الغاية والوسيلة

مجلة التصوف الإسلامى
عدد (288) فبراير 2003

[بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ]
[ يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَابْتَغُوٓاْ اليه الْوَسِيلَةَ ]

(35 المائدة)

فرحة الحائر إذا استدل … والوالد بمولوده إذا استهل وفرحة المؤمن برضاء ربه الأعز الأجل … كفرحة السائل إذا أشرق نور العلم عليه وأطل …
فقد زاد الله من تفضله وكرمه والتقيت بسماحة الإمام وطبعاً لا يجوز أن تبدأ الحوار قبل الفوز برد السلام … سيدى صاحب السماحة … أرجو التكرم بشمولنا بما عهدناه فى سماحتكم من سعة الصدر وكثرة الصبر والتجاوز عن أسلوبنا فى السؤال قال سماحتة: مادمت قد علمت ما تقول فهو لك قلت: سيدى هل التوسل إختراع جديد نشأ مع التطور العلمى والتكنولوجى ؟

هل هو من الأمور التى صاحبت الغزوات والحروب ؟ هل هو من الأمور الخاصة ؟ بأهل قارة بعينها ؟ ثم إنتقل بفعل فاعل إلى باقى القارات ؟ هل هو من توابع الدولة الفاطمية أو العثمانية أو الفلانية ؟ هل هو من عادات وتقاليد الشعوب الأخرى إنتقلت إلى المسلمين عبر التجارة ؟
هل هو أمر مستنسخ حديثاً أو هو لغز يصعب حله حتى تثار حوله هذه الضجة وتستمر هذه المدة ولم تهدأ على مدار القرون ؟ هل هو دخيل على الدين .. هل هو من الدين .. من الأصول .. من الفروع .. من المستحبات .. من المكروهات .. من ال .. فاستوقفنى سماحتة بما عهدناه فيه من حلم العالم وعلم الحليم وقال : بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم وبارك على نبيه الكريم .. إعلم يا بنى أن سبب الإختلاف والتقاذف هو غياب التعريف والتعارف .. فقد ترى رجلين يتجادلان وهما على اتفاق ولكن غاب عنهما التعريف لما فيه يتجادلان وحتى لا أطيل عليك فيهرب المعنى من بين يدك دعنى أعرف لك التوسل ..
فالتوسل لغة هو إستخدام وسيلة لبلوغ غاية وعلى ذلك فلا علاقة بين هذا التعريف وبين كل ما ذكرت فى سؤالك فإن الانسان عموما يستخدم عينه فى الرؤية وأذنه للسمع ولسانة للتذوق مهما كان دينه أو بلده أو زمنه بل زد على ذلك الحيوانات كذلك تستخدم حواسها فى إدارة شئون حياتها .. هكذا خلقت ومادام الأمر كذلك فلك أن تضيف عبارة أخرى التوسل عرفا .. ضرورة فطرية ..
ولما كان الإسلام دين الفطرة [فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ] (30 الروم) وما دام أكثرهم لا يعلمون فهذا يعنى أن أقلهم يعلمون والإسلام لم يغير من طبيعة المسلم من حيث إستخدامه لوسائله ولكنه شرع له تقنين إستعمال هذه الوسائل ولم يتركها له مطلقة كسائر المخلوقات فأمر المسلم بغض الصوت وغض البصر عما حرم الله وغض السمع عما حرم الله وغض الجوارح إلا فى حدود ما شرع الله .. وهذا معناه أن الله تعالى ربط الوسيلة حلا وحرمة بالغاية إباحة ومنعا فعندما تكون الغاية هى التجسس يحرم استخدام العين أو الاذن مثلا وإذا كان الامر كذلك فإن التوسل ليس حلالا مطلقا وليس حراما مطلقا فاطلاقة حلا نوعا من التطرف وكذلك إنكارة مطلقا نوع من التطرف ومن باب وسطية الأمة ووسطية كتابها وشرع الله فيها فإن الوسيلة تحل بحل الغاية وتحرم بحرمتها .. وبذلك يكون المعنى مجملا التوسل هو : (إستخدام وسيلة لبلوغ غاية وهو ضرورة فطرية تحل بحل غايتها وتحرم بحرمتها) ومن هذا المنطلق يمكنك أنت ايها السائل أن تجيب على سؤالك فقد عرفت القاعدة الأصولية لهذا الأمر قلت نعم أكاد أجيب نفسى من خلال توضيح سماحتكم إذن التوسل فطرة حدد الشرع لها حدوداً وأفهم من ذلك أنه ليس الصوفية وحدهم يتوسلون وأن من ينكرون عليهم يتوسلون أيضا وهم ينكرون ثم ينكرون وهم يتوسلون بل يجيبون أنفسهم وهم يسألون.
وإن الصوفيه لو لم يكن لها أصل فى دين الله لمحى اثرها من الوجود غير أن الهجوم على الصوفية وإن علا طنينه وزاد منتهجوه فهو لا يزيد عن كونه هجوم فراشات على النار ولكن أقتداءنا بسيدنا وسيد العالمين ^ يجعلنا نقول ” اللهم أهد قومى فإنهم لا يعلمون “ فشكرت سماحته واستأذنت فاذن مشكوراً وأنصرفت شاكرا والحمد لله رب العالمين ..

والسـلام عليكـم
وعليكم السـلام
مـريـد