الحجاب لا يستر عورات الفقر والقهر والفساد

صوت الأمة العدد 163
12/1/2004

يصعب علي ” الحرية ” أن تسرف في عرض مفاتنها وأنوثتها وتقاطيع وجهها   الجميل في منطقة تصر علي الفردية .. والفاشية .. والغوغائية .. والشيزوفرينية .. وتحكمها العادات الجاهلية يصعب علي الحرية ان تعبر عن نفسها بحرية والا دلقوا عليها صفيحة بنزين .. واحرقوها حية ..
 ان الحرية فعل من افعال الحضارة .. يقف بالطبيعة مع الشمس ضد العتمه .. ومع الزهرة ضد المسدس .. ومع الحب ضد الكراهية .. ومع اليبرالية ضد الدكتاتورية .. ومع الحوار ضد الأوامر العسكرية .. ومع المشنوق ضد حبل المشنقة .. ومع التفاهم ضد التحريض العشوائي الذي يهيج مشاعر الناس الدينية .. ويفقدهم القدرة علي السمع والرؤية والفهم والتمييز .. ويضعهم في خانة التضليل .
لقد كان التضليل واضحا والخلط متعمدا والغضب مصطنعا في غالبية ما قيل وما نشر في قضية الحجاب الإسلامي  في فرنسا .. وموقف شيخ الأزهر الشيخ سيد طنطاوي منها .. كانت هناك قنابل دخان مسيلة للدموع أطلقت بكثافة لتغطية الحقيقة وخنقها والقضاء عليها وعزلها عن أنصارها والمؤمنين بها .
الحقيقة : ان فرنسا لم تعلن تحريم الحجاب ولم تجرمه ولم تكون فرقه من الشرطة الدينية تطارد كل امرأة مسلمة ترتديه ولم تقم بنزعه عنوة من رأسها .. ولم تطعن في الإسلام .. ولم تغلق مساجد الصلاة فيه .. ولم تسبه كما فعل واحد من ابنائه هو سلمان رشدي .. الحقيقة : أنها قررت منع مظاهر التمييز الديني في مدارسها الحكومية (400مدرسة) صليب المسيحيين .. طاقية اليهود.. الياموكة .. وحجاب المسلمين .. فمثل هذه المظاهر تسبب فتننا طائفية بين أجيالها الجديدة يمكن ان تؤدي فيما بعد إلى حروب دينية .. ان ذلك يشبه قرار وزير الداخلية المصري منذ سنوات بمنع ملصقات السيارات التي كانت تشير إلى ديانة أصحابها .. الصليب .. الشهادة .. ويشبه قرار وزير التعليم العالي بمنع المنقبات من دخول الجامعات .. فلماذا قبلنا  بمثل هذه القرارات وتحمسنا لها حفاظا علي الآمن القومي المصري ؟ .. ولماذا نرفضها في دولة اخري ليس من حقنا التدخل في شئونها الداخلية ؟ .
وكما ورد فى الحديث الشريف في مصنف ابن أبي شيبة – الجزء (15)، ص (598):
30988 – حدثنا عفان قال:حدثنا جعفر بن سليمان قال حدثنا زكريا قال سمعت الحسن يقول إن الإيمان ليس بالتحلي ولا بالتمني إنما الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل .
إنما الإيمان ما وقر في القلب .. الإيمان ليس ما وقر في اللحية .. أو السروال .. أو السواك .. أو الطرحة .. أو السبحة .. يقول سبحانه وتعالي [ لَآ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ] (256 البقرة) .. ويقول [ وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ ] (29 الكهف)  .. منتهي الحرية .. منتهي السماحة .. لكن.. اغلب الناس يصرخون .. ينفجرون .. يحرضون .. يهيجون .. وفي الوقت نفسه لا يفهمون .
