رحمة القهار

مجلة التصوف الإسلامى
يناير2008

بفرحة الذى إذا تمنى أجيب وفرحة الذى أدركه الفرح القريب التقيت بسماحة الإمام وبعد تفضله برد السلام .
قلت سيدى الكريم إن فى رأسى أموراً تشغلنى تتعلق بما يبدو لنا تضاداً فى الأسماء الألهيه مثل المعز والمذل والخافض والرافع والمعطى والمانع وهكذا .
قال سماحته :
وهل فى ذلك ما يشغل ؟ وهل فى ذلك غرابه ؟ قلت : غرابه وأى غرابه . وعجب وأى عجب .

قال السيد : يا بنى لا يكون الإله إلهاً إلا بجمعه بين الضدين وقدرته المطلقه على فعل الأمرين المتضادين فى آن واحد ولا يشغله شأن عن شأن والحمد لله أنه سبحانه إله واحد [ وَإِلَـهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ] (163 البقرة) والميزه فى أنه واحد لا يمكن أن تفهمها إلا بضدها . . فنظرت إلى الشيخ متعجباً فبادرنى قائلاً أعرف أنك لم تفهم وأنا لم أقل شيئاً يفهم حتى الان يا بنى إن سيدى عبد الغنى النابلسى رضى الله عنه قال :

ولا تعجل على ما لست تدرى ….. فإنك سوف تــدرى بالتأنــى

فأبديت أسفى . ثم قال الشيخ : تخيل أن هناك ألهه كثر ولكل إله أوامر ونواه حسب هواه ونحن مطالبون بطاعتهم جميعاً . . ترى ماذا تكون النتيجه ؟ لابد أن هذا الأمر لا يصلح له العبد مهما أوتى من قوه ووقت لأنه إذا أرضى واحداً غضب الآخرون وما يحصله العبد من طاعة إله يذهب به ما يناله من غضب الإله الآخر ثم إنه يلزم أن يكون لكل إله ملكه الخاص به أو يكون شريكاً للآخر وهذا الأمر يبدواً لوغاريتمياً معقداً [لَوْ كَانَ فِـيهِمَآ ءَالِـهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتَا] (22 الانبياء)
وكما قال ربنا : [إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ] (91 المؤمنون) ويتنافر الآلهه ويضيع العبيد ولا ينضبط الأمر . . هل فهمت
قلت : أكاد بالكاد أفهم .
قال السيد : أما أن يكون الإله الذى خلقنى هو الذى يقدر عمرى وهو الذى يميتنى وهو الذى يبعثنى وهو الذى يحاسبنى وهو الذى يعفو عنى لأنه الوحيد صاحب الحق فى كل ذلك بغير شريك ولا منازع ولا معقب لحكمه ولا راد لقضائه ولا مانع لعطائه ومن هنا نرى أنه لابد لكى يكون غفوراً رحيماً أن يكون متكبراً منفرداً وهذا لصالح العبد أن يكون سيده لا يقدر عليه أحد مما يبعث فى قلب العبد الطمأنينه فإذا أعطاه سيده شيئاً أطمأن أن غير سيده لا يملك سلب العطيه وإذا عفا عنه بدون مناسبه ولا محاسبه فلا معقب ولا معترض وكيف لا يكون الإله قهاراً ؟ فإن لم يكن قهاراً وإستغاث به عباده من ظلم الظالم وجور الجائر ومكر الماكر ماذا يصنع الإله لعباده إن لم يكن لديه القهر الذى يدفع به عنهم الظلم والجور وكذلك إذا لم يكن ربنا مذلاً فمن يذل المتكبرين وينصر المستضعفين وإذا لم يكن ربنا مانعاً فمن ذا الذى يمنع المرض ويمنع الشر ويمنع الضر ويعطى المنعه فى الإعتصام بحبله والإحتماء فى حماه . . تخيل يا بنى إذا كان الله يهب الحياه فقط ولا يستطيع أن يسلبها أو يسترجعها كيف يكون الحال ؟
حياه بلا موت للإنسان والحيوان والطير والأسماك والنباتات ماذا يأكل الانسان وماذا يلبس ؟ ولو كان سبحانه مميتاً فقط لمات الناس والمخلوقات .
وإنتهى الأمر لو لم يكن سبحانه وتعالى باعثاً يبعث كل ميت إن شاء ليسكن من يشاء فى الجنه ومن هو مستحق للعذاب مأواه النار فلا يجب يا بنى أن تتخيل أن القدره على الثواب فقط قدرة مطلقه بل ناقصه لا تكتمل إلا بالقدره على العقاب وكذلك القدره على النفع فقط ولا تكتمل إلا بالقدره على الضر وعلى ذلك فإن لمصلحة العبد أن يكون سيده قوياً متيناً قادراً عالماً غالباً متكبراً قهاراً . . كل ذلك فى صالح العبد ولذلك كان الكفار على درجة كبيره من الغباء وكذلك المشركون عندما عبد الكفار غير الله وعبد المشركون مع الله غيره وأقروا للشركاء مالا ينبغى إلا لله تعالى من السبق والإطلاق والسرمديه والذاتيه وكفاهم كذباً أن يدعوا أنهم أطاعوا آلهتهم لو إعتبرنا أنها آلهه تآمر بشىء لتطاع فيه ولذلك أرى أن القائل حكيم عندما قال :

أطرق باباً واحداً تفتح لك كل الأبواب ….. وأخضع لسيد واحد تخضع لك كل الرقاب

[ضَرَبَ اللهُ مَـثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَآءُ مُـتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ للهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ] (29 الزمر)
وإعلم يا بنى أن الله تعالى تنزه عن كل صفات النقص وأتصف بكل صفات الكمال بل وتنزه عنها لعدم إمكان إحاطه صفه به . [سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون َ * وَسَلامٌ عَلَى الْـمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَـمِينَ] (180،181،182 الصافات) .
قلت : إن تضاد الأسماء من تضاد الصفات وهو دليل على طلاقة القدره اليس كذلك يا مولانا
قال السيد : بلى : إن الله على كل شىء قدير وكل شىء معناه الشىء وضد الشىء .
ثم إنتهى هذا اللقاء على وعد باللقاء .

والسـلام عليكـم
وعليكم السـلام
مـريـد