تعالوا نفهم معنى السلفيه

جريدة عقيدتي
مايو 2009
 
لو أمسكت بخريطة الدنيا وفردتها على طول ذراعيك . . ستكتشف أن غالبية الدول الإسلاميه متخلفه . . وفقيره . . أميه . . ترفض الحضاره العصريه . . وتصر على أنها تعيش فى حاله سلفيه
هم بإسم السلفيه يتمسكون بما كان يجرى أيام الرسول وصحابته . . يدسون المخدر الدينى فى قالب سكر مغرى بتناوله . . فيتسلل ذلك المخدر إلى العروق والعقول . . يسيطر عليها . . يصيبها بالغيبوبه . نرفض التكنولوجيا الحديثه فى القتال ونتمسك بالسيف والدرع والطوب والمقلاع بينما أعداؤنا يستخدمون الطائرات المقاتله النفاثه الأسرع من الصوت . . وفى الغيبوبه نحرم وسائل المواصلات المتطوره . . الفاكس . . الإنترنت . ونصر على الجمل والناقه والبغال والحمير . . إن الحقنه السلفيه السائده . . مثل الحقنه الشرجيه العتيقه فى زمن الطب بالليزر .
لقد وجدنا جموعاً غفيره من شبابنا تمزق الشهاده الجامعيه فى تخصصات الطب والهندسه والصيدله والإقتصاد والبورصه وترفض العمل فى مؤسسات الحكومه الكافره وراحوا يبيعون العسليه والسواك والبخور متصورين إنهم بذلك ينقون أموالهم من أموال الحكومه الحرام . . رغم أنهم يعيشون على طريق مهدته الحكومه . . ويستخدمون شبكات الكهرباء التى أمدتها الحكومه . . ويشربون من مياه طهرتها الحكومه . . ويقضون حاجاتهم فى نظام صرف صحى مولته الحكومه . . إنهم فى الحقيقه عاله على الحكومه . . وعاله على المجتمع الذى يعمل بالنيابه عنهم . . ويدفع الضرائب نيابه عنهم . . ويمول الخدمات التى يستخدمونها نيابه عنهم .
وفى أفضل الأحوال يفسرون الحديث النبوى الشريف ” يسروا ولا تعسروا ” على إن الأمر بالتيسير يقتصر على الفتوى والأمور الدينيه فقط .
إن الأمر بالتيسير يجب أن يمتد إلى كآفة نواحى الحياة العملية والشخصية.. لو كانت هناك عملية حسابية تستغرق ساعة بالعقل البشرى المجرد ودقيقة بالكمبيوتر فإن الأمر النبوى بالتيسير يفرض علينا استخدام الكمبيوتر.. لو كان الحج بالمشى يستغرق شهورا فإن التيسير الذى أمرنا به أن نحج بالطائرات التى لا تستغرق سوى ساعات.
  إن معنى يسروا هنا.. اخترعوا.. تقدموا.. تطوروا.. سهلوا الحياة.. ولا يعتد بتقليد الحياة فى عصر النبوة والصحابة.. وفى زمن السلف الصالح.. لو كانت الطائرة فى زمن رسول الله لأمرنا بالقتال بها.. لو كانت البورصة فى عصره صلى الله عليه وسلم لترك التجارة وتفرغ  لها.. ولو كان فى زمن الصحابة فنادق خمس نجوم لزوجوا أبناءهم فيها.. ولو كان التلفزيون معروفا فى زمن الرعيل الأول من المسلمين لاستخدموه فى الدعوة.
  لكن.. الذين يقولون إنهم سلفيون يرفضون كل ما لم يكن فى عصر السلف.. يأخذون الأمور الشكلية.. ليبقوا فى زمن غير زمانهم.. فالجبن حرام لأن الصحابة كانوا يشربون اللبن.. ولا يعرفون الجبن.. والجلباب هو الزى الإسلامى لأن البدلة بدعة غربية.. والسيارة حرام.. فالجمل هو وسيلة النقل الشرعية.. وهكذا خرج المسلمون من العصر الحديث.. وأعطوا ظهورهم له وولوا وجوههم شطر الماضى البعيد ليظلوا فيه.. وهو ما أسعد الغرب ونال استحسانه.. فالحضارة الغربية هى حضارة قامت على أعمدة العلماء والمفكرين المسلمين فى كافة نواحى المعرفة والتطور.. ومن مصلحة الغرب بقاؤنا فى زمن الماضى حتى نكون أداة طيعة فى يده.. وسوقا لمنتجاته.. من مصلحة الغرب أن نبقى فى مساجدنا وبيوتنا لا نغادرها حتى يصدر لنا كل ما نحتاجه ونعيش عليه.. فيزدهر اقتصاده.. وتدور مصانعه.. ويرتقى يوما بعد يوم.
