التعظيم قد يكون لحجر….. ولا يتمتع به بشر

صوت الأمة العدد 168
16/2/2004

يعترف الإسلام بالعلماء.. لكنه.. لا يعترف برجال الدين .. واحترام رجل الدين واجب مثل احترام اى شخص أخر.. ولو أصاب رجل الدين قدرناه.. ولو أصاب حصل على أجر الاجتهاد.. ولو ارتكب جريمة حاسبه القانون مثله مثل غيره.. ولو تجاوز حدوده انصرف الناس عنه.. وربما كانت محاسبة رجل الدين أشد من غيره .. فهو يضع نفسه فى موضع الصدارة.. ويقدم نفسه كنموذج يحتذى به.. لا يجوز التسامح معه.. فهو ليس حجة على الدين.. و إنما الدين حجة عليه.. وخطأ رجل الدين لا ينسب إلى الدين.. وإنما ينسب لنفسه.. وحده.. ولا يجوز اعتبار النقد الموجه إليه نقدا موجها لكافة المسلمين.. فلا أحد يمثل أمة سيدنا محمد رسول الله ^ سوى رسول الله ^ .
والعظمة لله وحده.. ونحن نقول فى الصلاة أكثر من مرة.. (( سبحان ربى العظيم)).. ونقول أكثر من مرة (( سبحان ربى الأعلى )).. والتعظيم هو بلوغ القدر.. وتعظيم الله فى أن نطيعه.. وننفذ ما أمر به.. دون مناقشة ليكشف لنا الله الحكمة من وراء ذلك.
يقول سبحانه وتعالى [ وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَآئِرِ اللهِ ] (36 الحج).. والبدن هى الدواب التي تحمل أمتعة الحجاج.. لقد أصبحت بنص القرآن من شعائر الله.. ويمكن أن تحل محلها فى العصر الذى نحن فيه الطائرة أو السيارة أو الباخرة التى توصلنا الحج.. ويقول سبحانه وتعالى [ إِنَّ الصَّفَا وَالْـمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللهِ ] (158 البقرة).. ويقول سبحانه وتعالى :  [ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَآئِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ] (32 الحج) .. وكأن الله أمرنا بتعظيم الحيوانات التى تحمل أمتعة الحجاج.. وأمرنا بتعظيم الصفا والمروة وهما جبلان.. جماد.. داخل الحرم.. لا يزيد ارتفاع الواحد منهما على 5 أمتار.. والكعبة نفسها علينا تعظيمها رغم أنها حجارة.. وكذلك الحجر الأسود.
إن من شعائر الله وضع اليد على الحجر الأسود والتمسح به فهو من مناسك الحج.. بعد الطواف بالكعبة.. وبعد الحجر الأسود تكون الصلاة ركعتين عند مقام إبراهيم وهو عبارة عن حجر عليه آثار أقدام سيدنا إبراهيم عندما كان يبنى الكعبة.. نصلى ركعتين تعظيما له.. ثم يكون السعى بين الصفا والمروة وهو المكان الذى سعت فيه السيدة هاجر ليشرب سيدنا إسماعيل.. ثم جبل عرفات.. وهو الآخر مجرد جماد.. نقف فيه ونأكل ونشرب ونصلى.. ثم ننام فى المزدلفة .. ونأخذ حصوة من الأرض .. الكبير والصغير يفعل ذلك .. والغنى والفقير أيضا .. على كل واحد يحصل بنفسه على حجارته.. ليرجم بها الشيطان.. وهو ثلاثة أعمدة خرسانية تشبه المسلات .. وهى أيضا نوع من الجماد .. الجماد .. لكن .. علينا تعظيمها لأن الله أمرنا بذلك وأعتبرها من شعائره.
هل نحن مجانين لنفعل ذلك؟.. لو لم تكن هنالك حكمة من وراء ذلك نكون مجانين.. لو فعلنا ذلك بأنفسنا نكون مجانين.. لكنه أمر من الله.. يعرف الحكمة من ورائه.. فلا يجوز أن نسأل عن هذه الحكمة.. إن عرفنا الحكمة فعلينا وإن  لم نعرف فعلينا أيضا.
عندما وقف سيدنا عمر رضى الله عنه أمام الحجر الأسود قال:(( أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أنى رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك )).. لقد خاطبه سيدنا عمر بضمير أنت ولم يخاطبه بضمير هو.. اعترافا منه به.. وتأكيدا على أنه قام بتقبيله وهو يخاطبه.. وقد اشتهر عن سيدنا عمر شغفه بتقبيل الحجر الأسود كلما دخل الكعبة حتى أن رسول الله ^ قال له
كما ورد في مسند أحمد بن حنبل – الجزء (1) ، ص (321) :
