التوحيد : المصل والترياق

جريدة التصوف الإسلامى
مايو 2006


[ وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ]
صدق الله العظيم

(143البقرة)

بفرحة الموحدين بصحبة المتقين من عباد الله الصالحين التقيت بسماحة الإمام . . السلام عليكم مولانا الإمام وعليكم من الله السلام .
قلت : عندى سؤال . من الذى يحفظ الدين للمسلمين ؟

قال سماحته : الله الذى يقول : [ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَـهُمُ الَّذِى ارْتَضَى لَهُمْ وَلَـيُـبَـدِّلَـنَّـهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ] (55 النور) أى أن الله تعالى هو الحافظ والممكن للدين والمؤمَّن ضد الخوف من ضياع الدين .
قلت : إذا كان الله هوالمتولى حفظ الدين فمن أى شىء نخاف والقوى موكلنا ؟
قال سماحته : لابد أنك تريد السؤال عن شىء محدد بعينه فهات سؤالك ولا داعى للإطاله .
قلت : لو عبد إنسان إنساناً فأيهما يعذب ؟ هل العابد أم المعبود أم كلاهما يعذبان ؟
قال سماحته : فى جميع الأحوال يعذب العابد لغير الله وفى بعض الأحيان يعذب المعبود من دون الله .
قلت : لا أفهم .
فقال سماحته : إذا إدعى أحد الناس الألوهيه فإنه يعذب سواء عبده الناس أم لم يعبدوه كما هو واضح من حال فرعون عندما قال : [ أَنَاْ رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ] (24 النازعات) أما إذا نسب الناس الألوهيه لشخص ما فالأمر يتوقف على علمه فإن علم وأقر ذلك عُذب وعُذبوا معه وإن أنكر عليهم ذلك عُذبوا هم ولا ذنب عليه فهذا وزرهم [ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ] (164 الانعام ،15 الإسراء،18 فاطر ،7 الزمر) كما هو واضح من حال العزير وسيدنا عيسى عليهما السلام .
قلت : فإن عبدوا حجراً ؟
قال سماحته : يعذبون ولا ذنب للحجر لأنه لا سلطان له عليهم ولم يدع الألوهيه وبالتالى لم يوافقهم على فعلهم .
قلت : نعلم أن التمثال لا شىء فيه ، وإلا لما صنع الجن لسيدنا سليمان ما يشاء من محاريب وتماثيل ونعلم أيضاً أن التمثال إذا عُبد ليقرب إلى الله زلفى ( فى زعم العابد) فإنه يصير صنماً وأما إذا عبدوه لذاته فإنه يكون وثناً فما هو ذنب الصنم وما ذنب الوثن حتى نحطم هذا أو ذاك .
قال سماحته : الناس لا يعبدون التماثيل ( من أصنام وأوثان ) فقط بل أحياناً يعبدون الشمس أو القمر أو الكواكب أو الأشجار أو الأبقار فما هو العمل عندئذ ؟ هل نطفي الشمس والقمر والكواكب ونقطع الأشجار ونقتل الأبقار ؟ أم الأرجح هو تعليم الناس التوحيد الذى هو نور والنور يطرد الوثنيه التى هى ظلمه والرسول ^ إنما أرسله الله تعالى ليخرج الناس من الظلمات إلى النور . والتوحيد يا بنى إذا دخل القلب فإنه يكون بمثابة المصل الواقى من الوثنيه لأن الوثنيه عقيده الكفار لا هى فى حجر ولا فى شمس ولا فى قمر ولا هى فى شجر ولا بقر وإنما هى فى قلوب البشر فكما أن الله لا يحاسب الخمر لأن الناس يشربونها بل يحاسبهم على شربها وكذلك التماثيل لا يحاسبها الله بل يحاسب من يعبدونها من دون الله والله لا يحاسب الربا وإنما يحاسب آكله وقس على ذلك .
قلت : يقال أن التماثيل تكسر مظنة أن تُعبد من دون الله .
قال سماحته : على هذا المقياس يجب تحريم العنب مظنة أن يصنع منه الخمر ويجب قطع اللسان مظنة أن يكذب واليد مظنة السرقه وهذا ليس دأب العقلاء من الناس ولا حتى أنصاف العقلاء وهذه المظنه ربما يكون لها مكان عند من لا نبى لهم ولا رسول لا سيما لو كان النبى والرسول هو سيدنا محمد ^ .
وأرى أن الإيمان فى هذه المفاهيم يعامل معاملة الكائن الجبان الذى ما أن يرى تمثالاً حتى يهرب إلى غير رجعه مع أن الإيمان نور والنور يطرد الظلمه ولكن الظلمه لا تطرد النور والله غالب على أمره وهو عليم بذات الصدور وبقليل من التعقل فالله قد أمرنا بغض البصر لا بقتل المنظور اليه وأمرنا بالصيام لا بإهلاك الطعام وكل ما نهانا الله عنه قد حكم سبحانه بوجوده وأمر بإجتنابه ليحصل الثواب والعقاب والجنه بعد ذلك أو النار [ وَإِذَا الْـمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ ] (8 التكوير) لقالت قتلت بالمظنه خوفاً من إحتمال جلب العار لأهلى فسبحان الله وإن الهدى هدى الله ومن يهديه الله فهو المهتد ومن يضله الله فلا هادى له ، وأنظر إلى قوله تعالى : [ أَتُرِيدُونَ أَن تَـهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ اللهُ ] (88 النساء) . . . [وَمَن يُضْلِلِ اللهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً ] (143 النساء) .
قلت : ما الحكم فى من يصلى فى أحد مستودعات التماثيل التى تسمى المعابد ؟
قال سماحته : ذلك المصلى يقف بين التماثيل على إختلاف أشكالها وأحجمتها ويستقبل القبله ويقول الله أكبر هذا معناه أن هذه الأشياء لم يدخل منها شىء إلى قلبه وعقيدته وهو أفضل من غيره الذى لا يعبدها بسبب أنها غير موجوده . لأن الإمتثال للأمر مع وجود إمكانية المخالفه أفضل من الأمتثال للأمر مع إنتفاء إمكانية المخالفه والله يقول الحق وهو يهدى السبيل .
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم

والسـلام عليكـم
وعليكم السـلام
مـريـد