  إن التقدم لا بد له حتى يستمر أن يحافظ على أكبر مساحة ممكنة من التخلف على ظهر الكرة الأرضية: يقول سبحانه وتعالى: ” وأما بنعمة ربك فحدث “.. والمقصود بكلمة حدث ” تكلم ”  أومقصود بها ” التحديث ” أى التطوير.. والاكتشاف.. ليس هناك ما يمنع أن نفهم كلمة حدث على هذا النحو.. ويقول النبى صلى الله عليه وسلم ” بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء ثم طوبى للغرباء”.. ويمكن فهم كلمة غريب على أنها من الغرابة وليس من الغربة.. فمن الغرابة أن النبى الذى كان لا يعرف القراءة والكتابة أتى من عند الله بقرآن يعجز فلاسفة العرب وشعراؤهم أن يأتوا بمثله.. ولم يكن النبى من عظماء قريش وإنما يتيما كان فى قريش والغرابة انه دخل مكة ( التى أخرج منها) فاتحاً مسيطرا ناشرا دعوته.. والغرابة أن المسلمين.. رعاة الأغنام الذين جاءوا من قلب الصحراء هم الذين فتحوا العالم ودخلوا بلاد الفرس والروم ووصلوا إلى قلب  أروبا دون تكنولوجيا.. وبرسالة سامية.. وكلمة طيبة.. فقط.. ولو كان الحكام فى كافة بقاع الأرض يبنون مجدهم على سياسة “فرق تسد” فإن الغرابة فى الإسلام أن نبيه فعل العكس.. ” وحد تسد”.. إن تجميع الناس فتح البلاد الظالم حكامها.. ليسود العدل والمحبة والسلام وحقوق الإنسان والطمأنينة.
  إن الغريب هو العجيب.. الذى لا يعتمد على معطيات المنطق العقلى السائد.. بدوى يفتح دولا متحضرة.. أمى يأتى بمعجزة لغوية سماوية.. بيئة متخلفة تفرض الحضارة السامية على أصحاب المادية الصارمة.. هذه هى الغرابة التى ولدت مع الإسلام.. أما انه سيعود غريبا.. فربما كان المقصود هنا.. أن المكان الذى خرجت منه الدعوة الإسلامية لنشر السلام والعدل فى العالم ستخرج منه الفتاوى المتأخرة المنومة المخدرة التى ستكرس التخلف.. وهنا الغرابة.. أن يسعد المسلمون بذلك.. ويصروا عليه ويتمسكوا به.
  إنها فتاوى تطالب المسلمين بأن يأكلوا ما كان يأكله الصحابة.. وأن يناموا كما كانوا ينامون.. ولا يستعملوا ما لم يكن معروفا أيامهم.. الدش.. الكمبيوتر.. الليزر.. التشريح.. التشخيص.. ليأكل المسلمون بأيديهم كما كان الصحابة يأكلون.. ألا يعملوا فى الحكومة لأنه أيامهم لم تكن هنالك حكومة.. كل ما يميز المسلم السلفى هو أن يطلق لحيته رغم أنه لا فضل له فى ذلك.
  ولعلنا نفهم الغرابة فى قول رسول الله وسيعود (الإسلام غريبا) بأنها نبوءة أن يعود الإسلام بفهمه الصحيح (من العلماء والفقهاء وأهل الرأى) لما كان عليه، قادرا على فرض العدل والحق والسلام.. والغرابة أن يحدث ذلك رغم ما نحن فيه من تخلف وأمية وإصرار على الجهل.
