الدسوقيه المحمديه
عضو المجلس الأعلى للطرق الصوفيه