المحبة والعبادة

مجلة التصوف الإسلامى
عدد (287) يناير 2003

[بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ]
[ قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّـمَّـا يَجْمَعُونَ ]

(58 يونس)

فرحة الوجد بعد الفقد والأمل بعد اليأس والجنة بعد البعث لا تساوى فرحة الإصطلاح … فالسير بغير دليل قد يزهق الأرواح وسعياً وراء مبتغاى .. فقد توجهت إلى سماحة شيخ الشيوخ … السلام عليكم سيدى ومولاى ..
وبعد أن تفضل برد السلام قلت : لقد حضرت اليكم حسب موعدة وعدتها إياى فهش لزيارتى وأكرم وفادتى وقال ببساطته المعهودة : هل فهمت معنى الطريقة فى كلمات معدودة ؟

فقلت : جزاكم الله عنى وعن أمثالى خيراً وإنى فى البداية أود أن أنقل لسماحتكم تحيات محبيكم مع كثير السلام فقال أبلغهم منى السلام … فقلت : يامولانا إننا جميعا نحبك فقال: أحبكم الله جميعا ، فسبقنى لسانى وقلت : هل ذلك يعنى أننا نعبدك؟ فتبسم ضاحكاً من قولتى وقال : أرجو ألا يكون ما سمعته صحيحاً يابنى ما هكذا يؤخذ الدين وإن الظن لا يغنى عن اليقين فقلت : وما دخل سؤالى (نفعنا الله بكم) بالظن واليقين فأنا مبعوث قوم للإجابة متشوقين فقال سماحته يبدو أن مثلك الكثيرين الذين هم للمعانى يخلطون .. يابنى لو عُبد كل محبوب لكثرت الآلهة ولما أمرنا الله تعالى بالحب هل يعقل أن يأمر الله عباده بعبادة غيره وهو رب العالمين ؟ لقد أمرنا سبحانه أن نحب الخيرات ونحب من الرزق الطيبات ونشتهى برحمته دخول الجنات فهل يعنى ذلك عبادة كل ذلك وغير ذلك من المحبوبين والمحبوبات ؟ فقلت : لقد عودتنا سماحتكم فصل الخطاب فهل من تعريف للحب فبادر سماحته قائلاً : الحب هو ميلان الطبيعة لإرضاء المحبوب أو الميل الفطرى غير المدفوع ولا المستجلب أو المصطنع بحيث يرى المحب كل شىء فى أو من محبوبه جميل ولكن الأمر لا يسلم من وجود شبهة ليس فى المعانى فحب المعبود عبادة ، فقلت وما تعريف المعبود قال سماحته: المعبود هو المقصود لذاته لما عنده وما عنده إنما هو منه ليس من غيره ومن هنا فلا معبود بحق إلا الله سبحانه وتعالى فإن أحببت المعبود يكون الحب عبادة وأما أن تحب غير المعبود من لون أو طعم أو رائحة أو قول أو فعل أو إنسان مخلوق أو متبوع كنبى أو رسول أو ولى … فالله سبحانه ليس كذلك ولا كأى شىء من ذلك ومن قال أن مثل هذا النوع من الحب للمتبوعين يسمى عبادة فقد إتبع هواه وأتبع الظن [إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِى مِنَ الْحَـقِّ شَيْئاً ] (28 النجم) غير أن الحب يُسهل على التابع طاعة المتبوع ولذلك يقول الله لنبيه الكريم ^ : [ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ] (31 آل عمران) وهذا يعنى أن الرسول ^ أعرف الخلق بحب الله فمن أحب الله فليتبع رسوله ليعلمه آداب المحب فى حضرة المحبوب ليدوم الحب ويأتى بثمرته المرجوة [يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ] وعلى ذلك فإن الحب لا يكون عبادة للمحبوب إلا أن يكون المحبوب معبوداً على سبيل القطع واليقين وهذا لا يتأتى إلا للإله الواحد الأحد (سبحانه وتعالى) وهذا هو الحب المسمى بالعبادة [ لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ] (26يونس) ..
جعلنا الله من الذين يحبهم ويحبونه … ومن الذين يحبون من هاجر اليهم ومن الذين يحبون أن يغفر الله لهم وجعلنا الله من الذين يغفر لهم بقدرته إذا شاء وأراد وأن يجعلنا من عباده المواظبين على الاذكار والأوراد وأن يحسن الله غايتنا وييسر لها الوسيلة …
فاستأذنت الإمام ولم أشأ أن أطيل فما دامت الغاية نبيلة فإن الأعمار دونها قليلة
وإلى لقاء قادم مع صاحب السماحة والفضيلة حول علاقة الغاية بالوسيلة ..

والسـلام عليكـم
وعليكم السـلام
مـريـد

————————————————————–
من حديث سنن أبى داود الجزء(5) – ص(266) رقم الحديث4993 عن أبي هريرة عن النبي ^ قال :( حسن الظن من حسن العبادة)