المتوكلون

مجلة التصوف الإسلامى
يوليو 2006

[وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ]
(3 الطلاق)

بفرحة المتوكلين الذين هم من ثمار الطاعه آكلين والساعين إلى ما عند الله والواصلين والنائلين التقيت بسماحة الإمام ، السلام عليكم مولانا الإمام ورحمة الله وبركاته . . . . وعليكم . قلت : سيدى الكريم كلنا يعرف حديث سيدنا رسول الله ^ الذى يقول ما معناه :

” لو توكلتم على الله حق توكله، لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصا وتعود بطانا “ (1)
والسؤال لماذا الطير وليس باقى الحيوانات ؟
قال سماحته : المسأله ليست فى الطير فى ذاته ولكنى أصلح لك السؤال فلو قال الرسول الكريم ( لرزقكم كما يرزق الطير ) ثم لم يكمل لكان لسؤالك مجالاً ولكن الحكمه كلها فى قوله ^ ( تغدو خماصاً وتعود بطاناً ) فكونها تغدو وتعود أو تروح وتعود هذا هو المراد ولم يقصد الرسول الكريم الطير فى ذاته لأن من الطير ما هو داجن أى محبوس فى مكانه يوضع له الطعام والشراب ويقوم الانسان على خدمته والحكيم ^ لم يقل تظل فى أعشاشها فيأتيها رزقها أو يؤتى به اليها ولكنه السعى يا بنى الذى أمرنا الله به عندما قال : [ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُواْ فِى الْأَرْضِ وَابْتَغُواْ مِن فَضْلِ اللهِ ] (10 الجمعة) والسعى على الأرزاق لا يجلب الأرزاق بل هو فريضه فى عينه أمرنا الله بها فإذا سعينا فقد أطعنا أمر الله وإذا حدث نوال الأرزاق فإنه منه من الله تعالى والطيور تخرج فى الصباح متوكله على الله باحثه عن بعض حبات من الذى أنبتته الأرض وهى لا تقصد جهه بعينها تضمن فيها الرزق ولكنه السعى السعى والله سبحانه لا يخيب لها رجاء ولا يبخسها جهدها فتمتلىء حواصلها بما يشبعها وبما تعود به لصغارها فمره يكفيها وأحياناً لا يكفيها وكل طائر أعطاه الله جناحين وقدره على الطيران كلفه بالسعى وراء قوته أما الصغير الذى لا يستطيع الطيران فلا يكلف بما يكلف به السليم من بنى جنسه وعلى هذا يجب أن نعرف معنى التوكل ألا وهو : إتخاذ الأسباب بما توفر من وسائل ثم قبول النتائج مهما كانت فمن توكل على الله كفاه ومن إهتدى بالله إلى الله هداه والمتوكلون درجات فمنهم من يتخذ الأسباب ويقبل النتائج ومعنى يقبل فيها إحتمال أن تكون النتيجه غير مرضيه فيقبلها أى يبتلعها مره ” بضم الميم ” فى حلقه . ومن الناس من يتخذ الأسباب ويرضى بالنتائج ومعنى يرضى أنه لا يجد غضاضه فى تقبل نتائج سعيه ولكن هناك صنف غريب من عباد الله وهم الراضون عن الله وهم الذين يتخذون الأسباب ويفرحون بالنتائج حسنت أو ساءت وقد قال الصالحون فيهم : من فرح بالنقمه كما يفرح بالنعمه(2) فقد رضى عن الله ومن رضى عن الله رضى الله عنه [ رَّضِىَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِىَ رَبَّهُ ] (8البينة) .
قلت : وما التواكل ؟ . قال سماحته : التواكل هو طلب النتائج بدون إتخاذ الأسباب وهذا أمر يخالف الفطره والمنطق السليم فكيف نطلب نتيجة بغير معطيات كيف نطلب حصاداً بغير زراعه وكيف نطلب إنتاجاً بغير مقومات الانتاج من خامات وماكينات ويد عامله وخبره وعلى ذلك فالمتواكلون أعداء أنفسهم وأعداء المنطق وأعداء الدين والعمل يا بنى شرف مهما كان صغيراً وكل آله لا تعمل تصدأ ويأكلها الصدأ والعمل يا بنى قوه أنظر إلى يديك تجد اليد التى تعمل كثيراً أقوى من اليد التى لا تعمل [ وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْـمُؤْمِنُونَ ] (105التوبة)
صدق الله العظيم .
قلت : توكلت على الله وسعيت اليكم وعدت ومعى زادى وزاد أحبابى من القراء من نصائحكم الغاليه وكما أن الطير إذا إستدل على مكان فيه رزقه فلا شك أنه يقصده تكراراً و مراراً وبإذن الله سوف أعاود زيارتكم طالباً للعلم وهذا أشرف طلب وأسمى غايه .

والسـلام عليكـم
وعليكم السـلام
مـريـد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) من حديث ابن ماجة  الجزء (2)، ص (1394) رقم الحديث (4164)عن عمر سمعت رسول الله ^ يقول: ( لو أنكم توكلتم على الله حق توكله).
(2) إبن ماجة الجزء (2)-ص(1334-1335) عن أبي سعيد الخدري قال دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يوعك . فوضعت يدي عليه . فوجـدت حرة بين يدي فوق اللحاف . فقلت يا رسول الله ما أشدها عليك قال:”إنا كذلك . يضعّف لنا البلاء ويضعّف لنا الأجر”  قلت يا رسول الله أي الناس أشد بلاء قال: ” الأنبياء” قلت يا رسول الله ثم من ؟ قال :” ثم الصالحـون  إن كان أحدهم ليبتلى بالفقر . حتى ًما يجد أحدهم إلا العباءة يُحَوِّيها . وإن كان أحدهم ليفرح بالبلاء كما يفرح أحدكم بالرخاء “