الجالسون في انتظار عطايا السماء ‍

صوت الأمة العدد 166
2/2/2004

نجلس دائما في انتظار ما يجئ نعتقد أن كل ما يحيط بنا من كوارث غضب من الله، ولا نستطيع أن نرفعه عن كاهلنا فليس لنا طاقة بما قدره الله علينا عندما ترتفع الأسعار نصرخ “اللهم” تزداد جرائم الاغتصاب وهتك العرض نرفع أيدينا إلى السماء: “يا خفي الألطاف نجنا مما نخاف.” وعندما تسقط بلادنا محتلة مقهورة نعزي أنفسنا:  ” ربنا  لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا.”. فى  غمرة انتظارنا نعتقد أن الله يعاقبنا بما قدمت أيدينا.. وننسى قانون السماء القاطع بأنه لو أصابتنا حسنة فمن الله.. ولو أصابتنا سيئة فمن عند أنفسنا.. فالله لا يجري علينا عقابه.. لكننا الذين نعاقب أنفسنا على ما تقترفه ايدينا وعقولنا.. إننا نقع في هوة سحيقة عندما نتوقع أن الله يمكن أن ينقذنا لمجرد أننا مسلمون.. ونحاول أن نخدع أنفسنا..فعندما رأينا أمريكا تنتصر في حروبها واحتلالها لأراضي الأبرياء..وعندما راينا لصوص البنوك يعيشون في نعيم مقيم بعرق الشعب المصري المسكين.. قلنا إن هؤلاء يمد الله لهم في الدنيا لكنه سيأخذهم في الأخرة أخذ عزيز مقتدر.. نعزي أنفسنا بذلك ولا نحاول أن نغير أنفسنا رغم ما فيها من عيوب.. نطمئن إلى أن الآخرين أكثر ذنوباً منا، ولابد أن الله سيرحمنا ولن يتخلي عنا فالمقارنة بيننا وبين اللصوص الكبار ستكون في النهاية لصالحنا. وبنفس المنطق الذي نتعامل به مع الله نعيش على خطأ كبير.. فرغم حالة الجدب التي نعيش فيها وعليها فإن الحكومة تتصرف وكأنها حكومة تملك الأرض وما عليها: مكاتب مسئوليها شديدة الفخامة والأناقة السيارات التي يركبونها تصل أسعارها إلى مئات الآلاف.. ولا يكتفون بسيارة واحدة بل يستخدمون أكثر من سيارة ولا تتحرج الحكومة ففور أن يموت أحد أقارب المسئولين تنهال التعازي في صفحات النفاق حتى في الموت.. الغريب أن الشعب رغم فقره وحاجته يتصرف بنفس منطق الحكومة يعيش مثلها يظل طوال النهار يشكو من قلة المال والرزق يلعنون ارتفاع الأسعار في جلساتهم الخاصة والعامة يدعون أنهم لا يجدون ما يعيشون به العيشة المناسبة لكنهم مع ذلك يعيشون حياة الترف التي لا يعرفها حتى أشد الناس ثراءً.. فالطعام على موائدهم يكفي لعدد ضعف الجالسين على مائدة واحدة.. والباقي بالطبع يذهب إلى صناديق القمامة.. ننفق المليارات في فواتير المحمول رغم أن استخدامنا للمحمول لا يخرج عن أغراض الثرثرة الفارغة والنميمة الممقوتة، 10مليارات جنيه ندفعها للمحمول.. ومئات الملايين ندفعها لبرامج المسابقات لاختيار أفضل مطرب أو مطربة.. مئات الملايين تستهلكها الفياجرا والمنشطات، مئات الملايين تضيع في الاحتفالات الاجتماعية فالفرح لا يكون إلا إذا أقيم في فندق خمس نجوم وحضره علية القوم من السياسيين والفنانين، وغنى فيه أشهر المطربين، ورقصت فيه أشهر الراقصات.. يقترض الناس من أجل المظاهر الكاذبة الخادعة.. وبعد ذلك لا يتورعون عن الشكوى من ضيق الحال والديون التي لا يستطيعون سدادها. هل ننتظر بعد ذلك أن ننجح في شيء.. أو أن تنتهي مشاكلنا؟! إننا نتعامل بانتهازية شديدة مع الله.. وبانتهازية أشد مع الحكومة.. إن الله لن يعطي الناس طعاماً جاهزاً.. ولن ينزل لهم من السماء مياهاً معدنية.. ولن يفتح مجاناً.. لكنه يعطيهم خيراً وفيراً.. ويمنحهم الفرصة أن يستخدموه ويستفيدوا منه.. ويحصلوا منه على ما يكفيهم! وإذا فشلوا في ذلك فالمسئولية مسئوليتهم وحدهم.. لا يصادر الله خيره من الذين يكفرون به لمجرد أنهم كفروا به.. ولا يمنحه للمسلمين لمجرد أنهم مسلمون.  فلابد أن يعملوا.. وأن يجتهدوا.. يقدموا ما عليهم ويتركوا الباقي بعد ذلك على الله. وقد تفعل ما عليك كاملا لكنك لا تحصل على شيء.. وهذه آية أخرى من آيات الله سبحانه وتعالى.. حتى يعلمك أن تتوكل عليه..وأن يكون سعيك له من أجل وجهه فقط.. فإذا قدر عليك ما لا ترضاه فليس أمامك إلا الصبر.. وإذا أجرى عليك قدره تحبه فليس أمامك إلا الشكر.. وفي الحالتين يجب ألا تقصر فيما عليك.. ولا تعتقد أن إسلامك يمنحك حصانة تنجو بها من العذاب.. أو يخرج بها اسمك ممن أبعدهم الله عن النار. فإن الله لا يسعد بالجالسين في انتظار عطايا السماء.. بقدر سعادته بالذين يضربون في الأرض يبتغون وجهه.. ساعتها لو وقعوا في أخطاء.. فإن رحمته تسعهم .. ويده تساندهم

ولا حول ولا قوة إلا بالله