وليس هناك خطر علي الإسلام مهما كانت البيئة الصارمة والمعادية التي يعيش فيها المسلمون .. فاركان الإسلام واعمدته لا تحتاج إلى مظاهرة .. ويمكن التمسك بها في سكون .. ودون استفزاز .. فشهادة ألا اله الا الله وان محمد رسول الله يمكن ان تنطق سرا ولا يشترط النطق بها جهرا .. ويقول سبحانه وتعالي .. [ وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ ءَالِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ ] (28 غافر) .. والصلاة يمكن أن تؤدي في البيوت .. والصيام لا يكشف عن صاحبه .. والزكاة يمكن ان تؤدي علنا .. ويبقي الحج .. وهو لمن استطاع إليه سبيلا .. والاستطاعة هنا ليست مادية فقط وانما سياسية أيضا .. فلو كان المسلم يعيش في دولة تضطهد المسلمين ويصعب عليه الخروج منها لتأدية فريضة الحج فلا ذنب عليه ولا عقاب .. لا نطالبه بالتسلل ليلا والسفر سرا .. ولا نطالبه بخطف طائرة وتوجيهها الي مكة المكرمة.. ان وجوده في هذه الدولة يسقط عنه التكليف .. فالقاعدة الفقهية الشرعية هنا .. ” إذا سلب الله ما وهب سقط عن العبد ما وجب” .. فلو سلب الله العقل سقط تكليف الصلاة .. واذا سلب المال سقط تكليف الزكاة .. واذا سلب الحركة سقط تكليف الحج .. ان الإنسان اذا علم بتكليف واستطاع تأديته فهو مكلف مخير محاسب .. فالشرطان هنا العلم والاستطلاع والا يكون مسيرا مسامحا ومعفي من التكليف .
يمكن للمسلم أن يمارس عباداته دون تفريط مهما كانت طبيعة الدولة التي يعيش فيها …ولا مبرر لتصديق وهم الخطر على الإسلام فالخطر على الإسلام يأتي من المسلمين اكثر مما يأتي من غيرهم .. يأتي من المظاهرات الغوغائية التي نخرج بها على العالم ونحن نناقش قضايانا … يأتي من الإصرار على التمسك بالشكل و ترك الجوهر.. يأتي من ترك القضايا المصيرية وتضييع الوقت والجهد في قضايا وهمية .
لقد روى اكثر من رحالة أوروبي قصة الداعية الإسلامي الذي ذهب لهداية قبيلة أفريقية وثنية لم يتحدث الداعية عن سماحة الإسلام ولا قدرته على مد جسور المودة والتواصل الاجتماعي ولا رحمته بالعالمين ( وليس المسلمين فقط ) وانما تحدث عن الختان شرطا لدخول الإسلام .. وعندما سأله شيخ القبيلة عما يقصده بالختان قال : أن تقطع جزءا من عضو حساس فى جسدك .. فغضب الرجل من فكرة كشف عورته علنا لقطع جزء منها وسأله: ولو دخلت الإسلام ثم تركته فما هو مصيري ؟ .. قال الداعية فى هذه الحالة تكون مرتدا ونقطع رقبتك .. فقال الرجل ساخرا : يعنى لو دخلت الإسلام تقطعون عورتي ولو خرجت منه تقطعون رقبتي ..  فرد الشيخ: ولو عرفت امرأة غير زوجتك نرجمك .. فنظر الرجل إلى حريمه قائلا : أن الشرك بالنسبة لى احب من الاعتراف بدين من أديان السماء ان الإسلام لو عرض على هذا الرجل بطريقة صحيحة فانه بالقطع كان سينتمي إليه هو وقبيلته .. كان الإسلام سيكسب أنصارا لا يعرفونه فى مكان مجهول على سطح الأرض .. لكن الذين لا يرون فى الإسلام الا ما يتصل بالعورة كفيلون بقتل الرحمة .. وسد منافذ الإيمان بالضبة والمفتاح وختمها بالشمع الاحمر .. وتشويه صورة دين الله الحنيف .
لقد تسبب اقتراب ارييل شارون من المسجد الأقصى فى إشعال غضب الانتفاضة وتفجير برك الدم وبناء سدود من جثث القتلة .. ولو وقعت هذه الحادثة أيام النبي ^ لخرج رئيس الوزراء الإسرائيلي من المكان الطاهر الذي وقف فيه مسلما .. لقد كان النبي وصاحبته فى المسجد عندما وجدوا رجلا مشركا يدخل عليهم ويتجه الى القبلة ويتبول فيها .. ولما هم الصحابة بمنعه وضربه قال لهم النبى في الحديث الشريف الذي ورد في صحيح البخاري – الجزء (4) ، ص (114) :
6128 – حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزُّهريِّ ( ح ) . وقال الليث حدثني يونس عن ابن شهاب أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن أبا هريرة أخبره: أن أعرابيا بال في المسجد فثار إليه الناس ليقعوا به فقال لهم رسول الله ^ : ( دعوه وهريقوا على بوله ذَنوباً من ماء -أو سجلاً من ماء- فإنما بُعثتم ميسرين ولم تُبعثوا معسرين).
