الوهابية والشيعة والصوفية والأغلبية الطيبة

الفجر العدد 164
4/8/2008

الوهابية يحبون الصحابة وينكرون أهل البيت والشيعة يحبون أهل البيت وينكرون الصحابة والصوفية يحبون أهل البيت ويوقرون الصحابة .
المتساهل شخص يكتب على زجاجة خمر كلمة حليب . . والمتشدد شخص يكتب على زجاجة ماء كلمة خمر . . والمعتدل شخص يفصل بين الحلال والحرام ويعطى ما لقيصر لقيصر وما لله لله .
لقد فرضت هذه الاتجاهات الثلاثة نفسها على الأمة الإسلامية وراح كل منها يستقطب بعضاً من السواد الأعظم الذي لا حول ولا قوة ليشده إليه ويطويه تحت جناحيه .
إن الاتجاه الأول وهو الوهابية وما في حكمها من جماعات متشددة ومتطرفة حرمت علينا عيشتنا نجدها تحترم الصحابه وينالون من أهل البيت .
وورد فى سنن ابن ماجة الجزء (1) ص(43)
116 – حدثنا علي بن محمد . ثنا أبو الحسين . أخبرني حماد بن سلمة عن علي بن زيد بن جدعان عن عدي بن ثابت عن البراء بن عازب قال : أقبلنا مع رسول الله ^ في حجته التي حج . فنزل في بعض الطريق . فأمر الصلاة جامعة . فأخذ بيد علي فقال ( ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ ) قالوا بلى . قال ( ألست أولى بكل مؤمن من نفسه ؟ ) قالوا بلى . قال ( فهذا ولي من أنا مولاه . اللهم والِ من وَالاهُ . اللهم عاد من عاداهُ).
والاتجاه الثاني و هو الشيعة فنجد العكس . . يقدسون أهل البيت وينالون من الصحابة وكما ورد فى سنن ابن ماجه فى الجزء (1) ص(57) :
161 – حدثنا محمد بن الصباح . ثنا جرير . ح وحدثنا علي بن محمد . حدثنا وكيع . ح وثنا أبو كريب . ثنا أبو معاوية . جميعا عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال
قال رسول الله ^ ( لا تسبوا أصحأبي . فو الذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أُحُدٍ ذهبا ما أدرك مُدَّ أحدهم ولا نصيفه) .
والشيعه كلمه تأخذ أكثر من معنى . . فهى تعنى أحياناً الأهل والأقارب والأنصار . . كما في قوله سبحانه وتعالى لسيدنا موسى :  [ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِى مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِى مِنْ عَدُوِّهِ ] (15 القصص) . . أو قوله سبحانه وتعالى : [ وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ ] (83 الصافات) . . لكن في موضع من القرآن آخر نقرأ: [الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبِ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ] (32 الروم) . . الكلمة نفسها لا تسبب مشكله في استخدامها .
أما الاتجاه الثالث وهو الصوفية فيحبون أهل البيت بنفس القدر الذى يحبون به الصحابة ويحترمون الصحابة بقدر تعظيمهم لأهل البيت بل إنهم يعتبرون كل صحابي هو من أهل البيت وكل أهل البيت هم صحابه .
ويبقى الاتجاه الرابع وهو العامة الذين لا يعرفون التفرقة بين الاتجاهات السابقة. . بل أكثر من ذلك تسعى إليهم تلك الاتجاهات ويحاول كل منها شدهم إليها . . الوهابية تتمسك بالتفسير الظاهري للنص . . والشيعة الذين يصرون على التفسير الباطني للنص . . والصوفية التي ترى أن العبرة بالعلاقة بين الإنسان وربه وليست بين اتجاه وآخر .
والمنصف من العامة لا يعجبه في الشيعة موقفهم من الصحابة ولا يعجبه في الوهابية موقفهم
ويدرك بسهوله أن الوهابية تكره الصوفية بسبب حبهم لآل البيت وأن الشيعة تكره الصوفية بسبب حبهم للصحابة مع أن المفروض أن الوهابية يحبون الصوفية لحبهم للصحابة والمفروض أن الشيعة يحبون الصوفية لحبهم لآل البيت .
. ولكن . . ذلك لا يحدث . . فكل اتجاه يرى إنه يملك الحقيقة وحده .
ولا جدال أن المتشددين في الدين مثل الوهابية لم يأتوا بتشددهم من عندهم وإنما أتوا به من آيات قرآنيه تتكلم على العذاب بكل أشكاله وفي كل مواقعه . . وكذلك المبشٍرون لم يأتوا بالتسهيل من عندهم وإنما جاءوا به من آيات الرحمة والكرم والعفو والتوبة .
وخطأ كل فريق هو إطلاقه لما يتبنى . . فالإطلاق مستحيل . . لا أحد يكتفي بوصف الله بالمنتقم طوال الوقت دون أن يتحدث عن عفوه ورحمته . . وكذلك من يتحدث عن عفو الله ورحمته طوال الوقت وينسى أنه منتقم وجبار . . الاكتفاء بنصف الكوب فيه إشارة نقص إلى الله . . أستغفر الله . . فلو قلنا الله معط لابد أن نشير إلى أنه مانع أيضاً . . ولو قلنا جبار لكان علينا ألا ننسى أنه رحيم أيضا..الإطلاق في الأحكام خطأ ونقص .
