كيف يكون الأبن عدواً لأبيه؟

الفجر العدد 168
1/9/2008

ما نختال به . . قد يصبح عبئاً علينا . . فالمال والبنون زينة الحياة الدنيا . . وهما فى موضع آخر من كتاب الله . فتنه . . [ إِنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ ] (15 التغابن) . . والفتنه تأتى دائماً من الزينه . . زينة الحياة الدنيا .
يقول سبحانه وتعالى : [ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ وَءَاتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُوْلِى الْقُوَّةِ ] (76 القصص) . . إن هذا المال كان فتنه . . بسبب الزينه . .
[ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ ] (79 القصص).
وكلمة فتنه قد تعنى الإختبار . . الذهب يفتن بالنار . . يختبر بالنار . . وقد تعنى التباس الحق بالباطل . . قال سبحانه وتعالى : [ كُلَّ مَا رُدُّوٓاْ إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُواْ فِيهَا ] (91 النساء) . . وقعوا فيها .
والزينه ليست باقيه . . المال والبنون زينه . . ليس هناك ما يخلد وجودهما فى حياة الإنسان . . الزينه زائله . . ومن إعتمد على شىء يزول فقد فتن . . فكتاب الله يضيف بعد وصف المال والبنون بزينة الحياة الدنيا . .أن [ الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً ] (46 الكهف) . . وهو ما يعنى أن المال والبنون ليسا من الباقيات الصالحات إلا إذا كانا فى سبيل الله . . المال يصبح صدقه جاريه . . والبنون يكونون صالحين يدعون لآبائهم . . حسب قول رسول الله ^
وفي صحيح مسلم الجزء (3) ص (1255):
14 – ( 1631 ) حدثنا يحيى بن أيوب وقُتيبة ( يعني ابن سعيد ) وابن حجر قالوا حدثنا إسماعيل ( هو ابن جعفر ) عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة
: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له)
لكن لو إستغنى الإنسان بماله . . أو أستعلى بعلمه . . أو إستكثر بذريته . . فقد وضع نفسه فى شر الفتنه . . لقوله تعالى : [ ذَرْنِى وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَّـمْدُوداً * وَبَنِينَ شُهُوداً * وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيداً * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ ] (11-15 المدثر) . . [ سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً ] (17المدثر).
والفتنه اختبار . . لكنه اختبار غير مضمون النتائج . . وجمعها فتن . . لكن . . فى المقابل هناك ما يسمى بالفتون . . والفتون إختبار مضمون النتيجه . . إمتحان يعرف صاحبه أنه سيجتازه . . سيجتازه .
يقول سبحانه وتعالى : [ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً ] (40 طه) . . ولم يقل وفتناك فتناً . . أى وضعناك فى إختبار لكنه مضمون . . والإختبارات المضمونه تذكير للبشر بأنهم بشر مهما كانت مرتبتهم . . تذكير لهم بأنهم مهما كانوا فهم فى النهايه عبيد لله . . يغتر إبنك ببراعته فى علم الرياضيات فتطلب منه حل مسأله صعبه يفشل فيها فتعيده إلى رشده .
إن هذه المسأله الصعبه وضعها الله أمام سيدنا موسى من خلال قصته الشهيره مع سيدنا الخضر . . هناك فرق بينهما . . الخضر ولى . . موسى نبى ورسول ومن أولى العزم وهى مرتبه عليا من مراتب النبوه .
أراد الله أن يعلّم موسى على يد الخضر الذى يصفه بأنه عبد من عبادنا آتيناه رحمة وعلمناه من لدنا علماً . . سأله سيدنا موسى : [ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً  ] (66 الكهف) . . وكأنه يطلب منه أن يتتلمذ على يديه . . قال الخضر وهو يسمى بالعبد الصالح : [ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْراً * وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً ] (68،67 الكهف) . . وإستمر الحوار بينهما برقى يصعب تكراره .
النبي : [ سَتَجِدُنِى إِن شَآءَ اللهُ صَابِراً وَلَآ أَعْصِى لَكَ أَمْراً ] (69 الكهف).
الولى : [ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِى فَلَا تَسْئَلْنِى عَن شَىْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً ] (70 الكهف).
وافق موسى و انطلقا حتى إذا ركبا السفينة خرقها الخضر فقال موسى النبي : أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئاً إمراً .
الولى : [ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْراً ] (72 الكهف).
النبي : [ لَا تُؤَاخِذْنِى بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِى مِنْ أَمْرِى عُسْراً ] (73 الكهف).
[ فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَاماً فَقَتَلَهُ ] (74 الكهف) ( الخضر ) فستعجبه موسى النبي قائلاً :
[ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً ] (74 الكهف).
الولى : [ أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْراً ] (75 الكهف)؟
النبي : [ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَىْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِى قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّى عُذْراً ] (76 الكهف).
و انطلقا من جديد ودخلا قرية طلبا طعاماً من أهلها فلم يستجيبوا ورغم ذلك قام الخضر ببناء جدار يريد أن ينقض فظن موسى أن الدخول فى هذا الأمر ممكن :
النبي : [ لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً ] (77 الكهف).
الولى : [ قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِى وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً ] (78الكهف).
وراح الخضر يفسر الأمر كما نعرفه . . لكن . . ما نريده هنا هو أن نثبت كيف أراد الله أن يعلم موسى ويضعه فى امتحان من نوع الفتون وليس الفتن .
هذه بعض الفتون التى فتن بها الله سيدنا موسى . . ليس من باب الغضب و إنما من باب التعليم و التربيه و المحبه حتى يظل ملازماً لكونه عبداً لرب قادر على الهبه و المنع .
وليس كل زينه ضد و إنما الزينه الضد هى زينة من اغتر بزينته فى الدنيا وهو ما يفقده الزينه فى الآخره . . فمن استغل زينته فى الدنيا استغلالا صحيحاً ظلت له ثواباً و أملاً فى الآخره .
أما كيف يصبح الأزواج والأولاد أعداء لنا فإن ذلك يحدث بالفتنه . . مثل إمرأة نوح . . وإمرأة لوط . . كل منهما كانت زوجة نبى . . ورغم ذلك كانت عدوة له . . وعندما يصل الأمر إلى هذا المستوى من الأنبياء فلا يصعب أن يحدث ذلك للبشر . . فكم وجدنا أبناء يقتلون أبائهم . . وزوجات يحرضن على أزواجهن . . وسبحان الله .

ولا حول ولا قوة إلا بالله