تعالوا نفهم التوسل

مجلة عقيدتى
عدد – 816
 
أجاز بعض العلماء التوسل بالأحياء دون الأموات . . وكأنهم ينسبون للأحياء قدره يفقدونها بموتهم , فالله تعالى هو الفعال . . وهو قادر على نفع عباده بوسيلة حيه أوميتة , وهذا هو صحيح الإيمان , فكل الأطعمة التي نتناولها لا حياة فيها ( الأسماك واللحوم مثلاً ) ينفعنا الله بها بعد الذبح والطهي مع أنها فارقت الحياة , إن هذه الأشياء ذاتها ليست نافعة وإنما الله وحده هو الذى ينفعنا بها , وهذه حكمته فى خلقه يرزق بالغنى الفقير ( حيا بحي ) ويرزق بالحيوان إنساناً . . ويرزق بالميت الحي ( اللحم الذى نأكله يصبح خلايا حيه فى أجسادنا ) لو اعتقدنا أن الله هو الفعال فلا فرق بين حي وميت . . لأنه لا قدره لحى أولميت دونه سبحانه وتعالى .
أما إذا أراد الله تعالى أن يفوض عبداً من عباده الذين لا يقدرون على شىء أويأذن بإذنه عندئذ يكون العبد فعالاً بإذن الله ولا حدود لإذن الله سبحانه وتعالى . . لقد أذن الله لعيسى عليه السلام أن يخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه عيسى فيكون طيراً بإذن الله وأذن له أن يبرئ الأكمه والأبرص وأذن له أن يحي الموتى . . إن صاحب القدرة هو الله والمأذون له فعال فى حدود ما أذن الله به وبسلطان منه سبحانه تعالى , لقد أذن الله لعيسى عليه السلام مثلاً أن يحي الموتى لكن لم يأذن له أن يميت الحي , ولا حدود لسعة الأذن الإلهي . . يوم القيامة سينفخ إسرافيل فى الصور ( البوق ) فيصعق من فى السموات والأرض , لا بالنفخة وإنما بالإذن الإلهي . . يقول سبحانه وتعالى : ” ونفخ فى الصور فصعق من فى السموات ومن فى الأرض إلا من شاء الله ” , ثم يأذن له مره أخرى فينفخ فى الصور نفسه فيحيا من صعق مره أخرى .
يقول سبحانه وتعالى : ” ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون ” ما أحياهم البوق وإنما أحياهم الإذن الإلهى .
وإنفلق البحر لموسى عليه السلام عندما ضرب بالعصي فكان كل فرق كالطود العظيم , لا بالعصي إنفلق ولا بموسى إنفلق ولكن بالإذن الإلهي إنفلق أوبالأمر الإلهي كما فى قوله سبحانه وتعالى : ” اضرب بعصاك البحر فإنفلق فكان كل فرق كالطود العظيم ” .
إن الله هو الملك المتصرف القادر . . لا يتم شيء فى الوجود إلا بإذنه وإرادته وأمره وقدرته , هو سبحانه وتعالى المانح للإذن والقادر على نزعه أوسلبه أوتجريده , يقول سبحانه وتعالى : ” قل اللهم مالك الملك تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير ” وحجة المعترضين على التوسل هى : لا تجعل بينك وبين الله واسطة , نحن لم نخلق هذه الواسطة . . الله هو الذى جعل بينه وبيننا واسطة , وهى هنا صلى الله عليه وسلم , يقول سبحانه وتعالى : ” ما على الرسول إلا بالبلاغ ” ويخشى المعترضون على التوسل أن يخلط العامة بين الواسطة ومصدرها فيضلوا , يقول سبحانه وتعالى : ” ولو أنهم أذ ظلموا أنفسهم جاؤك فاستغفروا الله , واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيماً ” وكأنها مسألة حسابيه تكتب هكذا :
جاؤك + استغفروا الله + استغفر لهم الرسول = لوجدوا الله توابا رحيما .
لو سقط من رأس المعادلة مقدار أختلت تماما لابد من أن يأتوا للرسول وأن يستغفروا الله . . وإن يستغفر لهم الرسول . . ليجدوا الله توابا رحيما .
لكن المنافقين أبوا أن يذهبوا إلى الرسول وقالوا : كيف نذهب إلى بشر مثلنا ؟ فلنستغفر الله مباشرة دون واسطة ولا داعى للذهاب إليه صلى الله عليه وسلم , قالوا ذلك وهم يتصورون أنهم سيحصلون على نتيجة المعادلة ” لوجدوا الله تواباً رحيماً ” وقد قبل الرسول أن يستغفر لهم عن بعد لكن حكم الله هو حكم الله يقول سبحانه وتعالى : ” وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رؤوسهم ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون سواء عليهم استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم إن الله لا يهدى القوم الفاسقين ” هذا هو الفسق التكبر على الإتيان إلى رسول الله ورفض منحه إلهيه وهى التوسل إلى الله برسوله صلى الله عليه وسلم
ويفسر الذين يحرمون التوسل قول الله تعالى : ” وإذا سألك عبادي عنى فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان ” يفسرونه على عدم التوسل برسول الله مع أنه عين التوسل به صلى الله عليه وسلم فالله سبحانه وتعالى يقول : ” وإذا سألك عبادي عنى ” ولم يقل ” وإذا بحث عبادى عنى ” إذن فشرط أن يكون الله قريباً من عباده أن يأتوا ويسألوا رسوله الكريم عنه سبحانه وتعالى , إن شرط إجابة الدعوة هنا أن يأتوا إلى الرسول ويسألوه عن الله سبحانه وتعالى , إن سرعة تفسير كلام الله تضعنا فى خطأ قد يتجاوز حدود ما يمكن قبوله . .
 
ولا حول ولا قوة إلا بالله