: ( اتركوه .. لا تقطعوا عليه بولته ..فتؤذيه ) .. وبعد ان انتهى الرجل قال النبي لصحابته: هريقوا على ما فعل دلوا من الماء… فقال الرجل: سمعت انك بالمؤمنين رؤوف رحيم فقلت هذا امر عادى ان يكون رحيما باتباعه .. فلما سمعت انك رحمة بالعالمين قلت انا من العالمين ولاختبر رحمتك بالعالمين ففعلت ما فعلت .. والان كيف اكون من المؤمنين الذين أنت بهم رءوف رحيم… فقال النبى: ( اشهد ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله ) … فشهد الرجل واسلم .
والرحمة فى الإسلام تفتح كل النوافذ والأبواب وتزيل الحوائط والجدران .. فلا يشعر الناس بالضغط عليهم .. ولا بالقهر بسبب إيمانهم .. مهما كانت الظروف صارمة وقاسية ..  ان ذلك ما يسمى بفقه الضرورة .. يقول الله سبحانه وتعالى : [ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْـمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ ] (173 البقرة) الا فى حالة الاضطرار .. او الضرورة .. وحالة الضرورة في الإسلام تقدر بقدرها .. كل حالة على حده .. لا نستطيع أن نضع للناس جميعا قاعدة ثابتة تخصهم . ان الشخص وحده هو الذى يقدر بنفسه انه مضطر .. فقدرة الناس على تحمل الجوع وعدم اكل المحرمات تختلف من شخص الى اخر .. هناك من يتحمل ساعة .. وهناك من يتحمل اسبوعا .. وهناك من هو مستعد ان يموت ولا يفرط فى شيء .
وتمنح حالة الضرورة رجال المخابرات الحق فى شرب الخمر وارتكاب فعل الزنى لو فرض عمله عليه ذلك ولا مفر امامه انقاذا لحياته او تنفيذا لمهمته .. وتمنح حالة الضرورة رخصة قتل النفس فى حالة الاستشهاد .. ورخصة قتل الغير على عمليات المقاومة التى تجرى فى فلسطين والعراق ومن ثم فان الضرورة تقدر بقدرها وليست هناك قاعدة عامة تحكمها .. او تفرضها .. او تجبر الكل عليها .
وتمنح حالة الضرورة بنات المسلمين فى فرنسا وعلى غيرها عدم الالتزام بالحجاب .. دون الاخلال بشرعيته .. بل تمنح حالة الضرورة زوجات سفراء الدول الاسلامية في دول العالم المختلفة خلع الحجاب لو اقتضت مصالح بلادهم القومية ذلك.. وهو بالضبط ما قاله شيخ الازهر.. فهو لم ينكر ان الحجاب فرض.. واعلن ذلك بالثلاثة.. لكنه.. فى الوقت نفسه اعفى المسلمات منه برخصة الضرورة..فقامت القيامة عليه وابتسر كلامه.. وهوجم على جزء منه.. علي طريقة لا تقربوا الصلاة .. فهو لم يقل: ان الحجاب ليس فرضا..  ولم يسقطه من كلامه .. لكنه تحدث عن ضرورة خلعه حفاظا على الوجود الاجتماعى مثل ضرورة اكل الميتة والدم ولحم الخنزير حفاظا على الحياة وما لم يقله شيخ الازهر .. ان المسلمين فى فرنسا وفى غيرها الذين يرفضون رخصة الضرورة لتعليم بناتهم فى المدارس الحكومية يمكنهم اخراجهم من هذة المدارس وتعليمهن فى مدارس خاصة لا تمنع الحجاب … او يمكنهم ان يرحلوا عن هذة الدول ويعودا الى بلادهم الاصلية .. الاسلامية .. من لا يعجبه القانون فى دولة علمانية يعد الى بلاده .. يفر بدينه .. يقول سبحانه وتعالى [ إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْـمَلَآئِكَةُ ظَالِمِى أَنفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُواْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا ] (97 النساء)
لكن .. لا احد من مسلمى المهجر فى اوربا والولايات المتحدة واستراليا وامريكا اللاتينية يريد العودة الى بلاده .. فهو يتمتع بحقوق انسانية لا يجدها فى وطنه .. وهو يتمتع بكرامة بشرية لن تتوافر له اذا ما عاد .. لقد كان محققوا العمليات الارهابية يجبرون المتورطين فيها على الاعتراف فور ان يخيروهم بين ان يتكلموا او يشحنوا الى بلادهم ليتعرضوا الى التعذيب والتنكيل .. ان الاسلام هنا .. لكنه معطل .. ويتم .. وضائع فى امور شكلية تؤخر ولا تقدم .. والمسلمون هناك سلوكا وفعلا حتى لو كانو غير ذلك .