190 – حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن أبي يَعْفُور العبدي قال : سمعت شيخا بمكة في إمارة الحجاج يحدث عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه : أن النبي ^ قال له : ( يا عمر إنك رجل قوي لا تزاحم على الحجر فتؤذى الضعيف ، إن وجدت خَلْوةً فاستلمه وإلا فاستقبله فهَلِّلْ وكَبَّرْ )  .
.. فقد كان قويا.. وكان حرصه على تقبيل الحجر الأسود يؤلم من حوله.
كان على سيدنا عمر أن يقبل الحجر الأسود دون أن يعرف العلة.. ودون أن يعرف الحكمة من وراء ذلك..وهو عندما فعل ذلك كشف الله له.. السبب.. رزقه بالمعنى ..
وكما ورد فى المستدرك على الصحيحين – الجزء الأول ، ص(628) :
1682/74 – أخبرناه أبو محمد عبد الله بن محمد بن موسى العدل من أصل كتابه ثنا محمد بن صالح الكيليني ثنا محمد بن يحيى بن أبي عمرو العدني. ثنا عبد العزيز بن عبد الصمد العمي عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : حججنا مع عمر بن الخطاب فلما دخل الطواف استقبل الحجر فقال : إني أعلم أنك حجر لا تضر و لا تنفع و لولا أني رأيت رسول الله ^ قبلك ما قبلتك ثم قبله فقال له علي بن أبي طالب : بلى يا أمير المؤمنين إنه يضر و ينفع قال : ثم قال : بكتاب الله تبارك و تعالى قال : و أين ذلك من كتاب الله ؟ قال : قال الله عز و جل : [ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِى ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى ] (172 الأعراف)..  خلق الله آدم و مسح على ظهره فقررهم بأنه الرب و أنهم العبيد و أخذ عهودهم و مواثيقهم و كتب ذلك في رق و كان لهذا الحجر عينان و لسان فقال له : افتح فاك قال : ففتح فاه فألقمه ذلك الرق و قال اشهد لمن وافاك بالموافاة يوم القيامة و إني أشهد لسمعت رسول الله ^ يؤتى يوم القيامة بالحجر الأسود و له لسان ذلق ( فصيح) يشهد لمن يستلمه( وضع يده عليه ) بالتوحيد فهو يا أمير المؤمنين يضر و ينفع فقال عمر : أعوذ بالله أن أعيش في قوم لست فيهم يا أبا حسن.
فإن الله عندما أخذ العهد على الذرية الوارد فى قوله تعالى [ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِى ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى ] (172 الأعراف)..  هذا العهد ألقمه هذا الحجر.. فمن وضع يده عليه فإنه يجدد الميثاق مع الله.. وفى حديث أخر في تخريج أحاديث الإحياء – الجزء (2) ، ص (632) :
718 – حديث ( إن الحجر ياقوتة من يواقيت الجنة وإنه يبعث يوم القيامة له عينان ولسان ينطق به يشهد لكل من استلمه بحق وصدق ).
.. ثم أن كلمة الحجر الأسود لا تعنى اللون الأسود.. ليست إشارة له.. وإنما إشارة إلى السود.. بمعنى السيادة.. أو العظمة.. فنقول فلان سيد أى عظيم وفلان أسود منه أى أكثر سيادة منه.. ونقول عن فلان إنه سيد من أسود .. أى سيد ظهر من هو أكثر سيادة منه.. إن الحجر الأسود معناه الحجر السيد.. الحجر المعظم.. وقد نال تلك السيادة من سيد العالمين الذى قبله وكأنه يقبل يمين الله.. إنه بالفعل يمين الله  فى الأرض.. على أننا سواء عرفنا الحكمة أو لم نعرفها علينا طاعة الله فى شعائره حتى لو لم تكن مفهومة لنا.. حتى لو كانت جمادا أو حيوانا.. وكون أننا لا نفهم الحكمة من ورائها لا يعنى أنه لا حكمة وراءها.. وإنما يعنى أن هذه الحكمة غائبة عنا.. ولن يفتح الله علينا فى فهمها إلا إذا نفذنا أوامره وأطعناه دون أن نسأل.
إن التعظيم يمكن أن يكون فى حجر.. فى حصوة.. فى حبة رمل.. فى موضع قدم.. وقد لا يكون فى بشر تاجروا بالدين واشتروا بآيات الله ثمنا قليلا

ولا حول ولا قوة إلا بالله