تعالوا نفهم معنى التكاثر

جريدة عقيدتي
إبريل 2008
 
حين أراد الله أن يوصل رسالته إلى الناس أختار اللغة الراقية الجميلة .أختار النغم المسكوب , والحرف المنسوج من خيوط الحرير والفاصلة الأنيقة والكلمة التي تدخل القلب ولا تخرج منه كان بوسعه سبحانه وتعالى أن يستعمل سلطته الإلهية المطلقة فيقول للإنسان : ” كن مؤمناً فيكون ” ولكنه لم يفعل وأختار الطريق الأجمل , أختار الأنبل , ,
وحين أراد الله أن نستوعب أسرار أحكامه فضل لغة العقل وهى لغة دقيقه محكمه تحترم ذاتها وتوقر صاحبها بشرط أن يتفكر جيداً فيما ورائها وما بين سطورها بشرط ألا يتسرع في تفسير يقلب المعنى ويتورط في فتوى تكون عليه وهذه هي آفة كثير من الناس لكنهم لا يعلمون ! !
لقد توقفت طويلاً عند حديث رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ” تناكحوا تناسلوا تكاثروا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة ” توقفت عند كلمات الرسول الكريم وأنا أستعرض حالة العالم الإسلامي الممتد من الصين إلى الدار البيضاء توقفت عندها وأنا أرى خريطة العالم الإسلامي على هذا النحو وهى تكاد تكون الخريطة الوحيدة على الأرض التي تجمع كل عيوب الفقر , والأمية , والفاشية , والديكتاتورية , والفساد , والضعف , والمرض وغيرها من الأمراض السياسية و الإجتماعيه والعشوائية .
وتساءلت بيني وبين نفسي : هل هذه الأمة التي سيتباهى بها رسول الله صلى اله عليه وسلّم بين الأمم يوم القيامة ؟ ! وكانت الإجابة واضحة قاطعه لا تحتاج إلى مجهود كبير أو صغير . . إذن أين المشكلة ؟ لقد فسر البعض هذا الحديث النبوي الشريف على أنه دعوه للانفلات في كثرة الذرية وعدم وضع قواعد أوقيود بغض النظر عن القيمة والتميز بغض النظر عن ضعف وهشاشة هذه الكثرة !
إن الإنسان يتباهى بولد صالح يقدر على برمجة الكمبيوتر بينما يخجل من مائة ولد لا يفكون الخط ولا يفرقون بين الألف وعمود الكهرباء ويجرون عرايا في الحواري والأزقة
المباهاة التي يقصدها النبي الكريم هي أن تكون الأمة متميزة فلا يعقل أن يتباهى النبي صلى الله عليه وسلًم بكثرة لا حول لها ولا قوة لا تقدر على إطعام نفسها أوحماية أرضها أو إيجاد مكان خاص لها تحت شمس الدنيا التي نعيشها يقول صلى الله عليه وسلّم : ” يوشك أن يأتي زمن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها قالوا : أو من قله نحن يومئذ يا رسول الله ؟ قال : بل أنتم يومئذ كثير ؟ ولكنكم غثاء كغثاء السيل ” أى كثرة ريم الماء كثره بلا وزن .
لو ربطنا بين الحديثين الشريفين لعرفنا أن المقصود ليس الكثرة التي نتخيلها ونسعى إليها فلا عبره بكثرة كغثاء السيل , ولا عبره بكثرة من الرغاوى والفقاعات , إذن كيف نفهم الحديث الأول ؟
يقول الرسول الكريم : ” تناكحوا ” أي تزوجوا وهو أمر نكون قد نفذناه بمجرد الزواج , ثم يقول صلى الله عليه وسلّم : ” تناسلوا ” وهو هنا ليس فعل أمر , لكن المقصود به إن من يتزوج ينجب . . أومقصود به : إذا تناكحتم تناسلتم , أوبمفهوم أبسط : تناكحوا فتناسلوا , وهنا يكون من أنجب طفلاً واحداً قد تناسل , لأن لو كانت كلمة تناسلوا فعل أمر فأين يذهب العقيم والعاقر منه ؟ . . خاصة وإن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها . .