متى لا يحاسب الله رجلاً قال : أنت عبدي وأنا ربك

الفجر العدد 152
12/5/2008

يصرخ الرجل في ابنه غاضباً : ” لا أنت ابني ولا أعرفك ” .. الجملة شهيرة في الحياة وفي الدراما .. فهل يقصد الرجل أن زوجته خائنة وابنه ابن حرام ؟ .. هل تعد جملته نوعاً من قذف المحصنات يجب عقابه عليها ؟ .
يشتد انفعال الرجل وهو يقول تدليلاً على صدقه : ” وحياة أبويا أن الرواية التي أرويها صحيحة”  .. فهل قسمه بغير الله نوع من الشرك بالله ؟ .. هل رفع مرتبة أبيه إلى مستوى القسم كفر يستحق عليه الحساب ؟ .
لا تنزعج .. لا تجزع .. ليس على مثل هذه التجاوزات عقاب .. فهي تدخل تحت بند اللمم .. يقول سبحانه وتعالى : [ الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَآئِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْـمَغْفِرَةِ ] (32 النجم).
وقد فسر البعض اللمم على أنه الذنوب الصغيرة .. وهو ما لا يقبله الشرع .. فلا فرق بين ذنب كبير وذنب صغير .. فالذنب ذنب .. تماماً مثل الموت .. فالموت موت سواء كان بسكين أو بقنبلة نووية .. لا موت صغير وموت كبير .
البعض قال ( سامحه الله ) إن القبلة هي لمم المعاشرة .. والرشوة لمم السرقة المسلحة .. واللكمة لمم القتل .. وهو أمر يستحيل قبوله .. فاللمم هو زلة اللسان .. أن يسبق لسانك تفكيرك فينطق بما لا يريد .. ينطق كفراً مثلا .. هنا تتسع رحمة الله .. وتتجلى مغفرته .. فالله لا يحاسب الإنسان إلا إذا كان يعلم ما يقول ويستطيع ألا يقول .. لكن .. سبحانه وتعالى لا يحاسب الإنسان إذا كان لا يعلم .. أو أن لسانه سبق نيته .. أو خالفها .
وكما ورد فى الحديث الشريف لحضرة النبي عليه الصلاة والسلام في صحيح مسلم – الجزء (4) ، ص (2104-2105) :
7 – ( 2747 ) حدثنا محمد بن الصَّبَّاح وزُهَيْرُ بن حرب قالا حدثنا عمر بن يونس حدثنا عكرمة بن عَمَّار حدثنا إسحاق بن عبد لله بن طلحة حدثنا أنس بن مالك وهو عَمُّهُ قال :    قال رسول الله ^ : (للهُ أشدُّ فرحاً بتوبةِ عبدهِ حين يَتُوبُ إليه من أَحَدِكُمْ كان على راحلته بأرض فَلاةٍ فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها فأتى شجرة فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته فبينا هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده فأخذ بِخطَامَها ثم قال من شدة الفرح اللهم أَنْتَ عَبْديِ وأنا ربُّك أخطأ من شدةِ الفرحِ ) .
 .. قالها من شدة فرحه .. هذا يسمى عند الصوفية لسان حال .. من يسمعه يعتقد أنه أخطأ .. وعند غير الصوفية يسمى سبق اللسان .. أو لمم .
هل يحاسب الله على ذلك .. لقد تجاوز الرجل ما يقوله الكافر .. الكافر يقول لله أنت لست ربي ..لكن الرجل قال لله:أنا ربك .. وأنت عبدي .. إن ذلك مثل الذي قال لابنه : أنت لست ابني .. لاجناح عليهما .. فهذا لمم.. والله واسع المغفرة .. ويعلم ما يحاسب عليه وما لا يحاسب عليه .
واللمم يمكن أن يحدث بين الناس أيضاً .. فمن يلقي النكات على الصعايده وهو صعيدي يرتكب اللمم فهو لا يقصد ما في النكتة وإنما يقصد الفكاهه .. وعندما ننتقد شيخ الأزهر بغير تعمد لا يعد إهانة وإنما لمم لأنه أكثر من غيره سماحة لمغفرته .. وحدث ذات مرة في برنامج ” النادي الدولي ” أن قالت راقصة إنها من ميت أبو الكوم .. فقال لها مقدم البرنامج بلديات الرئيس .. فأوقف الرئيس السادات البرنامج .. لم يكن المذيع يقصد الإهانة .. وإنما وقع في اللمم .
إن اللمم قد يحدث بين الرجل وزوجته .. بين الشيخ وأتباعه .. بين المحكوم والحاكم .. إنها سقطات اللسان والكلام بحسن نية الذي قد يأخذه البعض على سبيل الدعابة ويكره قائله وقد يأخذها على سبيل البغضاء ويضر قائله .. أما بالنسبة لله سبحانه وتعالى فلا حب ولا كراهية .. لكن .. علمه بالنوايا مع سعة مغفرته يعيد الأمور إلى حقيقتها ونصابها .
لو طبيب علاج طبيعي وصف حركات الصلاة لمريض قائلاً : أديها خمس مرات وأنت تعد من واحد إلى مائة .. روشتة علاج .. هناك من سيعتبر ذلك تعديلاً في الصلاة ويطلب بقطع رقبة الطبيب والمريض .. وهناك من سيعتبرها نعمة من الله وعلامة من العلامات الحسنة ويقول : سبحان الله الذي جعل الشفاء في حركات تشبه حركات الصلاة .. التفسير هنا حسب الميول الشخصية والنفسية والعقلية .. على أن الله لا يعرف مثل هذه التفسيرات .. الله واسع العلم و واسع الرحمة وعلمه سبق الإرادة على عكسنا حيث تسبق إرادتنا علمنا .. وبالتالي فإن رحمة الله تسبق غضبه . إن اللمم يشبه كسور الأرقام .. مليون جنيه وخمسة قروش .. تقول مليون جنيه فقط .
. فالخمسة قروش هي اللمم الذي يسقطه الله من حسابه لعلمه بحسن نيتنا ولسعة رحمته ومغفرته

ولا حول ولا قوة إلا بالله