العلم. . العولمة . . العلمانية

مجلة التصوف الإسلامى
فبراير2008

[ قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللهَ بِدِينِكُمْ ]

(16 الحجرات)

بفرحة المريد إذا التقى بمن يريد التقيت بسماحة الإمام أما وقد تفضل سماحته برد السلام . . فقد وجب على مثلى أن يبادر بالسؤال وأن يَقصد في الكلام .

قلت : يا مولانا لقد أختلط علينا في هذه الأيام كثير من الفتاوى في الأحكام حتى وصلنا إلى وضع التيه بين كل متحدث والذي يليه والكل يجزم أن الحق كل الحق في أي كلام يخرج من فيه وما أريد أن أطرحه على سماحتكم هو السؤال عن العولمة والعلمانية .
قال السيد : يا ولدى العولمة هي سلوك أو نمط إقتصادى مؤداه إتاحة الفرصة للسلعة المتميزة أن تسود على غيرها من السلع الرديئة دونما تدخل من قريب أو بعيد لدعم السلعة الرديئة بحجة أنها محليه وهو أسلوب لو صح ظني يجعل البقاء والنماء للأصلح ويجعل البوار والفناء للأقل صلاحية أو السىء من السلع وكل من أحسن صنعاً أولى بأن يجنى نتيجة إحسانه وإتقانه وتميزه أما من أساء فعليه تبعة أساءته وتكافؤ الفرص أمر يحبه الإسلام ويحض عليه [وَفىِ ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْـمُـتَنَافِسُونَ] (26 المطففين) وقوله تعالى : [ وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْـمُؤْمِنُونَ] (105 التوبة) وخير الناس أنفعهم للناس هذا عن العولمة التي تجعل المقياس عالمياً .
أما ما يقولون عنه أنه العلمانية فهذا شيء آخر إنها كلمات حق أريد بها باطل ذلك لأن العلمانية تعنى أن العلم الانساني هو الذي يسود بغض النظر عن النصوص الإلهية أو النبوية والحاكم هو العقل والمنطق وهاتان الميزتان تختلفان حسب البيئة والظروف والمستويات المتفاوتة والطوائف والقبائل بعاداتها وتقاليدها التي تتوازى حيناً وتتقاطع أحياناً والعكس صحيح .
قلت : يا مولاي لقد أصبحت أنا في التيه وضاع منى التركيز في خضم العبارات الكبيرة
قال الشيخ : إن العلمانية ببساطه هي مخالفة النص وإتباع الهوى مع أن الله يقول : [وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ] (28 الكهف) .
قلت : بمعنى ؟
قال الإمام : بمعنى أن العلماني يقول مثلاً إن توزيع التركات غير منطقي فلماذا يقسم الميراث على أساس [ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الانثَيَيْنِ] (11النساء) ولماذا لا يكون بالتساوي وأين العدالة الإجتماعيه ؟.
وقد يقول : لماذا يتزوج الرجل المسلم بأكثر من إمرأه واحده عند الضرورة ولماذا تحرم المرأة من هذا الحق ولا يكون من حقها الزواج بأكثر من رجل عند الضرورة أيضاً ومن وجهة نظره أن هذا الأمر يتنافى مع العدالة الإجتماعيه وحقوق الانسان على اعتبار أن المرأة فقط هى الانسان ؟ ! !
وقد يقول قائلهم لماذا تكون العصمة فى يد الرجل وعلى نيته وقوله هو يتوقف أمر الطلاق ؟
وعلى حد قوله يقول أن الشراكة الزوجية من طرفين والطرف الأكثر تحملاً في هذه الشراكة هو جانب المرأة من آلام فى الحمل والإرضاع والتربية لكل هذا هو يرى أن حق الطلاق لابد أن يكون للمرأة دون الرجل ثم يسأل سائلهم يقول لماذا يتسمى الولد باسم أبيه وليس باسم أمه فنقول له هذا هو الشأن الإلهي فكل الانبياء ذكروا بآبائهم فيقول : إن عيسى عليه السلام ذكر بأمه . فإذا قيل له أن الله تعالى يقول : [ادْعُوهُمْ لِأَبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ] (5 الأحزاب) يقول ما علينا من النص أو غيره فكل الأمور قابله للمناقشة والأخذ منها والرد عليها وهذه حياتنا ولنا أن نعيش فيها ونحن أعلم بأمور ديننا وهكذا يا بني نجد أن العلمانية هي إتباع للهوى
وقد ضرب لنا سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه المثل الأعلى عندما وقف أمام الحجر الأسود عند الكعبة المشرفة وقال: ( أعلم أنك حجر لا تنفع ولا تضر ولولا أنى رأيت رسول الله ^ قبلك ما قبلتك )(1)
هل فهمت؟
قلت: قطعاً لا.
قال السيد : عندما قال سيدنا عمر ( أعلم أنك حجر ) كان يشير الي قول العلمانيين الذين لا
يهتمون كثيرا باحترام النصوص المقدسة ثم إنه عندما قال :( ولولا اني رأيت رسول الله يقبلك)
كأنه يقصد الرد علي أهل الهوى و أهل الزيغ و عدم الالتـزام بالنص فقال بعد ذلك( ما قبلتك)
ومعناها أنه رضي الله عنه تخلى عن علمه بأن الحجر لا يضر ولا ينفع ولجأ إلى تغليب النص على العلم لأنه إن كان ذا علم فإن فوق كل ذى علم عليم وإنى أقصد أن سيدنا عمر كان يقول للناس : أيها الناس إن بلغكم عن رسول الله ما صح نسبه اليه عليه السلام فلا يمنعكم جهلكم بالحكمة عن أداء الأمر لأن الله لم يعط علمه كاملاً لأحد فكل الخلق فوق بعضهم البعض فى العلم والله تعالى أعلى وأعلم .
وبعبارة أخرى لعل أمير المؤمنين كان يريد أن يقول أنى رأيت رسول الله يقبل هذا الحجر وهذا مبلغ علمي ولذلك فقد قبلته مكتفياً بالامتثال للأمر الأدائي لرسول الله .
أما من ناحية علمي فليس عندي من العلم ما يوجب أويحبب إلى تقبيله . ولو أتبعنا أهوائهم عما جاءنا من الحق فلن نفلح أبداً .
قلت : من هم يا مولانا فضحك الشيخ هذه المرة لأنه علم إنى أمزح وقال : العلمانيون طبعاً وإني أقول لهم : [ءَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللهُ ] (140البقرة) .
قلت : الان فهمتهم ويصح لى بناء على ذلك أن أقول : [كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً ] (5 الكهف).
عزيزي : أما وقد إستجليت من مولانا الحقيقة ووقفت منها على الرقيقة والدقيقة فادعوا الله معي لسيدنا بالصحة والعافية وطول العمر .

والسـلام عليكـم
وعليكم السـلام
مـريـد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) من حديث المستدك على الصحيحين الجزء الأول ، ص(628) – رقم الحديث 1682/74 عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : حججنا مع عمر بن الخطاب فلما دخل الطواف استقبل الحجر فقال : إني أعلم أنك حجر لا تضر و لا تنفع و لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم قبلك ما قبلتك ثم قبله فقال له علي بن أبي طالب : بلى يا أمير المؤمنين إنه يضر و ينفع”