لقد أخذ الشيعة جانباً من الإسلام وأخذ الوهابية جانباً آخر . . بينما قطار الإسلام يحتاج إلى جانبين وقضيبين ليسير عليهما .
هذه هى الوسطية التى لا تميل إلى جانب على حساب جانب آخر . . فلو أطلقنا صفه التوبة زال عنا الخوف من مكر الله . . ولو أطلقنا صفات شدة العقاب لقنط الناس من رحمة الله .
لا يجرنا الخوف من الله إلى أن نقنط من رحمته ولا يجرنا الشعور بعفو الله وكرمه وإحسانه إلى أن نأمن مكره . . لابد أن نكون معتدلين بحيث لا نميل إلى الرحمة وننسى الجانب الآخر . أو نميل إلى القسوة وننسى الجانب الآخر . . احذر أن يجرك الخوف من الله إلى القنوط من رحمته أو تجرك الرحمة إلى أن تأمن مكره سبحانه وتعالى .
ولو كانت الوهابية تريد إقامة الدولة السنية وإن الشيعة تريد إقامة الدولة الشيعية فإن الصوفية تريد أن تعبد الله ولا تتوقف عن ذكره . . فهى تهدف إلى محبه الله .
يقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم : [ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِى اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ] (54 المائدة) . . ويقول : [ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللهُ ] (31 آل عمران).
ورغم ذلك فإن المتشددين يتهمون الصوفية بالسلبية لأنهم لا يشاركون في أهدافهم الإنقلابية والتكفيرية . . وفي الوقت نفسه يعتبر الشيعة الصوفية نوعاً من التقية والتقية مبدأ يسمح بأن نقول على غير ما نؤمن ونعتقد تجنباً للبطش.
أما العامة فيأخذون على الصوفية ما حولها من مظاهر سلبيه يجدونها في الموالد  مثل الأصنام التي كانت موجودة حول الكعبة . . إن تلك الأصنام حرام ولكنها لا تفقد الكعبة احترامها . إن تلك المظاهر الموجودة في الموالد كالذباب والكلاب التى تتقاتل على محل الجزارة . . منظرها سيء ولكنه لا يحرم اللحم في حد ذاته . . المظاهر الموجودة لا تعيب الموالد نفسها . . فلو جارى عاص فليس معناه إنني عاص مثله . . الأمر يحتاج إلى تريث وهدوء شديد .
ولو كانت الوهابية تعبر عن التشدد فقد خرج من بطنها وصلبها عشرات التنظيمات والجماعات والتيارات المتطرفة التي تختلف بين بعضها البعض . . كما أن الشيعة ليست جماعه واحده فهم يختلفون فيما بينهم . . إن من السهل القول إن الوهابية متشددون فيما بينهم والشيعة مختلفون بين بعضهم البعض أما الصوفية فمختلفون عن بعضهم البعض . . وهناك فرق بين أن تختلف مع غيرك وتختلف عنه . . وهو ما يفسر تعدد الطرق الصوفية .
عندما فرض الله علينا الصلاة علمنا النبي كيف نصلى فكانت هناك بعض الاختلافات البسيطة . . لكن عندما فرض علينا الله الصيام وحدد لنا كيفيته لم نختلف فيما بيننا . . وكذلك الحج . . حدده الله فلم نختلف فيه . . لكن . . عندما فرض الله علينا الذكر لم يحدده ولم يذكر كيفيته . . وهذا ليس نسياناً ولا تقصيراً من الله ورسوله و إنما ليجعل لأهل الذكر الطريقة التي تناسب كلا منهم للذكر . . فكل ولى من الأولياء أخذ طريقه في الذكر . . فلا أحد يقدر على ذكر الله بكل الصور وبكل الطرق .
إن الذكر مثل الذبيحة فيها تخصصات كثيرة مختلفة ومتنوعة فهناك من تخصص في اللحم وهناك من تخصص في الأحشاء وهناك من تخصص في الفراء وكل هؤلاء لا يتبعون جزاراً واحداً . . لكن كل ذلك في النهايه حلال .
الطرق الصوفية تشبه طرق الطهي . . كل الطهي حلال وإن أختلف الأسلوب . . وهى أيضاً تشبه طرق التدريس . . كل معلم وله أسلوب . . وكل شيخ وله طريقه.. وهو في الوقت نفسه لا ينكر الطرق الأخرى. . ففي الحديث الشريف الذي ورد في صحيح البخاري – الجزء (3) ، ص (326) :
4949 – حدثنا آدم حدثنا شعبة عن الأعمش قال سمعت سعد بن عبيدة يحدث عن أبي    عبد الرحمن السُّلَمِي عن علي رضي الله عنه قال: كان النبي ^ في جنازة فأخذ شيئا فجعل ينكُتُ به الأرض فقال:  ( ما منكم من أحد إلا وقد كُتب مقعده من النار ومقعده من الجنة ) . قالوا: يا رسول الله أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل ؟ قال: ( اعملوا فكل مُيسَّر لما خلق له أما من كان من أهل السعادة فييسر لعمل أهل السعادة وأما من كان من أهل الشقاء فيُيَسَّر لعمل أهل الشقاوة . ثم قرأ: { فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى } ) . الآية
.. هم مختلفون عن بعضهم وليس مع بعضهم

ولا حول ولا قوة إلا بالله