ان من اللافت للنظر ان المساجد تنفجر بالمصلين والميكروفونات تدعو الناس للصلاة باعلى صوت فى كل مكان خمس مرات فى اليوم ، والحجاب والنقاب واللحية والسروال القصير والمسبحة مظاهر متوافرة فى كل شبر .. لكن .. ما هو ضائع .. وتائه .. وصعب العثور عليه .. هو كل ما يمت لقيم الدين وجوهره بصلة .
 الفساد بضاعة متوافرة .. الكذب عملة رائجة .. الغش صفة غالية .. النصب وسيلة سائدة .. فاين الاسلام الذى يدعو الى الرحمة والعدل ونصرة الضعيف والمظلوم وستر المفضوح وحماية اليتيم وحرية العقيدة ونبذ العنف ؟ .. اين هو فى ظل كل ما نسمعه وما نقرءه وما نراه من مظاهر شكلية .. خارجية ؟ .. لقد تركنا الجوهر وتمسكنا بالمظهر ..
ولقد لفت نظرى فى حملة الهجوم الضارية على شيخ الازهر ان واحدا ممن  يشاركون فيها بحماس وجنون وجنوح وصراخ وصخب كان يشغل منصبا رفيعا فى جامعة الازهر ، لم يتردد فى ان يستغله أسوأ استغلال .. مارس كل انواع الفساد المعروفة والمستورة: تسريب الامتحانات .. منح درجة الدكتوراة لمن لا يستحق .. او ارساله الى بعثات خارجية .. وكسب من وراء ذلك الملايين .. لكنه لم يشعر ان كل الموبقات التى ارتكبها حرام .. وجرائم يعاقب عليها الشرع .. ووجد نفسه يغسل سمعته وامواله بالدخول فى زفة حجاب فرنسا.. وراح يتحدث عن الفرض والسنة .. وبدا وكانه مستعد ان يقتل نفسه فى سبيلهما …. دون ان يقول لنا: كيف يطهر نفسه حقيقة من كل ما فعل وارتكب فى حق الدين والوطن ؟
وربما اكشف سرا رواه شيخ الازهر لبعض المقربين منه ويرسم بدقة مذهلة وقوف المصالح المتعارضة امام الفتاوى التى تصدر وتقرأ ..لقد بغض شيوخ الازهر الكبار فتوى اباحة فوائد البنوك التى خرجت من الشيخ سيد طنطاوى وكان غالبية هؤلاء يعملون مستشارين لبنوك اسلامية سعودية ويقبضون بالدولار .. وعندما اصيب احدهم بالشلل واقعد عن العمل ولم يعد يقبض بالدولار ذهب بنفسه الى الشيخ سيد طنطاوى ليعترف له بان فتواه عن فوائد البنوك صحيحة .. لكن الاعتراف جاء بعد فوات الاوان بعد ان انتهت المصالح الشخصية وانقضت وذهبت الى غير رجعة .
ولا جدال ان بعضا من الحملة على شيخ الازهر يشنها مشايخ يطمعون  فى منصبه ويتعمدون مخالفته فى الراى على طول الخط. لو تحدث عن حالة الضرورة فى فرنسا احتجوا عليه .. ولو رفضها اباحوها .. فهم لا يكفون عن الصراع البيروقراطى من اجل منصب اعلى او ترقية ارفع وهو امر طبيعى بعد ان حولنا الازهر من مؤسسة دينية مستقلة الى مؤسسة حكومية تخضع لقواعد الترقى والفصل .. حولنا المشايخ الى موظفين فما الذى ننتظره منهم غير ما يفعلون ؟ .. ودخل الاخوان المسلمون اللعبة ووجدوها فرصة للطعن فى الازهر وفى شيخه الجرىء .. القابض على دينه فى هذة القضية وكانه قابض على جمرة نار وهى لعبة سياسية قديمة وشهيرة يلجاء اليها الاخوان لتصفية حساباتهم مع الدولة ولفرض سلطانهم على المجتمع .. انهم متخصصون فى تفجير قضايا وهمية مثل الفوازير فى التلفزيون وبعض جمل فى رواية و خطوط عابرة فى لوحة تشكيلية .. لا هم فجروا قضية فساد .. ولا هم اقتربوا من قضية تمس الحريات .. وقد ورطوا المجتمع منذ سنوات طويلة من النمو والخير .. ثم غسلوا ايديهم من كل ما دعوا اليه .
