الإسراء و المعراج

مجلة التصوف الإسلامى
ســــبتمبر 2005

حكمة خواص الخواص
[سُبْحَانَ الَّذِىٓ أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْـمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْـمَسْجِدِ الْأَقْصَا الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ ءَايَاتِنَـآ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ]
(1 الإسراء)

بفرحة السائل بلقاء الحبيب ذى الرأى المهيب التقيت بسماحة الإمام وبعد تفضله برد السلام .
قلت : سيدى أريد أن أعرف الحكمه من الإسراء والمعراج ؟.
قال سماحته : الحكمه يعلمها الحكيم .

قلت : ولكنه [ يُؤْتِى الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ] (269 البقرة). . . . فليكن الإجتهاد .
قال سماحته : للمجتهدين شروط وعلامات .
فقلت : فإن لم يكن بأجرين فبأجر واحد . قال سماحته : هل عندك أو قرات أو سمعت للإسراء والمعراج حكمه ؟ .
قلت : نعم .
قال سماحته : ما الحكمه إذن ؟ .
قلت : لقد قرأت وسمعت كثيراً أن الحكمه من الإسراء والمعراج هى التسريه عن رسول الله ^ حيث أنه كان حزيناً حزناً شديداً على وفاة عمه ابى طالب وكذلك زوجته السيده خديجه وكان هذا العام يسمى عام الحزن .
قال سماحته : عام الحزن وكان النبى ^  حزيناً على موت عمه وزوجته فأين الإيمان بالقضاء
والقدر(1) إذا لم يكن هو من بديهيات الإيمان عند المؤمنين ناهيك عن الأولياء الصالحين.
فكيف بالانبياء والمرسلين وفى النهايه ما بالك بسيدهم أجمعين فى الدنيا ويوم الدين يوم يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين ؟ .
قلت : لقد وقع فى روعى أن سماحتكم لا تستريح لموضوع التسريه بسبب الحزن .
قال سماحته : لو فكرت قليلاً لوافقتنى الرأى خصوصاً إذا تذكرت المتاعب التى تعرض لها النبى ^ من التكذيب والانكار والمعارضه واللغط بين المصدقين والمكذبين ولذلك فإن التسريه لم تحدث
قلت : لا أجد معنى آخر خلاف هذا المعنى مع أنى – عفواً – غير مقتنع ولكن لا حيله .
فبادر سماحته يقول : إن الله لم يعط أحداً علمه كله بل جعل فوق كل ذى علم عليم وعندى رأى أوقع من ذلك الرأى . . . . فما رأيك لو قلنا أن الحكمه من الإسراء والمعراج هى لكى يتشرف الجسد المحمدى بما تشرفت به الروح ؟ .
قلت : هذا رائع و لكن . . . .
قال : ليس فيها لكن .
قلت : ولماذا ألم يكن هناك لكن وتحفظ على الرأى الأول ؟
قال : هل لديك تحفظ على هذا المعنى ؟
قلت : ليس تحفظاً – معاذ الله – ولكن ملاحظة أراها منطقيه من باب المحبه لسيدنا
قال سماحته : دائماً – ولاأقول غالباً – المحبه ملهمة للمحبين .
قلت : ملاحظتى هى على موضوع يتشرف الجسد المحمدى بالسماء وأنا أرى أن الجسد المحمدى أشرف من السماء والأرض اليس كذلك ؟
فسكت السيد بل صمت صمت الحكماء ثم نظر بعيداً بعيداً ثم قال : لقد ذكرتنى أيها الولد بابيات من النظم الصوفى الراقى قال ناظمها :
على رأس هـذا الكــون نعــل محـــمـد  …..  علا فجميع الكون تحت ظلالـه
على الطور موسى نودى أخلع وأحمد  …..  على العرش لم يؤذن بخلع نعاله
قلت : الله . . . . الله لعل الناظم المحب يشاركنى الرأى فألأمر أسمى من مجرد التسريه عن الرسول الكريم ^ أوتشريف جسده الشريف بالصعود إلى السماء وهو أشرف منها .
وهنا قال سماحته : يا بنى ليس كل ما يعرف يقال إلا إذا جاء أوانه وحضر أهله وأنا أخشى على العامه من سماع آراء الخواص من الأولياء .
قلت : يا سيدى بهذا المنطق سيظل العوام عواماً والخواص خواصاً فإذا مات أحد الخواص تلو الاخر لإنقرض الخواص ولكن الصواب أن يعرض كلام الخواص على العوام ولا نتوقع الإجماع على الرفض وكذلك لا إجماع على القبول وبذلك سوف يرتقى بعض العوام ليصيروا خواصاً وهكذا ومعذره على إسترسالى غير اللائق .
فقال سماحته : ما رأيك لو قلنا إن الحكمه من الإسراء والمعراج هى لكى يتشرف الملأ العلى بالجسد المحمدى كما تشرف بروحه الشريفه من قبل ولكى يشرف جبريل بخدمة الرسول ^ ويشرف ميكائيل بصحبته  ويشرف الانبياء بالصلاه خلف حضرته وتشرف الملائكه فى السموات برؤيته وقبل ذلك يشرف البراق بحمل حضرته وليمتع الله حبيبه ^ برؤيته قلت : رؤية الله ؟
قال سماحته : نعم فهى ممكنه بإذن الله لا بقدرة من يراه فالعين بإذن الله ترى والعقل والقلب كذلك والروح ترى بإذن الله وليوحى الله إلى سيدنا محمد ^ بدون واسطه جبريل [ فَأَوْحَىٰ إِلَى عَبْدِهِ مَآ أَوْحَىٰ ] (10 النجم) وفى النهايه فإن الهديه الغاليه فى موطن أعلى من منزلة جبريل أمين السماء. فأما أن ينزل الملك ! ! أويصعد العبد لتسلّم الجائزه فما رأيك ؟
قلت : يصعد العبد فما هى الجائزه ؟ .
قال سماحته : الصلاه .
قلت لا حول ولا قوة إلا بالله .


والسـلام عليكـم
وعليكم السـلام
مـريـد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)الترمذىالجزء(4)- ص(451) رقم الحديث 2144- عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله ^ “لا يؤمن عبد حتى يؤمن بالقدر خيره وشره حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وأن ما أخطأن لم يكن ليصيبه”