  إن سر تخلف المسلمين… أنفسهم.. إن الطب موجود لكنك تجد من يفتى بتحريم العلاج ليموت المريض شهيدا.. أو بدعوى أن العلاج تغيير فى مشيئة الله.. إن النبى صلى الله عليه وسلم يقول: ” المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف”.. والقوة هنا ليست قوة العضلات.. إنما قوة العقل.. والعلم.. والمال.. والاختراع.. ليست قوة التصورات الخاطئة التى يعيش أصحابها على بيع البخور أمام المساجد.. بل قوة من يزرع وينتج ويبنى ويعمر ويطور.. ليست قوة العاطلين والكسالى وأصحاب الفتاوى المحبطة الذين لم يقرأوا الحديث النبوى الشريف: ” إذا قامت الساعة وفى يد أحدكم فسيلة (شتلة النخلة) فليغرسها”.. ولم يقرأوا قوله سبحانه وتعالى: ” وقل أعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون” .. ولم يقل خربوا.. دمروا.. وفجروا.. وأحرقوا.. وأقتلوا.. إن مثل هذه الأفعال هى تعبير عن عقد نفسية يعانى منها الذين نبذوا العمل وعاشوا عالة على الناس وشعروا بغل نحو كل ما يملكه الآخرون.. ومن ثم سعوا لتخريب سياراتهم وحرق بيوتهم.. ليبيع كل الناس العسلية والبخور مثلهم.
  الغرب يريدنا أن نبقى على هذه الصورة.. وقد شجع أصحابها.. واستخدمهم فى صراعاته السياسية والعسكرية فى أفغانستان.. ضد الاتحاد السوفيتى.. ولم يعترض على التفجيرات والاغتيالات التى يرتكبونها فى بلادهم.. لكن.. ما إن وصلت التفجيرات للغرب نفسه حتى قام وانتفض ورفض وغضب.. وبعد أن كان يسميهم بالمجاهدين أطلق عليهم صفات الإرهابيين والمجرمين والمتطرفين.. والغرب سعيد بأن نبقى على هذه الصورة حتى نتحمل نيابة عنه المصانع القذرة الملوثة للبيئة على أن يعيش هو فى بيئة نظيفة.. وحتى يستغل كل ما نملك من موارد مادمنا نحن نصر على أن العمل حرام.. وأن بيع العسلية هو التجارة الشرعية المناسبة لنا.
  يقول صلى الله عليه وسلم:”ما من مسلم يزرع زرعاً أو يغرس غرساً ويأكل منه طير أوإنسان أوحيوان إلا له به صدقة وما سرق منه صدقة “.. لكن.. لا أحد من الكسالى العاطلين يقدر على استيعاب ذلك.. كل ما عليه أن يحرم المياه المثلجة لأنه لم يكن هناك ثلاجات أيام الرسول.. ويحرم الصلاة فى مساجد الأوقاف لأن الحكومة “الكافرة ” تنفق عليها.. رغم أنه يتوضأ بمياه كافرة من الحكومة ويقرأ على كهرباء كافرة من الحكومة.. إن الغرب ليس وحده الذى يكيل بمكيالين.. نحن نكيل بألف مكيال.. وكلها غريبة غير معايرة مبتدعة تماما.. كلها مكاييل تعتبر التطور بدعة.. وكل بدعة ضلالة .. وكل ضلالة فى النار.. ولأن لا أحد يريد أن يشوى فى النار نجد الناس تجلس على رصيف الحياة متسولة ملتحية فى انتظار الجنة.
  ويمكن القول إن هؤلاء هم عملاء الغرب الذين يسيرون أعماله ويحققون أهدافه دون مقابل.. يلوثون الأفكار بلا مقابل.. يقبلون كل شئ سيئ بلا مقابل.. رغم أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ” اليد العليا خير من اليد السفلى” ورغم أنه يقول أيضا: ” لئن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم فقراء يسألون الناس أعطوهم أو منعوهم”.
  لقد خدعوك فقالوا إنهم سلفيون ملتزمون بكل ما كان فى زمن الرسول والصحابة.. إن الالتزام يكون بالأخلاق.. لا بالشكليات الجامدة.. التى تسكن الإنسان فى الماضى وتبقيه فى الكهف لا يخرج منه..
 
ولا حول ولا قوة إلا بالله