ولو كان الذين يصرخون غيرة على حجاب الفتيات المسلمات الصغيرات فى فرنسا على حق فلماذا نظرا .. بعيدا وتركوا ما هو قريب على حاله ؟ .. لماذا تركوا تركيا وهى دولة اسلامية .. كانت فى يوم من الايام سيدة العالم الاسلامى وتاج راسه تمنع كل مظاهر الاسلام هناك .. تحرم دخول النائبات المحجبات الى البرلمان ؟.. وهناك ايضا تونس التى تحرم تشغيل المراة المحجبة فى الوظائف العامة ؟.. لماذا يكيل هؤلاء باكثر من مكيال ثم يطالبون العالم بان يكيل بمكيال واحد ؟ ان هناك خللا فى طرح القضايا العامة .. وهو خلل متعمد فيه الصراخ على طريقة : واسلاماه .. لتهييج مشاعر العامة وابعادهم عن القضايا الحقيقية : قضايا الحريات العامة التى لا نتمتع بها .. قضايا البطالة المتفشية التى سببت خرابا نفسيا وعصبيا لاجيال متتالية لشبابنا .. قضايا العدالة الاجتماعية المفقودة التى وسعت الهوة بين الطبقات وضاعفت من حجم الغل والغضب القومى بين الناس .
كنا نتوقع ان تتوحد هذة الجهود من اجل القضايا الجوهرية التى تمس صميم حياة الملايين من النساء والبنات فى بلادنا .. الم يسمع هؤلاء المتعاركون فى الساحة عن ان 82 % من الشابات اللائى يتخرجن من الجامعات والمعاهد فى بلادنا عاطلات عن العمل ولا يحصلن على اية فرصة فى اى من مجالات العمل وانهن يواجهن تهديدات الفقر والياس والمرض الجسمى والنفسى فى ظل ظروف اقتصادية تزداد سوءا تجعل حياتهن وحياة اسرهن نوعا من الجحيم اليومى .
الم يسمعوا عن ملايين البنات الصغيرات اللائى يحرمن من التعليم او ينقطعن عن الدراسة من اجل اعالة الاسرة او مساعدة اخواتهن الذكور على مواصلة التعليم تدفع بهن الحاجات الملحة الي امتهان أي حرفة في اية ورشة او يعملن خادمات في المنازل ( 98 % من خادمات المنازل فقيرات يتولين اعالة اسرهن ) . الم يسمعوا عن مئات الالاف من الشابات والبنات الصغيرات اللاتى يعملن دون حماية فى القطاعات غير الرسمية فى داخل بلادنا او خارجها فى بلاد العالم شرقا وغربا يدفعهن الفقر والجوع الى الهجرة داخليا وخارجيا ويصبحن فريسة للتجارة الدولية والمحلية..ألا يعرفون أن النساء خاصة البنات الصغيرات هن اول ضحايا العولمة القائمة على حرية السوق والتى هي حرية الأقوى ليفتك بالأضعف ويفرض عليه الاعمال الدنيا والخطرة صحيا والمنخفضة الأجور .. يصبحن ادوات العمل الرخيص دوليا ومحليا .. يعملن اكثر من عشر ساعات يوميا بدولار واحد فى اليوم ( حوالى ستة جنيهات مصرية ) دون حقوق على الاطلاق ولا تامينات اجتماعية او قانونية او صحية .
الم يسمعوا عن ان البطالة بين النساء العربيات هى اعلى نسبة فى العالم ( 64 % فى سن15الى سن25 ) اعلى من نسبة البطالة فى الكنغو او الادغال الافريقية او الاسيوية وان مائات الاف من العاملات اصبحن يطردنَّ من العمل بسبب اغلاق المصانع نتيجة عمليات الخصخصة وتدهور الانتاج المحلى الصناعى والزراعى .. الا يعرفون ان ملايين البنات فى بلادنا يدفع بهن الى الزواج دون ارادتهن وتفرض عليهن العزلة فى البيوت وراء الحجاب ويعرض اغلبهن للضرب والاهانة من رجال الاسرة ويهبط مستوهن الاجتماعى الى اقل من خادمات البيوت الاجيرات وبعضهن يقتلن باسم الاخلاق وشرف العائلة .
الا يعرفون ان جوهر الدين الاسلامى يتعلق بهذة القضايا الجوهرية وليس بالتركيز على الشكل او غطاء الراس او طول الجلباب او طول اللحية او الطقوس المتكررة الالية .. الا يعرفون ان المهمة الاساسية للمراة العربية او الرجل العربى تتعلق بجوهر الشخصية والسلوك والمسئولية الفردية والجماعية و العمل المنج الخلاق فى جميع المجالات وليس بشكل الملابس او طلاء الوجه .. الا يعرفون ان المراة العربية تقع فريسة الاغلاق والتغطية تحت اسم العودة الى التراس القديم وفريسة الانفتاح والاستهلاك والتعرية تحت اسم مواكبة العصر والعولمة و السوق الحرة .. الا يعرفون ان هذة المعركة حول حجاب البنات فى المدارس ( خارجيا فى فرنسا او داخليا فى بلادنا ) ليست الا انحرافا عن جوهر المشاكل فى بلادنا وليست الا تعبيرا عن العجز فى مواجهة القضايا الاساسية .. هذا العجز الذى ادى بنا الى الهزائم المتكررة امام الاستبداد الدولى والمحلى .. انتهى .
ولو كان الهجوم على قرار الحجاب لا يعد تدخل فى شئون فرنسا الداخلية فهل نقبل ان تهاجم فرنسا السعودية لانها ترفض السماح لغير المسلمين بدخول مكة ؟ .. الا نعتبر مثل هذا الهجوم تدخلا فى شئون السعودية الداخلية ؟ .. الا نعتبر الهجوم على مصر لو قبضت على سائح اجنبى يقبل امراة فى عرض الطريق بتهمة خدش الحياء العام تدخلا فى شئونها الداخلية ؟.. ان ما لا نسمح به لغيرنا يجب ان لا نسمح به لانفسنا .
وفلى النهاية فان اصحاب الشان اولى به كما يقال .. لقد ارسل الدكتور دليل ابو بكر عميد المعهد الاسلامى لمسجد باريس الكبير رسالة الى شيخ الازهر فى اليوم الاخير من العام الماضى تحمل رقم 938 / 03 فيما يلى نصها :
” الى صاحب المقام العالى والفضيلة شيخ الازهر الشريف : انه لمن عظيم الشرف ان تتاح لى هذه الفرصة الطيبة للاتصال بشخصكم الكريم عبر هذة الكلامات الاخوية التى تفيد تقديرا وامتنانا ومودة مستهلا بالحمد والثناء لله الواحد الجليل ومهنئا بمطلع عام جديد نرجو أن يكون فاتحة عهد جديد للمسلمين يرقى فيه فكرهم وسلوكهم إلى مستوى الدين الحنيف ..
صاحب الفضيلة .. أنكم بحق تقودون أعلى سلطة دينية فى عالمنا الإسلامي قيادة مؤسسة على الأصول والحكمة والاعتدال وبعد النظر ومواقفكم فى مختلف المسائل الكبيرة ذات دلالة على هذا المقام ..
أن رأيكم فى مسالة الحجاب فى فرنسا قد كان له اثر طيب فى كل الأوساط والمستويات لانه مبنى على الشرع اولا ومراع للمصالح العامة من جهة أخرى – فالعلماء ينيرون السبيل للذين يقودون وما اجمل أن تكون القيادة من جنس التوجيه .
سيدي الفاضل وشيخي المبجل فبأسمى وباسم العاملين فى مسجد باريس وباسم الجالية المسلمة بفرنسا أزف إليكم لطائف المودة ومعالي التقدير وخالص التحية ، متمنيا أن تحظى خلال السنة الجديدة بزيارتكم لمسجد باريس الكبير .. والله أسال أن يحيطكم دوما بلطفه وعنايته وتقبلوا فائق التقدير . . انتهى